حدّثني عن عقيدة حكام مصر هذه الأيام.. هل لديهم إلا عقيدة الابتزاز، ومبدأ التكسّب والتربّح؟
ماذا في ضميرهم بشأن قضية الصراع العربي الإسرائيلي، مثلاً؟
كيف يرون فلسطين، وكيف ينظرون إلى إسرائيل؟
وفقاً لقضائهم المعجون بالسياسة، حتى التخمّر، فإن أحكاماً تأتي وتروح، حسب حالة الطقس، تعتبر المقاومة الفلسطينية إرهاباً، وتقضي بعدم الاختصاص في اعتبار الكيان الصهيوني عدواً وإرهابياً.
وفقاً لتصريحات الحاكم، فإنه يفاخر بالعمل على حماية أمن الاحتلال الصهيوني، والحرب من أجل ألا تكون سيناء مصدر تهديد له.
وتبعاً للتصريحات المنهمرة من ساسة إسرائيل وعسكرييها، فإن الانقلابى عبد الفتاح السيسي "حاكم لُقْطة" في نظرهم، وأن ما أداه ويؤديه من خدمات لمصلحتهم، فاق التوقعات، بل والأمنيات والأحلام.
عربياً وإقليمياً، يؤسس النظام المصري علاقاته، عداوة وصداقة، على أساس المنح والمساعدات، مالياً وسياسياً، ليصبح العدو هو من ينطق بكلمة ضد ممارساته القمعية وانتهاكاته المتواصلة للحقوق والحريات، والذي لا يصفّق له أو يكافئه، على جرائمه ضد الإنسانية. أما الصديق والحبيب والجار، فهو من يمنح أرزاً بغير حساب، ويتبنى، دبلوماسياً، بغير نقاش. وهنا، من الطبيعي أن تجد إسرائيل موضعاً لها في لائحة أصدقاء النظام ورعاته، من العرب والعجم.
وفي المقابل، تصير فلسطين عبئاً وهمّاً ثقيلاً، على قلب النظام الذي يتخذ من الإجراءات المعلنة، ما يؤكد حقيقة أنه بالمرصاد لكل ما يساند مقاومة الشعب الفلسطيني الصامد، من دول أو منظمات أهلية ودولية، حتى وإن تظاهر في بعض المناسبات بأنه إنساني وعروبي، كما هو حاصل في مأساة حرق الرضيع الفلسطيني على أيدي المستوطنين، مع الوضع في الاعتبار أن الحقيقة التاريخية تقول إنه لا فرق في الكيان الصهيوني بين عسكري ومدني، أو مستوطن ومسؤول سياسي، كلهم عسكريون، كلهم صهاينة.
خذ عندك.. لم تكد تمر ساعات على فاجعة حرق الرضيع، حتى خرج وزير الأوقاف في نظام انقلاب عبد الفتاح السيسي ببيان ضد اثنين من الكيانات الإسلامية، عرف عنهما الدعم لنضال الشعب الفلسطيني، والرفض المطلق للتطبيع مع العدو الصهيوني، أولهما "جبهة علماء الأزهر" التي ظهرت في مصر منتصف تسعينات القرن الماضي، بعد "أوسلو"، حيث كان محمد سيد طنطاوي مفتياً لنظام مبارك ثم شيخاً لأزهره، يتبنى نهجاً شديد الود مع حاخامات إسرائيل، شديد العداء مع فكرة الجهاد ضد المحتل، صارم الإدانة للعمليات الاستشهادية التي ينفذها فلسطينيون، دفاعاً عن وجودهم وحفاظاً على بقائهم، وكانت "جبهة علماء الأزهر" بمثابة الصوت الإسلامي الآخر بمواجهة طوفان التطبيع الديني/ الرسمي.
والكيان الآخر هو "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يضم منارات الفكر الإسلامي في هذه الأمة، وعلى رأسهم الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور راشد الغنوشي، ويأخذ على عاتقه مهمة استنهاض الأمة، دفاعاً عن الأقصى والمقدسات، ودعم كفاح الشعب الفلسطيني.
كل هذه أسباب تبدو كافية للغاية، لكي يصدر وزير أوقاف النظام الانقلابي بياناً، أمس، يعتبر فيه كلاً من "علماء الأزهر" و"علماء المسلمين" من الكيانات الإرهابية، هكذا أعلنها، ورائحة احتراق جلد الرضيع الفلسطيني الشهيد لا تزال تعبق الأجواء، من دون أن يجرؤ على اعتبار الاحتلال الصهيوني هو الآخر إرهابياً.
لم يكتفِ وزير أوقاف السيسي بذلك، بل توعّد بإجراءات عقابية صارمة، ضد من يثبت انتماؤه، أو تأييده، للكيانين.
تلك هي عقيدة النظام الحالي، التي يعبّر عنها، بصياغات مختلفة، عبد الفتاح السيسي ووزير أوقافه، ومواطنوه الشرفاء، ممّن فوّضوه بالقتل وإراقة الدم، مثل ذلك التاجر البورسعيدي الذي وضع لافتة عريضة من القماش، أمام متجره، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، ويقول فيها "عندنا قنال جديد وطائرات رافال وإف سكستين، وأيام تركيا وقطر معانا طين".
عقيدتهم هي: نحب إسرائيل، ونبوس الأرض تحت أقدام مانحي الأرز.. ونعادي تركيا وقطر والمقاومة الفلسطينية.
كان نظام مبارك يتبادل الأنخاب مع إسرائيل، في السر والعلن، لكنه كان يغمض عينيه عن قومجية محترفين يصرخون في الميكروفونات والمانشيتات ضد "العدو"، ويصم أذنيه عن شعبان، المطرب الشعبي، وهو يصيح "أنا بكره إسرائيل"، أما الآن فقد غيّر القومجية نشاطهم، ولم يعد مطلوباً من شعبان أن يكره لهم إسرائيل.
سيأتي جيل آخر يكافح عدوه، صدقاً لا تمثيلاً ركيكاً، ويكره إسرائيل، كمبدأ أخلاقي، لا غناء بالأمر، أو بالأجر.