أكثر الأسئلة إثارة للضحك في مصر الآن: عندك بديل؟


يشهرها في وجهك كل من لا يريد أن يتزحزح قيد أنملة عن النعيم الذي يرفل فيه، في ظل سلطةٍ تحمل جوالاً على ظهرها، وتدور في أزقة السياسة الدولية. تمد يدها، فإن عادت فارغة، مدت ألسنتها وأذرعها، تنهش من لا يستجيب لطرقاتها الطائشة على الأبواب والنوافذ.


قبل أن تحط طائرة العاهل السعودي في مطار القاهرة، كان عبد الفتاح السيسي يطلب من معاونيه إخراج صور وماكيتات "العاصمة الإدارية الجديدة"، أو أكبر أوهامه منذ اعتلى السلطة، ويستدعي المصورين لصناعة لقطاتٍ مخصصة لاستقبال المانح الأكبر، يظهر فيها الجنرال وهو يتابع "عن كثب طبعاً" مراحل تنفيذ الحلم الكاذب.


لاحظ دلالة التوقيت، وقل لي: هل هناك أكثر من ذلك رخصاً؟


عندك بديل؟ يا له من سؤال، يكفي لإشباع ملايين الجوعى لوجبة كوميدية حريفة.


تخيل أن شخصاً سقط في بيارة للصرف الصحي، ويعافر لكي ينجو بنفسه من روائحها الكريهة، وعفنها المنتشر، طالباً العون للخروج، فيردّون عليه: لماذا تريد الخروج، هل لديك بديل أفضل؟


هل لديك أفضل من العفن، كما وصفت صحيفة تايمز البريطانية دولة السيسي في عنوانها أمس "استبداد في القاهرة: مقتل جوليو رجيني يشير إلى العفن الذي ينخر في الدولة المصرية".


عندما يصبح السؤال عن البديل ملتصقاً بمحاولات الانعتاق من الفشل والفساد والتغييب الكامل لحقوق الإنسان، فهذا يدعو إلى الأسى على هذه الحالة من التوحد مع المستنقع، بثقافته وقيمه ورؤيته للحياة، يستوي في ذلك المتعايشون معه، وأولئك الذين ينشطون في ترويج سلعة البدائل الأكثر رداءةً، والأبعد عن التحقق في الواقع، وكأنهم توافقوا مع المعسكر الأول على تجميد هذا الوضع أطول فترة ممكنة، واقتلاع فكرة البديل من تربتها الأصلية، في الداخل، ونقلها للعرض فقط، في فاترينات الخارج.


قبل أكثر من تسعة أشهر، وفي ظرفٍ مشابه لما تعيشه مصر في اللحظة الراهنة، قلت إن البديل يُصنع في الداخل، ولا يُستورد من الخارج، لا يأتي فوق دبابة، ولا في جوف كيسٍ من الأرز، ولا يصل في حقيبة دبلوماسية، بل هو هناك تحت أقدام من يبحثون عنه، في تربةٍ لا تمنح زرعها إلا لمن يوفيها حقها من الكفاح.


وأكرّر هنا أيضاً كلاماً قلته في أكثر من مناسبة، إن ما دون ذلك هو الطفولة السياسية لدى سلطة تتغذّى على حليب المانحين، ومعارضة تنتظر الحل من خارج الحدود، لا من تحت الجلود، تعبيراً عما أسميتها "حالة "نكوص"، أو طفولة سياسية مصرية، تتأسس على سيكولوجية البحث عن "الكبير"، أو "الراعي" الذي يستجيب، جزئياً أو كلياً، لطموحات وأحلام وتطلعات هذا الطرف، أو ذاك، من معسكري السلطة والمعارضة.


أي بؤسٍ تستقر في قاعه مصر، حين يحبس محسوبون على معسكر مناهضة الانقلاب أنفاسهم، مع زيارة ملك السعودية إلى القاهرة، تعلقاً بمبادرة للحل، أو لبديل للوضع الراهن يفرضه على سلطةٍ جاءت إلى الحكم بجريمةٍ سياسيةٍ وحضاريةٍ، شارك فيها كل داعمو الاستبداد في العالم؟.


وأي انحطاطٍ أكثر من أن تتقافز قرود السلطة فوق أشجارها، وهي تخرج لسانها لمعارضي النظام، ويهتف أحدها، بخلاعةٍ تناسب راقصةً في علبة ليل، قائلا عن خطاب الملك في البرلمان "أنا متصور عند هذا الخطاب سيصاب كل الإخوان وأعضاء التنظيم الدولي الإرهابي بالسكتة القلبية؛ لأنه سيؤكد على عمق العلاقات التاريخية والمصيرية والمستقبلية بين البلدين".


أي مهانةٍ قوميةٍ، حين يستبق أحد قرود السلطة اللاهية فوق شجرة الطائفية زيارة الملك بالقول"لو كانت مصر دولة اقتصادها مرتفع، ولم تحصل على مساعدات، لما استطاعت إيطاليا التصعيد ضده، ولو كان هذا الطالب (جوليو ريجيني) توفي في السعودية، لما استطاعت إيطاليا الرد على المملكة".

المصدر: وائل قنديل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 9 إبريل 2016 بواسطة news2012

صحافة على الهواء

news2012
نتناول الموضوعات السياسية والعلمية والدينية والإجتماعية على الساحة الداخلية والخارجية وتأثيرها على المجتمع المصرى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

125,341