إعداد: حسنى ثابت

وسط تزايد الطلب على الوقود الحيوى كبديل للنفط، وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحرارى، وفى الوقت الذى أصبح فيه الوقود الحيوى القائم على المحاصيل الزراعية كبديل الطاقة المُتهم الأول وراء غلاء أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم، ‏ تتضافر جهود العلماء للبحث والتنقيب عن وسائل طاقة بديلة، على سبيل المثال التحول إلى استخدام المخلفات الزراعية مثل قش وحطب الأرز وبذور الزيتون وبعض المحاصيل غير الغذائية مثل "أشجار الجاتروفا" ونبات " الهوهوبا" أو "الجوجوبا".

ومن الواضح أن المشكلة عالمية وجميع الدول تتأثر بها‏، فاستخدام فائض الحبوب فى الدول الغنية لاستخراج الوقود الحيو‏ي أدى إلى نقص شديد فى الحبوب بالدول الفقيرة التى لم تجد ما تستورده منها‏، حيث يتم إنتاج الوقود الحيوى من بعض النباتات، كالذرة والسكر وزيت النخيل وفول الصويا وغيرها، وقد شهد إنتاج مثل هذا النوع من الوقود إحداث طفرة فى أسواق الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة والمبيدات.

وعلى صعيد استحداث بدائل للطاقة اتجهت بعض الدول للبحث عن مصادر بديلة للطاقة لا تضر بغذاء الشعوب من ناحية وتكون صديقة للبيئة من ناحية أخرى.

ومن بين هذه الدول مصر، حرصاً منها على تحقيق درجة أعلى من الأمن الغذائى بمفهومه الشامل ومكوناته الأربعة الأساسية وهى وفرة الغذاء، وقدرة السكان فى الحصول عليه وفقاً لدخولهم وقوتهم الشرائية، والاستدامة فى توفير الغذاء، والحصول عليه وسلامته.

من جانبه يقوم مركز البحوث الزراعية بإجراء مشروعات تجريبية لانتاج الوقود الحيوى من المخلفات الزراعية لوقف استخدام المحاصيل الغذائية فى انتاج الوقود الحيوى وقصر انتاجه على المحاصيل غير الغذائية والجيل الثانى منها أى المخلفات كالمولاس وقش وحطب الأرز‏.

الوقود والأمن الغذائى

ووفقاً لما ذكره الدكتور محمد محمود يوسف - أستاذ علوم وتكنولوجيا الأغذية بجامعة الأسكندرية - فإن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الوقود الحيوى والأمن الغذائى، وهذا ما تؤكده عدة حقائق فعندما ارتفعت أسعار الغذاء بمقدار الثلث انخفضت مستويات المعيشة بنسبة‏3%‏ فى الدول الغنية وبنسبة‏20%‏ فى الدول النامية، وفى العام 2008 ارتفع المؤشر الدولى لأسعار المواد الغذائية بنسبة‏33.7%، وهو الارتفاع الأعلى فى التاريخ كما أنفقت الدول النامية - وفقا لاحصاءات البنك الدولى - ما يقرب من‏50‏ مليار دولار على وارداتها من الحبوب، ولذلك فإن حمى تحويل الحبوب إلى وقود حيوى والظروف المناخية السيئة التى أثرت سلباً على الانتاج الزراعى أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية‏.‏

وأضاف الدكتور محمد يوسف أن مصر ليست بمنأى عن المشكلة بل هى فى بؤرة هذه المشكلة لأنها تستورد أكثر من‏90%‏ من احتياجاتها من زيوت الطعام و‏80%‏ من احتياجاتها من الذرة و‏50%‏ من إحتياجاتها من القمح والدقيق و‏50%‏ من احتياجاتها من الفول و‏33%‏ من احتياجاتها من السكر و‏98%‏ من احتياجاتها من العدس، ولذلك لابد من مواجهة هذه المشكلة بزيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل الزيتية‏(‏ دوار الشمس‏)‏ والتوسع فى زراعة الحبوب، واللجوء إلى استخدام مصادر جديدة للطاقة عوضاً عن البترول، ولابد من إستخدام المخلفات الزراعية‏,، ولا سيما قش الأرز - السبب الرئيسى فى ظاهرة السحابة السوداء - لانتاج الكحول، حيث تنتج مصر سنوياً ثلاثة ملايين طن قش أرز يتم حرقها، فى حين تنتج الصين‏ 52‏ مليون طن تستفيد منها بالكامل، أما اليابان فتستورد قش الأرز من الدول المجاورة لتصنيعه. وتصل كمية المخلفات الزراعية فى مصر إلى نحو‏30‏ مليون طن سنوياً وهى ثروة إذا استخدمت بطريقة سليمة حيث يمكن تدويرها لانتاج البيوجاز والأعلاف‏.‏

ويمكن انتاج البيوديزل من أشجار "الجاتروفا" التى تروى بمياه الصرف الصحى علما بأن الزيت المُستخرج منها يقلل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنحو‏90%‏ مقارنة بديزل البترول، ولقد شرعت مصر بالفعل فى إنشاء أول مصنع فى الشرق الأوسط لانتاج البيوديزل من نبات الجاتروفا بمنطقة خليج السويس‏.‏

اهتزاز عرش النفط

فى ظل تكالب وإصرار الدول الصناعية الكبرى على إيجاد مصادر بديلة للطاقة لمواجهة تقلبات سوق النفط أصبح عرش النفط مُهدداً، خاصة مع قرب نفاد احتياطاته وعدم كفاية المخزون منه للإيفاء بالاحتياجات العالمية من الطاقة بعد قرابة نصف قرن، مما يهدد أمن الطاقة العالمى، ويعنى أن إيجاد مصدر بديل للنفط، لم يعد اختياراً بقدر ما أصبح طريقاً حتمياً وهدفاً استراتيجياً يسعى إليه الآن أغلب الدول، ولكن لابد أن يكون هذا البديل مناسباً ومُعالجاً لتلوث البيئة وللمخاطر العالمية للتغير المناخى وذوبان الجليد، خاصة بعدما أصبح النفط ومشتقاته وراء تلك المشاكل.

والبديل الحيوى للنفط هو الوقود الحيوى (الوقود الأخضر) - ووفقا لما ذكره "وحيد محمد مفضل" في مقال له على الإنترنت - فإن الوقود الحيوي هو وقود نظيف يعتمد إنتاجه فى الأساس على تحويل الكتلة الحيوية سواء كانت مُمثلة فى صورة "حبوب ومحاصيل زراعية" مثل الذرة وقصب السكر أو فى صورة "زيوت وشحوم حيوانية" مثل زيت فول الصويا وزيت النخيل، إلى "إيثانول كحولى" أو "ديزل عضوى" مما يعنى إمكانية استخدامهما فى الإنارة وتسيير المركبات وإدارة المولدات، وهذا حادث فعلاً وعلى نطاق واسع فى دول كثيرة أبرزها أمريكا والبرازيل وألمانيا والسويد وكندا والصين والهند، وإن أكثر الدول إنتاجا للوقود الحيوى هى البرازيل‏‏ تليها الولايات المتحدة.

غير أن ميزة الوقود الحيوى الكبرى التى يُعقد الأمل على تطويرها والتوسع فيها، أنه يمكن إنتاجه أيضاً من المخلفات والفضلات الحيوانية والنباتية سواء كانت مخلفات الحيوانات أو قش الأرز ونشارة الخشب، كما يمكن إنتاجه من الطحالب المائية.

واستخدام الوقود الحيوى ليس جديداً، والدليل على ذلك أن المخترع الألمانى‏(Budolf Diesel)‏ الذى اخترع محرك الديزل استخدم زيت الفول السودانى، والمخترع الألمانى ‏Nikolous Augustotto‏ الذى اخترع آلة الاحتراق الداخلى استخدم الإيثانول كوقود، وكذلك استخدمه ‏(Ford)‏ عند تصميم سيارته فى الفترة بين عامى‏1903‏ــ‏1926‏.

من جانبه، أكد الدكتور يوسف أن السعى وراء الوقود الحيوى جاء نتيجة لعدة عوامل منها أن مصادره مُتجددة عكس مصادر البترول المتوقع نضوبه خلال‏ 50‏ أو‏100‏ عام، كما أن حرق الوقود الحيوى لا يلوث الهواء بعكس البترول ومشتقاته لأنه ينتج كميات قليلة من ثانى أكسيد الكربون المؤدى لظاهرة الاحتباس الحرارى واستخدامه بفتح أسواق جديدة فى المجال الزراعى.

وبالمقارنة مع إمكانيات ومزايا المصادر المتاحة حالياً للطاقة المُتجددة، سواء كان مصدرها الشمس أو الرياح أو الأمواج أو غيرها، يبقى الوقود الحيوى- على الرغم مما يحيط به من جدل - هو الأكثر قدرة على دعم أمن الطاقة العالمى، وهذا لأكثر من سبب:

• رخص تكلفته وإمكانية إنتاجه فى أى وقت وفى أى بقعة من الأرض، بسبب توافر مواده الأولية وعدم تقيدها بأى عوامل جغرافية أو طبيعية، وهى ميزة كبرى تفتقدها مصادر الطاقة الأخرى المُتجددة، مثل الطاقة الشمسية التى ترتبط بمقدار سطوع الشمس، وطاقة الرياح التى لا يمكن توفيرها طوال شهور السنة، والطاقة المائية التى ترتبط بوجود ممرات مائية وسواحل بحرية.

• نظافة هذا المصدر وعدم إضراره بالبيئة أو المناخ.

• تميز محروقات الوقود الحيوى - مقارنة بالوقود الحفرى - بإطلاق محتوى أقل من ثانى أكسيد الكربون، المُسبب الرئيسى للاحتباس الحرارى، ومن الرصاص، أحد العناصر السامة والمُسببة للسرطان والأمراض المُستعصية الأخرى، كما أن غالبية زيوت الوقود الحيوى، تتحلل تدريجياً وبطريقة تلقائية، مما يعنى عدم تأثيرها سلباً على البيئة.

• المُساهمة فى استصلاح كثير من الصحارى والأراضى القاحلة، وفى دفع عجلة الإنتاج الزراعى فى أرجاء العالم والتوسع فيه أفقياً ورأسياً، وبشكل لا يستبعد معه حدوث طفرة نوعية سواء فى الميكنة الزراعية المُستخدمة أو مساحات الأراضى المُستغلة أو أنماط وطرق الزراعة السائدة.

• خلق ملايين من فرص العمل الجديدة، وزيادة مكاسب المزارعين والفلاحين، وإلى دعم وتنشيط صناعات كثيرة مرتبطة بالزراعة، ومنها صناعة الأسمدة والمبيدات الحشرية، وآليات نقل وتخزين الغلال، وتحوير البذور جينياً، وغيرها من المجالات.

• المُساهمة فى دعم خطط التنمية المُستدامة فى الدول النامية، وفى خفض معدلات الفقر والجوع وتوفير مصادر الطاقة.

وأوضح الدكتور يوسف ــ أنه يمكن الحصول على الوقود الحيوى‏(الوقود الأخضر‏)‏ بواسطة عمليات تخمير بسيطة لبعض المحاصيل الغذائية، حيث يمكن الحصول على الإيثانول الحيوى‏(‏البيوايثانول‏)‏ من الذرة والقمح وقصب السكر والبطاطس والبنجر، والحصول على الديزل الحيوى‏(‏ البيوديزل‏)‏ من الزيوت ولا سيما زيت النخيل، مُشيراً إلى أن البرازيل وسنغافورة تمكنتا من إجراء تعديل هندسى لمحرك سيارة لكى يعمل بزيت النخيل بدلاً من البنزين.

مصر تطور وقود الطائرات

أثبتت التجارب العلمية أنه بالإمكان إنتاج وقود حيوى يصبح بديلاً لمشتقات البترول‏،‏ ويستخدم وقوداً للطائرات‏،‏ وتم التعاقد على تصدير الإنتاج بالكامل لشركات الطيران العالمية‏.

والتجربة بدأ تنفيذها بمنطقة السخنة بالسويس، بإقامة أول مشروع فى الشرق الأوسط لإنتاج وقود حيوى كأحد مصادر الطاقة النظيفة والآمنة‏، بتكلفة ‏17‏ مليون يورو‏، وبطاقة إنتاجية تصل إلى‏40‏ مليون طن وقود حيوى‏، و‏4‏ ملايين جلسرين طبى‏، بالاستفادة من المخلفات الزراعية‏.

‏ويهدف المشروع إلى توفير الطاقة،‏‏ والقضاء على التلوث‏، وزيادة خصوبة التربة‏. ‏وقال يوسف‏‏ إنه ستتم زراعة‏ 6‏ آلاف فدان السويس‏، زرع منها بالفعل 400‏ فدان على مياه الصرف الصحي.

‏والجدير بالذكر أن تجربة مصر بدأت بزراعة نبات "الجاتروف" فى منطقة الأقصر بزراعة ‏100‏ فدان اعتماداً على مياه الصرف الصحى المُعالجة بدون تسميد‏،‏ بالتعاون مع وزارتى الزراعة والبيئة‏،‏ وقد تفوقت هذه الزراعات على مثيلتها فى العالم كله‏،‏ كما ستتم زراعة‏10‏ آلاف فدان بأسوان‏.‏

أول مصنع للوقود الحيوي

فى أكتوبر 2008 افتتح أول مصنع لإنتاج الوقود الحيوى الصلب من المخلفات الزراعية وخاصة قش الأرز، فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى محافظة الشرقية ليكون هذا المشروع هو الرائد والأول من نوعه فى انتاج الوقود الحيوى الصلب من المخلفات الزراعية وخاصة قش الأرز وليس من المحاصيل الزراعية.

وقد أقيم المصنع على مساحة ٤ أفدنة بمركز أبوحماد بمحافظة الشرقية باستثمارات قدرها ٢ مليون يورو يتحملها القطاع الخاص، حيث تم تجهيز خط إنتاج لمُعالجة وإنتاج كرات الوقود الحيوى، ويستهلك ٤٠ ألف طن سنوياً من قش الأرز ويكون فى النهاية على شكل أحد أنواع الفحم الفاخر، ويوفر المصنع ٢٠٠ فرصة عمل لأبناء المحافظة علاوة على الوقود الحرارى المنتج.

والجدير بالذكر أنه تم الاتفاق على إنشاء مصنعين آخرين، الأول بمحافظة الشرقية، والآخر بشمال محافظة الدقهلية بطاقة إنتاجية ٥٠ ألف طن قش أرز سنوياً للمصنع الواحد، وأن البدء فى تشغيلهما سيكون العام المقبل، وأنه سيتم تخصيص الأرض اللازمة لإقامة المشروع.

الوقود الحيوى من بذور الزيتون

توصل علماء أسبان من جامعتى خاين وغرناطة إلى طريقة لانتاج الوقود الحيوى من بذور الزيتون، وذلك بتقنية جديدة تتميز بأنها لا تستخدم المحاصيل أو الأراضى الزراعية التى يمكن استغلالها لانتاج الغذاء.

ويتوفر سنويا أربعة ملايين طن من بذور الزيتون كمخلفات طعام ومن الممكن أن تستخدم هذه الكميات لانتاج الوقود باتباع هذه الطريقة الحديثة.

وقال "سيباستيان سانشيز" الباحث المُشارك فى المشروع إن انخفاض تكلفة تصدير ومُعالجة بذور الزيتون يجعل منها مصدراً جذاباً لإنتاج الوقود الحيوى، ويمكن انتاج 7ر5 كجم من الكحول الإيثيلى من كل 100 كجم من بذور الزيتون، وأضاف أنه إذا ما أمكن التوصل إلى طريقة لاستخدام كافة المخلفات الزراعية كما هو الحال بالنسبة لبذور الزيتون فسيكون لدينا رصيد هائل من الطاقة.

وقف انتاج الوقود الحيوي عالميا

أقيم مؤخراً مؤتمر الوقود الحيوى فى ساوباولو بالبرازيل تحت شعار "الطاقة الحيوية قوة دفع لعملية التنمية المُستدامة" تضمن محاور رئيسية تم مناقشتها واستعراضها، حيث جاء محور تأمين إمدادات الطاقة على رأس الموضوعات التى تم مناقشتها وعلاقة الوقود الحيوى كمصدر للطاقة بالتغيرات المناخية وعلاقته بالتنمية المُستدامة وتأثيره على الغذاء وأسعاره.

كما تضمنت أعمال المؤتمر استعراض الدراسات حول الجيل الثانى من إنتاج الوقود الحيوى من خلال مراجعة التكنولوجيات الحالية المستخدمة فى إنتاج الوقود الحيوى والتكنولوجيات الحديثة المطلوبة لإنتاج الوقود الحيوى من المخلفات.

المصدر: اخبار مصر
newsourceforfeeding

dr hanan

  • Currently 186/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
61 تصويتات / 2960 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

332,311