كل ما يجري على الأرض في مصر الآن ينطق بأنها دولة دستورها "الفوتوشوب"، تقودها زعامة كارتونية، مصنوعة في ورش إعلام بلغ من العبط عتياً.
الدولة التي مارست القرصنة على صور شخصية للمواطنين، واستخدمتها بدون علمهم أو إذنهم في ملصقات دعائية لترويج مشروعات الجنرال عبد الفتاح السيسي وأوهامه القومية، مثل مشروع تفريعة قناة السويس وخلافه، لم تتورّع عن سرقة ألعاب البلاي ستيشن والفيديو جيم، في ترويج انتصارات سيّدها الروسي، الوهمية، في لعبة "الحرب على الإرهاب" التي تستهدف بها انتشال نظام بشار الأسد في سورية.
آخر الفضائح، في هذا الصدد، أفرطت مواقع التواصل الاجتماعي في السخرية منها، طوال الساعات الماضية، بعد أن سطا الإعلام السيساوي على لعبة إلكترونية شهيرة، وقدمها للمشاهدين، على أنها أعمال عسكرية روسية على الأرض السورية.
قبل هذه الفضيحة بساعات، كانت مسخرة قضائية أخرى بحبس شاب من الإسكندرية ثلاث سنوات، بعد محاكمته عسكرياً، بتهمة وضع صورة عبد الفتاح السيسي على هيئة شخصية "ميكي ماوس" الكارتونية الذائعة، ونشرها على حسابه في "فيسبوك".
تبدو المفارقة، هنا، باعثة على الأسى، إذ لم يفعل الشاب أكثر مما تفعله وسائل إعلام السيسي التي تكدح، ليلاً ونهاراً، لتثبيت صورة أسطورية له، لا تختلف عما تراه في عالم الرسوم المتحركة، بل إن هذا الإعلام نفسه احتفى، على نطاق واسع، في عيد الحب 2014 بأن الجماهير وضعت صورة السيسي على قناع ميكي ماوس في ميدان التحرير، وهللت لذلك، باعتباره دليلاً على حب الشعب له، ولم يعترض أحد، ولم نسمع أن بلاغاتٍ قدمت إلى النيابة والقضاء، بتهمة الإساءة للذات السيسيّة.
وليس مدهشاً بالمرة أن الحكم المشدد على شاب ربط بين السيسي وميكي ماوس في صورة تعبيرية، يتزامن مع تخفيف الحكم على الذين ثبتت إدانتهم في محاولة اقتحام قصر الاتحادية، ورسموا الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي على هيئة خروف، على جدران القصر، حيث تم تخفيض العقوبة من عشر سنوات إلى السجن عاماً فقط.
هذا على مستوى الشكل، أما على مستوى الموضوع، فإن أي منصف يعكف على تحليل مضمون خطاب عبد الفتاح السيسي سيجد أنه ينتمي كلياً إلى عالم "والت ديزني" و"ميكي ماوس"، وينطبق ذلك أيضا على الخطاب الصادر عن إعلامه وخبرائه الاستراتيجيين ورجال دينه، حيث لا يقل مأساوية عن توظيف لعبة فيديو لإظهار عبقرية العسكرية الروسية، أن يدلي خبير عسكري استراتيجي عن سعادته بفوز "السيدة رباعية التونسية" بجائزة نوبل للسلام، أو أن يخترع نظرية جديدة لحل مشكلات مصر المائية بالترويج لانهيار سد النهضة الإثيوبي ذاتياً، وبالتالي، تتدفق كل مياه النيل إلى مصر.. أو أن يعلن مفتي السيسي أن الزعيم النازي أدولف هتلر كان يدرب الإخوان المسلمين على القتال العنيف في منطقة حلوان، جنوب القاهرة.. أو أن يفتي الزميل إبراهيم عيسى بأن كل الشعب المصري سعيد وفرحان بالعمليات العسكرية الروسية ضد الشعب السوري الشقيق وثورته، باستثناء السلفيين الذين يستنكر سماح الدولة المصرية لهم بأن يعيشوا على أرضها. وبما أن البلاد ترفل في نعيم "الميكيماوسية"، فليس من المستبعد أن يصدر حزب النور السلفي بياناً يعلن فيه أن برنامجه السياسي يقوم على المزج بين الشيوعية والتشيّع والسلفية، في مواجهة الأصولية الأميركية الإمبريالية.
هي مصر في طورها "العكاشي" الذي اندلع قبل أكثر من عامين، ثم أخذ الأمر يتطور ويستفحل، حتى تجاوز مرحلة الكوميديا التجارية الرخيصة، وبلغ حد الخلل العقلي، والجنون الرسمي، وبعد أن كانت المسألة محصورة في شخص مولع بتقمص شخصيات هاربة من فصول الفانتازيا، في كتب التاريخ الصفراء، تحولت إلى سياق عام من الهزل، تذوب فيه الفروق بين ما يصدر عن الدبلوماسية وما "ينشع" من ملاهي الـ"توك شو" الليلية.

المصدر: وائل قنديل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2015 بواسطة news2012

صحافة على الهواء

news2012
نتناول الموضوعات السياسية والعلمية والدينية والإجتماعية على الساحة الداخلية والخارجية وتأثيرها على المجتمع المصرى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

126,499