بعد معاركهم التي أعلنوها فجأة ودون سابق إنذار على العرب والمسلمين والتي يصعب أن يوجد لها مبرر واقعي سوى العداء الدفين والكراهية، وبعد شطحة الاستفتاء على منع بناء المآذن والتي جاءت معاكسة تماما لما يرفعه الغرب من شعارات التسامح وحوار الأديان واحترام الآخر المختلف هوية ودينا وثقافة، وبعد حملة الإساءات التي شنتها سويسرا الرسمية هذه المرة على ثوابت ورموز بلد عربي إسلامي مستقل هو ليبيا.. بعد كل ذلك ها أن السويسريين ومن خلفهم بعض أنصارهم الغربيين يجلسون إلى أنفسهم محاولين تقييم حصيلة تلك المعارك المجانية التي أقحموا فيها دولتهم "الفقيرة".. نعم الفقيرة لولا أموال الغير في مصارفها ولولا صورتها كبلد متفتح مستقر متسامح وهو رأسمالها الأول والذي -مع الأسف- أنفقت بيرن برعونة ساستها وإعلامييها الكثير منه في معارك دونكيشوتية لا طائل من ورائها بشهادة أبناء سويسرا وخبرائها هذه المرة بعد أن كان ارتد عليها إشقاؤها وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي. السويسريون يبدون اليوم كمن يلعق جراحه بعد جولة خاسرة من المعارك على الصعيدين السياسي والإعلامي، وقد تمتد الخسائر لتشمل الجانب الاقصادي. ولا أدل على حجم الخسائر التي منيت بها بيرن من قول خبراء إن سويسرا قامت بمعالجة الأزمة التي تسببت فيها مع ليبيا، بـ"طريقة غير محترفة" ما يهدد دور الوسيط التقليدي، الذي عرفت به إلى فترة قريبة مضت، في العلاقات الدولية. كما أنه ليس أكثر وضوحا من قول الأستاذ بالمعهد الاوروبي في جامعة جنيف ريمي بودوي إن "الملف الليبي انعكس سلبا على السياسة الخارجية لسويسرا "لأنه كشف عجزا في معالجة ملفات كبرى".. وأنه يمكننا طرح تساؤلات حول قدرتها على القيام بمساع حميدة في القضايا الدولية المهمة". لقد ظلت لعبة "الحياد" على مدار عقود ماضية أساس السياسة الخارجية لسويسرا وكلمة السر في تسويق صورتها كبلد قادر على التوسط بين الدول في أكثر النزاعات تعقيدا، ومن ثم سمعتها كعامل من عوامل السلم والاستقرار في محيطيها القريب والبعيد، فهل مازالت سويسرا بعد ما تورطت فيه من "معارك" خلال الأشهر الأخيرة قادرة على تمرير نفس اللعبة والتسويق لذات الصورة؟ إن الأكيد أن سويسرا من خلال معاركها الأخيرة ورّطت نفسها في متوالية من الخسائر ستتعدى حدود السياسة والديبلوماسية إلى الاقتصاد، وذلك بشهادة خبراء غربيين أيضا ذهب بعضهم إلى الربط بين أزمة بيرن مع العالمين العربي والإسلامي، ومطالبة الأوروبيين لها بإلغاء السرية المصرفية حتى يتمكنوا من كشف ملفات متراكمة من تبييض الأموال والتهرب الضريبي، وهو الموضوع الذي أبدت فيه بيرن ممانعة شديدة ورفضا قاطعا لأنه يضرب اقتصادها في الصميم.. لكنها ماعادت بعد "معاركها" المذكورة قادرة على التمسك بذات الرفض والممانعة مخافة أن تخسر آخر ما تبقى من مساندة الأوروبيين لها والذين بدوا في الفترة الأخيرة وقد ضاقوا ذرعا بمعاركها المجانية ضد أطراف تربطهم بهم مصالح حيوية، وتستّرها في ذات الحين على أصحاب مصالح ورؤوس أموال يعتبرونهم "مجرمين" في حق اقتصادياتهم التي تعاني أصلا تبعات الأزمة العالمية. وبعبارة أكثر وضوحا ووردت على ألسن الخبراء الغربيين "فإن سويسرا وضعت نفسها في موقف سيضطرها لرد المعروف لمن ساندها من الأوروبيين لأن لكل شيء ثمنا في الديبلوماسية" وأغلى ثمن تدفعه سويسرا اليوم أن تفتح مصارفها أمام المدققين والمحققين وهو ما لن يكون في صالحها حسب تأكيدات الخبراء أنفسهم. إن ما يعنينا في هذا الملف كعرب ومسلمين أن "سعار" أطراف سياسية وإعلامية سويسرية مس أطرافا منّا واستهدف أجزاء من ثوابتنا سواء في مسألة الاستفتاء على منع المآذن أو في المعركة المفتعلة ضد ليبيا. وفي كلا الملفين كانت مقوّمات الهزيمة الذاتية السويسرية متوفرة لأن الحق بيّن، ومظاهر التشنج السياسي والإعلامي بادية للعيان، الأمر الذي عسّر على بيرن إيجاد أنصار لها حتى بين أقرب حلفائها الذين ارتدّ بعضهم عليها. غير أنه لا يمكن التغافل في المقابل على أن مقومات الانتصار كانت متوفرة للطرف العربي الإسلامي، سواء في عاصفة النقد والحجاج التي أثارها العرب والمسلمون بوجه سويسرا بعد تمريرها الاستفتاء على منع المآذن، والتي جاء كثيرها مستندا إلى قوة المنطق ووضوح الحجة والدليل، أو في طريقة طرابلس في الرد على الهجوم السويسري غير المبرر عليها. ذلك أن جنوح الديبلوماسية والإعلام الليبيين إلى الهدوء في الرد على الحملة السويسرية، وتمسك سلطات طرابلس بالقانون وقاعدة المعاملة بالمثل، فاجأت سويسرا ذاتها وعزلتها عن أنصارها الأوروبيين، بل جعلت الكثير منهم يرتدون عليها، كما جعلت ملاحظيهم وخبراءهم يقيمون "المعركة" بالفاشلة ويتوقعون لها المزيد من النتائج العكسية. إلى ذلك جاء تضامن بعض الأطراف العربية مع ليبيا، مؤشرا على وعي أصحابه بأن ما يمس أي طرف عربي إنما يمس الجميع، وأن الجميع في سلة واحدة مغانمهم واحدة وكذلك خسارهم. إن المعركة العربية الإسلامية مع سويسرا توشك على ما يبدو أن تنتهي على هزيمة مدوية للطرف الذي أعلنها دون سابق إنذار ولا سبب واضح. وإن طريقة إدارتها من قبل ليبيا تستحق أن تسجّل كسابقة في سجل العرب والمسلمين الذين كثيرا ما انساقوا بفعل الارتجالية والتشنج لهزائم ما كان لها أن تحدث. مع ذلك يبقى الأكيد أن الضربة التي تلقاها الحقد السويسري لن تقتله، وأن الكراهية لكل ما هو عربي وإسلامي ستبقى متأصلة في كثير من الدوائر الغربية، فلنستعد إعلاميا وديبلوماسيا وقانونيا لحلقات من الصراع قادمة لا محالة.. صراع وضع له رئيس الوزراء التركي أمس أحد أبرز عناوينه حين حذّر من ظاهرة الرهاب الإسلامي "إسلاموفوبيا" داعيا إلى اعتبارها جريمة ضد الإنسانية مثلها مثل مناهضة السامية والعنصرية. فلتكن وحدة الصف وقوة المنطق والقانون والتمسك بالهدوء والبعد عن التشنج في مقدمة أسلحتنا.
المصدر: العرب اون لاين
newsourceforfeeding

dr hanan

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 1 مارس 2010 بواسطة newsourceforfeeding

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

333,613