المنطق الذي يبرر به عبد الفتاح السيسي إرهاب نظامه ضد المواطنين يقول: لماذا أتركهم للبحر يبتلعهم، كالسوريين، إذا كانت سجوني ومعتقلاتي قادرة على ابتلاعهم؟ عدد الذين ماتوا داخل سجون السيسي يفوق عدد من ماتوا من النازحين السوريين في حوادث غرق وسير، وهم يقصدون أوروبا، طلباً للجوء والهروب من سلطة تحكم بالبراميل المتفجرة، كما يحكم السيسي بالعصا الأمنية الغليظة، والهراوات القضائية الثقيلة، والعبوات التلفزيونية الناسفة للحريات والأخلاق، وحافظ أبو سعدة ومجلسه الحقوقي، الذي يترأسه رجل مخابرات عبد الناصر ووزير إعلامه. يقول السيسي لمحطة التلفزة في سنغافورة، ردا على سؤال بشأن قمع الحريات بقانون الإرهاب، إن هناك أخطر من قانون الإرهاب، هو الحيلولة دون لجوء التسعين مليون من المصريين إلى أوروبا، وغرقهم في محاولات الهجرة غير الشرعية، كما يحدث مع السوريين.
مرة أخرى، هو يجتر عبارته البائسة "أحسن ما نبقى زي سورية والعراق"، تلك العبارة التي تحولت إلى قانون، يسمح بتحويل أكثر من ستين ألف مصري إلى مشاريع ذبائح داخل السجون، لا يمر يوم من دون الإعلان عن التخلص من ذبيحة جديدة، ويبرر انتهاك الأعراض والتعدي على الملكيات الخاصة للأفراد، وتجفيف منابع الحريات السياسية والاجتماعية والإعلامية، وحشر مصر داخل سجن الخوف. يكاد السيسي يلقي باللائمة على من يحاولون الإفلات من القبضة المميتة للسلطة السورية، قفزاً على الأسباب التي تدفع شعبا، صاحب جذور حضارية راسخة، للهرب والتفكير في الارتحال عن الوطن، وكأنهم يعبرون المتوسط إلى أوروبا، في قوارب متهالكة، من أجل السياحة، أو بحثا عن عقود احتراف في بطولات الدوري هناك.
ذهب السيسي في زيارته الدورية، نصف السنوية، إلى روسيا، ليشحن بطارية الاستبداد، ويستمد القدرة والجرأة على المضي على طريق القمع والدم. عاد من روسيا منتفخ الأوداج، فيلتقط القضاء الإشارة، ويهوي على رؤوس صحافيي "الجزيرة" بأحكام بالسجن، ويعلن، لأول مرة، عن التنسيق الأمني (وليس فقط العسكري) مع سلطة الموت في سورية، لينفتح الباب أمام مرحلة استهداف السوريين في مصر، بالتنكيل والتسليم والإلقاء في البحر، بحثاً عن النجاة في أوروبا.
وبهذا، يكون السيسي شريكا لبشار الأسد في المسؤولية عن إزهاق أرواح اللاجئين السوريين، قبل الوصول إلى العواصم الأوروبية. وبالتزامن مع الحج إلى الكرملين، كان هناك وفد من إعلاميي السيسي يزور عتبات الإرهاب والاستبداد المقدسة في سورية، وينقل أحدهم أن "وزير الخارجية السوري كشف لهم، في اللقاء، عن وجود تعاون أمني مشترَك قائم بالفعل بين سورية ومصر، يسير على قدم وساق؛ في إطار مكافحة الإرهاب بكلّ مسمياته".
والتعاون الأمني يعني، بالضرورة، اتفاقيات تبادل تسليم المطلوبين للنظام. وعلى ذلك، فالنتيجة المباشرة، هنا، أن آلافاً من الأشقاء السوريين احتضنتهم مصر الثورة يتهددهم خطر وضاعة ونذالة مصر الانقلاب، ما يؤدي، بالضرورة، إلى أن عمليات بطش بسوريي القاهرة قادمة في الطريق، قربانا للسيد الروسي الذي أصدر الأوامر بالتعاون الكامل في عملية انتشال النظام، وإغراق الشعب، السوري، في البحر.
وحين يقع ذلك، لن يجد نظام السيسي عناء في إيجاد حقوقيين من نوعية حافظ أبو سعدة، يظهرون وكأنهم في لقطات إعلانية عن السجون، كمنافس لأكبر المطاعم في مصر، ويبتسمون في سفور أمام الكاميرات، ومذاق الطعام ونكهته وجودته تكاد تذهب برؤوسهم، على نحو يدعو محلات الكباب الشهيرة للقلق على مستقبلها في السوق، في ظل هذه المنافسة الشرسة من "أبو سعدة" لمزاحمة "أبو شقرة".
المنطق الذي جعل أساتذة جامعات وأطباء كباراً ينتظمون في فرق الترويج لاختراع علاج الإيدز بالكفتة، باعتباره إعجازاً علمياً لا مثيل له، هو نفسه الذي يجعل حافظ أبو سعدة وفرقته يتحدثون عن فخامة السجون وروعة مذاق مأكولاتها، كأماكن منافسة لأشهر المقاصد السياحية في العالم.