*** يعلم أصغر طالب يدرس الكيمياء أن تصنيع البطارية عملية تبدو أسهل كثيراً من تحضير البيتزا، بل إن الورش الصغيرة المتناثرة في القرى والنجوع تستطيع تصنيع بطارية للسيارة، غير أنه، على اعتبار أن مصر تعيش زمن الزعيم الملهم، العبقري الأسطورة، فكل ما يقع فيها من أحداث هو إنجاز تاريخي.
ولأن الزعيم "المبروك" يستعين على قضاء إنجازاته بالكتمان كان يجهز جيوش إعلامه للاحتفال بتوقيعه على أول بطارية سيارات صناعة مصرية، فيما كان الكيان الصهيوني قد تعب من إحصاء رؤوسه النووية المكدسة.
*في هذا الوطن السعيد، الذي هو قد الدنيا تم تحويل وطن كبير إلى حضانة أطفال، أو عنبر للبلهاء

*** قرار سلطة الانقلاب، بتأجيل تنفيذ قرار الضرائب على بورصة الكبار، من رجال أعمال زمن مبارك، والذي هو زمن الالتحاق بالمشروع الأميركي الإسرائيلي للشرق الأوسط، نوعاً من المكافأة المسبقة لمعسكر رجال الأعمال، في مواجهة احتمالات الخروج على دولة الثلاثين من يونيو، مع الوضع في الاعتبار أن رجال الأعمال هم، في الوقت نفسه، رجال الإعلام، والذي هو الماء والهواء لتنمية محصول القبح الذي تعيش عليه دولة السيسي.
ويعكس مثل هذا القرار بتدليل ممولي الانقلاب قلقاً لدى السلطات، من فقدان السيطرة على وسائل السيطرة على "دماغ المصريين"، بتعبير قائد الانقلاب، وخشية من إنجاز تقدم في مضمار المساعي المبذولة لاستعادة حالة ثورية، باتت مطلوبة على وجه السرعة، ومن يقف في طريقها، الآن، أو يحاول هدم ما يبنى في هذا الإطار، عليه أن يظهر للجماهير فوراً "كارنيه" عضويته في أجهزة نظام السيسي، حتى وإن زرعوا له أقوى حناجر الهتاف والصراخ الغبي

*** القضاء نزيه

والدلائل كثيرة: يكفي منها أن يكون أحمد الزند وزيراً للعدل، وأن يسمحوا لمحمد البلتاجي بالتعبير عن امتنانه للنظام الذي يؤنس وحدته، ويهون عليه وحشة الزنزانة، بزيارات دورية للكلاب البوليسية، رفقة رئيس السجن، وأن يقبلوا ببقاء عصام سلطان على قيد الحياة، بتسهيل حصوله على شربة ماء من مياه الصرف الصحي، وأن يحولوا بين علاء عبد الفتاح ومحمد عادل، وكثيرين غيرهما، وبين مصير فريد إسماعيل وطارق الغندور، وعشرات ممن يقتلون بجرعات عدالة زائدة في السجون والمعتقلات.
هو فعلاً نزيه، وعدالته ناجزة، بدليل أنه اعتبر مقتل شيماء الصباغ قضية تستحق الاهتمام، فيما أهيل التراب على واقعة قتل سندس رضا، برصاص الشرطة، ولم يفتح لها ملف، يضم بلاغاً واحداً أو محضراً يتيماً.. هو نزيه حقاً، لأن فتيات يُغتصبن، ثم يذهبن للوقوف بين يديه، يطلبن الحكم بإعدامهن، كحل أفضل من امتهان شرفهن في أقبية التعذيب، فيقول لهن "مش عاوز أفلام عربي".
هو نزيه وشريف وعفيف، لأنه يحكم بإعدام فقيه الأمة وعالمها، الدكتور يوسف القرضاوي، وهو في التسعين من عمره، بتهمة اقتحام سجن في الصحراء المصرية، بينما هو في بيته في الدوحة، ويقضي بإعدام مجاهدين في كتائب القسام، نالوا الشهادة، أو سجنوا في معتقلات الكيان الصهيوني، قبل سنوات من ورود أسمائهم في القضية.

***  "سيس عنخ أمون في ألمانيا"

النظام يحاول أن يصطاد شهادات اعتراف به لكونه يتشكك في شرعية وجوده في الحكم، ومن ثم لم يعد يعبأ بوضع مساحيق على وجهه الاستبدادي البشع، متصورًاً أن "محاربة الإرهاب" تضمن الاستمرارية".
في ألمانيا، كما في أمريكا، يعرض السيسي بضاعته الوحيدة، خدمات أمنية، للبيع أو للإيجار، في سوق "الحرب على الإرهاب"، مع اختلاف جوهري، يتعلّق بالعوائد، فبعد أن كان المطلوب طائرات أباتشي ومعونات مالية، انخفضت المطالب إلى إمكانية الرضا بصورة تذكارية مع مستشارة ألمانيا.
"لقد اجتمع السيسي برؤساء أحزابه، قبل أن يشد الرحال إلى ألمانيا، وتخيّل السُذَّج، أمثالي، أنه سيقدِم على خطوة تبدو تمسّحًا في الديمقراطية، بالدعوة إلى انتخابات نيابية، غير أنه بقي مخلصًا لمحدودية قدراته حاكمًا، وضيق أفقه السياسي، وخرج الجميع من اللقاء، يضربون كفًّا بكف، ولا يجرؤ أحدهم على الاعتراف بأنه "مغفّل كبير".

*** رئيس مصر، الوحيد المنتخب، محمد مرسي وعشرات آخرين، من رجال حقيقيين، بدوا في قفص المحكمة لحظة النطق بالحكم، وكأنهم يتأهبون للارتقاء. كان مرسي والذين معه مبتسمين في رضا وقوة وثقة، داخل القفص، والقاضي يستعد للنطق بقرار الإعدام، بناء على رأي المفتي، وكأنهم صاعدون إلى عرس في السماء، وفي اللحظة ذاتها كانت وجوه دولة السيسي الفاشية، تصعد لطائرته الرئاسية في الطريق إلى برلين، للهتاف والرقص للزعيم صانع الهولوكوست المصري، الذي يحل ضيفا ثقيلا محرجا، على ألمانيا، التي تحاول أن تشفى من ذكريات الهولوكوست النازي.
شتان بين الوجوه في المحكمة والوجوه على الطائرة، هنا فرح واستبشار ورضا ويقين بقضاء الله، وهناك وجوه شائهة، صنعت من زيف، وطليت بمساحيق السادية. " الشوفينية، والسادية " أيضاً، في خطاب شيوخ ورجال دين يلوون عنق النصوص الدينية، ويحرفون الكلم عن مواضعه، لتطويع المقدس واستعماله في نفاق قداسة الجنرال المرصع بنياشين القتل والخراب.
**هذه الجيوش من شيوخ الاستبداد وشمطاوات الوسط الفني ينشطون حاليا، ومعهم نفر من الشجعان في افتراس الجرحى والمكبلين، ينشطون في ضخ مزيد من أناشيد البذاءة ، تعبيرا عن شماتة وتشفٍّ، ينبعان من وضاعة إنسانية، تليق بتجار صنف الإسفاف، ولا يستشعرون أدنى حرج، وهم ينشبون مخالبهم وأقلامهم في أجساد الضحايا، بعضهم يفعل ذلك كأوغاد مأجورين،
وآخرون لأنهم جبلوا على رغبات منحطة في الرقص على جثث الخصوم.

**سلام على محمد مرسي ومن معه، من المبتسمين في وجه الأوغاد والسفاحين.

*** قال السيسي في المؤتمر الصحافي أمس: "إن مصر عانت طوال السنوات الأربع الماضية من حالة ثورية"، ليسفر عن وجهه الحقيقي كجنرال كاره للثورات، مخلص جداً لتراث الانقلابات، متلعثماً وهو يردد كلاماً شديد الوضوح في احتقاره للديمقراطية، حين أقر بوصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم عبر عملية انتخابية ديمقراطية سليمة، وأنه عزله واختطفه، وجلس مكانه في سدة الحكم عبر انتخابات أخرى، فاضحة في عبثيتها وهزليتها.

*قال كل ذلك، بينما المستشارة لم تعلّق، وكأن صوت الشركات أعلى من صوت البرلمانات، ونداء الصفقات مقدّم على احترام الديمقراطيات، وقد كنت أتمنى لو أن أحد حضور المؤتمر قد وجّه لها سؤالاً محدداً عن وحدة القياس المعترف بها للتعرّف على إرادة الشعب في ألمانيا وأوروبا، هل هي صندوق الانتخاب، أم صندوق الذخيرة، وصناديق المياه الغازية والمعدنية التي توزع على متظاهرين جرى استدعاؤهم كوقود لانقلاب؟
أغلب الظن أنها لو دققت في وجوه رجال أعمال السيراميك وتوابعهم من الإعلاميين، والفنانات الفاشيات، لرأت وجه "غوبلز"، ولو تفحّصت ملامح الواقف إلى جانبها على المنصة مليّاً، لأطلّ عليها وجه "هتلر

*** يعلم الكل أن السيسي هو مندوب المؤسسة العسكرية في مؤسسة الرئاسة، وأنه لم يكن ليحكم مصر لو أراد الجيش غير ذلك، وما كان له أن يفكر في التخطيط للقرصنة على السلطة المدنية المنتخبة في 30 يونيه لو لم تشأ المؤسسة العسكرية ذلك.
*لقد خاضت المؤسسة العسكرية الصراع السياسي باستخدام السيسي، وليس السيسي هو الذي استخدم الجيش للوصول للرئاسة، فكل يوم يمر يثبت أن هذه المؤسسة الجبارة كما صنعت "الظاهرة العكاشية" في الإعلام، وفرضتها نموذجاً رائداً وقائداً لجيوش الإعلام، يقوم رمزها بجولات تفقدية في مقرات الصحف، وينحني أمامه رؤساء تحرير، فإنها صنعت "عكاشية" أخرى في السياسة وأوصلتها إلى الحكم، حيث ينحني أمامه رؤساء أحزاب مدنية ديمقراطية، فيما يجلس آخرون القرفصاء أمامه يدبّجون له القصائد والمعلقات.
*لذلك يبدو الأمر باعثاً على الضحك حين يستكثر أحد على القوات المسلحة أن تصدر بياناً بما تسميه إنجازات عام في الحكم،

*** انظر حولك، الآن، ستجد من أحزاب اليسار الانقلابي، من هي غارقة حتى الأذقان في أفراحها بالحكم الابتدائي على الضابط قاتل شيماء الصباغ، بالسجن 15 عاما، وهو الحكم الذي سيتبخر شيئا فشيئاً مع تتابع درجات التقاضي، لينتهي إلى البراءة أو السجن عاماً، وستجد اليسار القديم المتجدد منخرطاً في مسابقات الرقص المسيس داخل مقراته، وهؤلاء لو تهورت، وتحدثت أمامهم عن مصالحات ثورية، ستجد نفسك في مرمى حجارة الاتهام بالإرهاب والتواطؤ مع الإرهابيين الرجعيين، أعداء الوطن. ولا يقل عن هؤلاء ابتذالاً وإسفافاً، الذين لا يمانعون في قبول شفيق بديلا للسيسي، على نحو يذكّرك بتلك الحالة من العتاهية القومية التي كانت تتلهى بمضغ أوهام التفرقة بين صقور وحمائم في الكيان الصهيوني.

*** الشيء الصادم والمثير للفزع، في دراما السيسي وأحمد شفيق، أن تُظهر أصوات ومجموعات مناهضة للانقلاب ارتياحاً لإدخال جنرال المطار على خط مواجهة جنرال القناة المحفورة على الناشف، بل وتطرب لعناوين من نوعية "تصاعد الصراع بين السيسي وشفيق"، وتعتبر أن في صدامهما مكسباً للثورة. أزعم أن الموقف الثوري السليم ينبغي ألا يشغل نفسه، كثيراً، بعوادم ومخلفات التصادم بين اثنين من أوفى أبناء الدولة العميقة والثورة المضادة، سواء كان ذلك نوعاً من الألعاب العنيفة الخشنة، التي تجدها في مدن الملاهي العملاقة، أو ضربا من المناكفات والمساومات بين شركاء المشروع الواحد، مدفوعين بالرغبة في مضاعفة الأرباح، أو تقليل الخسائر. فالأصل في الأشياء، أن لا تناقض يذكر بين اثنين ينتميان للدولة العسكرية، ويؤمنان بأن هذا الشعب قد خلق ليُحكم وليس ليَحكم، ولا يتصور أحدهما، أو يتحمل، أن يرى وجها مدنيا يأتي من هذا الشعب، ليعتلي حكم البلاد.

*** إننا "أمام حالة من "الكذب القومي المنهجي"، في فترةٍ يجري فيها احتقار الحقائق، وافتراس الحقوق الخاصة والعامة. يستوي في ذلك مسؤول يجلس على قمة هرم السلطة، وموظف كبير متقاعد. وما دام الموضوع هو محمد مرسي وجماعته، فالكذب يصبح مشروعاً وعملاً وطنياً" ويبدو أنه بعد مذبحة الإعدامات بحق الرئيس مرسي وجماعته، جاء الوقت لتبدأ عملية تجهيز الساحة، لذبح كل من شارك في ثورة يناير، والتي هي، بنظر رجال الدولة العميقة، ممن أحيلوا إلى التقاعد أو ما زالوا في الخدمة، مؤامرة كونية لهدم مصر.

*** لا عجب، فقد سكت العالم عن قتل البشر فوق منصات القضاء، وشاهد حرق الآلاف في اعتصامات سلمية، ولم يجد غضاضة في استقبال الحارقين القتلة، باعتبارهم زعماء نموذجيين وفق الكتالوج الإسرائيلي، وكأن القانون الدولي الآن يقول: من حقك أن تفعل كل شيء، ما دمت لا تغضب إسرائيل.

*** في واقعةٍ سمعت تفاصيلها بنفسي، من مصادر موثوق بها في ذلك الوقت، حدث أن العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله، طلب من الرئيس مرسي، حين زار المملكة العربية السعودية بعد انتخابه، أن يعفو عن مبارك عفواً رئاسياً، على أن يغادر إلى السعودية لاستضافته كونه كبر في السن، على أن يضمن الملك ألا يتكلم مبارك، ولا يظهر في الإعلام، ومقابل ذلك يمنح العاهل السعودي دعماً مفتوحاً، بتروليّاً ودولاريّاً، للوقوف بجانب مصر.

وكان رد الدكتور محمد مرسي، في ذلك الوقت: إن أمر مبارك بيد الناس، وليس بيدي، ولكن إن أردت رأيي، فأنا واحد ممن يرونه في مكانه الصحيح في السجن. وأنا أحترم السعودية طبعاً، لكن هذا شأن مصري. ورجع الرئيس من الرياض، وشكل حكومة برئاسة، هشام قنديل، وبعد أيام، كان قنديل يبلغ رئيس الجمهورية بأن شحنة السولار، التي كانت تعطيها حكومة الملك عبد الله لمصر تأخرت 11 يوماً، فرد مرسي من دون تفكير: "مش هتيجي، دبر نفسك بالموجود".
لكل ذلك وغيره، يبقى وقوف محمد مرسي، منتصب القامة، مرفوع الرأس في ملابس الإعدام الحمراء، مشهداً أجمل بكثير من مشاهد وقوف صغار الانقلاب منكسي الرؤوس، مسودي الوجوه، بين يدي المانحين.

*** الحاصل الآن أن "العسكرة" باتت الملمح الأبرز لشخصية الدولة المصرية وهويتها، لتتحول من حالة تقترب من مفهوم الدولة العصرية، التي تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، وتفعيل مجالس التشريع والرقابة والمحاسبة، إلى ما يشبه عالم حارة نجيب محفوظ، فتوّة جبار متجبر باطش، وحرافيش مستضعفون أذلاء، يخبئون وجوههم وانكسارهم في آنية من الفخار، تمتلئ بمسكرات شعبية رخيصة، كل مساء، بعد يوم طويل من العبودية للفتوة المتحكم في كل شيء، والذي بيده الأمر كله، من الحكم إلى التشريع إلى الجباية إلى العقاب. 

وخارجيا، تبدو مصر أقرب، حد الالتصاق والتماهي، مع المشروع الصهيوني في المنطقة، على نحو بات فيه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، متمتعاً بحقوق التعبير والتغريد والاشتباك مع المشهد السياسي المصري، أكثر بكثير من ناشطين سياسيين مصريين، قد تقودهم تغريدة، أو تصريح، إلى جحيم الاعتقال والتعذيب. 

*** كيف يمكن أن يتحدث أحد عن عدالة وقانون وحالة حقوقية في مصر، إذا كان القضاة في حالة عداء مع من يلتمس الحصول على حقوقه أمامهم، كيف يكون هؤلاء حكاماً عادلين، إذا كانوا طرفاً في الخصومة؟ يخطئ من يتصور أن السيسي يحكم مصر، إن هو إلا صنم، يتاجر به المستثمرون في الجهل والجاهلية، ويستنطقونه بما يريدون قوله، ويديرونه بما يضمن لهم البقاء والسيادة، حتى لو أحرقوا الجيش والشرطة والقضاء والمجتمع بأسره.
*من ينقذ البلاد من شلة الأشرار التي خطفت مصر، وصعدت بها إلى أعلى بناية، وطوقتها بحزام من البراميل المعبأة بمواد شديدة الانفجار، مهددين بتدميرها، إذا اقترب منهم أحد؟ من يعفي المنطقة كلها من "لحظة نيرونية"، إن اشتعلت فيها القاهرة، ستطال ألسنة الحريق كل شبر في محيطها العربي؟

***في حرب تخوضها مصر كلها، من أجل أحلام مريضة لشخص واحد، لا يحترم لها تاريخا، ولا يعرف لها جغرافيا. 

أظهرت تجربة عامين من قرصنة عبد الفتاح السيسي على الحكم، أنه فشل في كل شيء، فشل حتى في استبداده وديكتاتوريته، فقدم نموذجا هزيلا منخفض القيمة والحجم للمستبد الديكتاتور، كما ظهر في التجارب التاريخية المماثلة، إذ كان الاستبداد في مصر يتأسس دوماً على رفع شعارات محاربة العدو الإسرائيلي، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. الآن أنت بصدد استبداد تعتبره "إسرائيل" ابنا لها من الرضاعة، وتسخر كل إمكاناتها الدبلوماسية لتسويقه ودعمه في الخارج، ولا تخفي سعادتها باعتلائه الحكم، كما أنه شديد الوفاء لهذه الرعاية. أحسب كم مرة تحدث عبد الفتاح السيسي عن حرصه على سلامة إسرائيل وأمنها، في وقت يواصل فيه مهمته في حرق مصر، اجتماعيا وسياسيا، واستنزافها عسكريا؟ 
كم مرة تحدث السيسي، والذين معه، عن المعارضين المصريين كعدو، مقابل الحدث عن إسرائيل كصديق وشريك؟

***في دولة السفاحين الأوغاد، لحوم المعارضين مستباحة، ومصيرهم تحدده مداخلة لأي سيساوي عقور، يشهر لسانه وحذاءه في وجه كل منتقد، أو معترض، ويصب على رأسه أقذر ما في قاع العنصرية والمكارثية، والفاشية المتوحشة.

كتب الميرغني على صفحته "أنت فاشل"، فصدر قرار الشطب من قائمة الفريق، والحرمان من لعب الكرة، وهو في منتصف العشرينات، مع التلويح بالسحق والإبادة
* يسطع وجه شاب نوبي أسمر، اسمه أحمد الميرغني، لاعب الكرة ليصرخ: لقد خلقنا الله أحرارا، يقف الميرغني وحده، في محرقة إعلام السلطة، لأنه قال "لا" في وجه من قالوا "نعم"، مطلقا صيحة الغضب النبيل، ضد القتلة الفشلة الذين يصنعون خبز بقائهم في السلطة، بإشعال النار في جلود الأبرياء، من جنود يموتون في حرب الجنرال الفاشل، على إرهاب، هو صانعه، ولذا استحق اللعنة والتهديد بالتصفية، في دولة يحكمونها بـ"الجزمة"، لا بالدستور، أو القانون.

*** من التجني على ما تعارف عليه العالم الحديث من علوم سياسية أن نطلق اسم "النظام" على "تنظيم"، فكل ما يدور على أرض مصر، منذ اليوم للانقلاب، يقول إن "ميليشيا" اختطفت وطنا، واتخذت سكانه رهائن للخوف والجوع.

منذ اللحظات الأولى، يعمدون على السيطرة على الجماهير، بفزاعات الهلاك جوعاً وعطشا، إن لم يحكموهم، والفناء إرهابا وعنفا، إن لم يحذفوا مفردات مثل "الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان" من قاموسهم، مشعلين أزمات الاقتصاد والسياسة، ومفجرين آبار العنف، ومصنعين الإرهاب في مطابخهم.
في يوم أ8/7/2013، افتتحت ميليشيا السيسي حقول الإرهاب في مصر، بمذبحة الحرس الجمهوري، وقتلت المتظاهرين أمام ذلك النادي الاجتماعي الذي يتم تأجيره قاعة للمناسبات، أفراح وأعياد ميلاد وخلافه، وليس المنشأة العسكرية، قتلتهم مع سبق الإصرار والترصد في أثناء سجودهم في صلاة الفجر .
ماذا بقي من ممارسات أي ميليشيا، لم يقم بها نظام عبد الفتاح السيسي ؟

*** أداء عبد الفتاح السيسي منذ اليوم الأول، محاكاة بليدة لعكاشة في الاستوديو، والزند في القضاء، هو كل شيء، وبيده كل شيء، يقرّب هذا ويبعد ذاك، هو الناقد والمنقود، هو السلطة والمعارضة، رئيس كل شيء ومديره والمتحدث والمستمع. كل من يشكل إزعاجاً له، أو يمثّل تهديداً لسلطانه، يبعده أو يقصيه أو يبيده، إنْ لزم الأمر، ولا يكتفي بذلك، بل يحرص، طوال الوقت، على نقل بثّ هذه الروح الانتقامية الشريرة في كل أتباعه ومؤيديه، لتتحوّل نزعة الإقصاء والهيمنة إلى ما يماثل النشاط الاحتلالي الاستيطاني، للتخلّص من سكان البلاد الأصليين. المصري المعارض، في نظر ولاية السيسي، كالهندي الأحمر بالنسبة للغزاة الذين فتحوا أميركا، وكالفلسطيني لدى المستعمر الصهيوني، إما أن يرضى بحكم المحتل، ويقبل بما يجود به من فتات، أو فليُقتل أو ليرحل، فكل الجهد مكرّس لتغيير جذري في ديموغرافية المجتمع، وصولاً إلى محو التاريخ، وابتداء تاريخ جديد.

*** السيسي يعرف أنه مستولٍ على سلطة مسروقة، انتزعها بالقتل والكذب، ويجري بها وحيداً، هارباً إلى الأمام، كلما اعترضه أحد صرعه، وكلما اشتَمَّ رائحة الخطر من أحد رجاله، تخلّص منه، وقراره الأخير، المفصّل خصيصاً للتخلّص من كل صور المحاسبة والرقابة على أدائه، ممثّلة في شخص المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هذا القرار يكشف عن أن السيسي بات لا يثق في أحد، وهو في سبيل الاحتفاظ بالسلطة المطلقة، لن يمانع في إفناء الجميع، من شركائه المقرّبين. وواقع الأمر أنه يركض هارباً بها بسرعة مجنونة، حتى أوشك أن تنقطع أنفاسه، ولا يعلم أحد متى تسقط منه، أو سيسقط بها هو، أيهما أقرب، غير أن المؤكد أن قصص التاريخ تنبئنا بأن الطغاة يبيدون كل من يستشعرون من وجودهم خطراً، يتخلّصون منهم واحداً تلو الآخر، حتى تضيق الدائرة، فلا يبقى للطاغية إلا ظله، فيقوده جنونه إلى إطلاق الرصاص عليه. 

*** في ليلة محمد جبريل، اهتزت القلوب، ودمعت العيون، وتفجرت ينابيع من الخشوع والرهبة مع تضرع القارئ ذي الصوت الصادق الشجي إلى الله، داعياً على القتلة وسافكي الدماء ومزيفي الوعي ومفسدي الذوق.

*لم يحدد جبريل أسماء بعينها، غير أن السيسي وتابعيه بإجرام تحسسوا رؤوسهم وتفحصوا، وبمنطق "يكاد السيسي يقول خذوني"، تسربت الأخبار عن بدء تحقيقات عاجلة في دعاء خطيب مسجد عمرو بن العاص على "الإمام السيسي".

*خطبة السيسي، في عز ظهيرة اليوم التالي، محتفلاً بليلة القدر، ودعك من تخريفه وتجديفه في مضمار الدين، ولا تركز كثيراً في حزمة "الإفيهات" التي وردت على لسانه، وهو يتحدث عن تجديد الخطاب الديني، من كلامه عن "شباب كثير ألحدوا بس ما سابوش الإسلام"، إلى قوله "يعني ربنا هيعذب بشر يوم القيامة عشان لم يؤمنوا به؟ لا دي حاجة صعبة قوي".                  دعك من كل ذلك، ودقق جيداً في كيف استقبل المصريون هذه التجليات السيسية، إذ باتت القاعدة تقول إنه كلما خطب السيسي كان الشعب المصري على موعد مع مائدة عامرة بأطباق التنكيت والسخرية الحراقة. وبالتالي، لا أحد يتعامل مع هذا الهراء بجدية، حتى وإن تظاهر الناس بذلك، خوفاً من بطش، وطمعاً في النجاة من سلطة حمقاء، تعتبر وجود كتب وأقلام في حقيبة طالب جامعي دليل اتهام وإدانة، وتهتم ببناء السجون أكثر من اهتمامها بعمارة دور العبادة، وتصادر حق البشر في الدعاء والتألم والتأمل.

*** كل الوقائع تشير إلى أن من يحكم مصر، الآن، يعتبر نفسه القانون والدستور، وما يريده هو الصحيح، وما يرغبه هو الواجب، وما يقوله هو النص المقدس، الذي لا يقبل النقاش، ومن ثم من الطبيعي أن يتخوف الناس من إقدام هذه السلطة على افتعال أي شيء، تمرر به مذبحة الإعدامات.

وبعدها، لن تعدم فقهاء سلطان وترزية قانون ينتشرون في كل الاستوديوهات، ويملأون جميع الشاشات، ويسوّدون صفحات الجرائد، بفتاوٍ قانونية وآراء دينية، تصلح للاستخدام مناشف لتجفيف الدم المراق إرضاء للسلطان، وإشباعا لرغبته في قتل ضحاياه.
يمكنك الرجوع إلى تلك الحالة الهستيرية التي ظهر عليها عبد الفتاح السيسي في جنازة النائب العام، حين امتقع وجهه، وراح يضرب الهواء بكفه، وهو يصب اللعنات على القانون الذي يغل يده عن ذبح معارضيه، ثم يطلب من قضاته تجهيز قانون جديد على وجه السرعة، يوفر خدمة الإعدام بشكل أسرع، وبسعر أقل.

*** الصورة لا تختلف في تفاصيلها كثيرا عما جرى مع ذلك "المؤتمر الاقتصادي" الذي انعقد في شرم الشيخ قبل شهور، وقيل وقتها على لسان عبد الفتاح السيسي و"بني غوبلز" المحيطين به إنه "العبور الجديد"، وإن "مصر تستيقظ أو تستيكز"، وأن السماء ستمطر رخاء، والأرض تتفجر سخاء، ثم تبين بعد كل تلك "البروباغندا" الزاعقة أن المنجز الوحيد للمؤتمر كان صورة "سيلفي" للسيسي مع مجموعة من الفتيات والشبان، من بقايا ماكينة "الفكر الجديد" لصاحبها ومشغلها جمال مبارك، ليصحو المصريون كل صباح على سقوط أكذوبة جديدة من مجرة الأكاذيب والوعود المعلنة في المؤتمر

* "الزفة" المصاحبة لافتتاح المشروع الجديد تقول إن هؤلاء لا يهمهم من الأمر شيء، سوى إعطاء شعبهم جرعات إضافية من الأوهام، داخل عبوات أنيقة من الدجل السياسي والشعوذة الاقتصادية.
*ومع الوضع في الاعتبار أن جنرال الأوهام شخصيا اعترف للشعب بأن مشروعاته غير ذات جدوى ربحية، لذا عليهم أن يقتطعوا من أرزاقهم، ويعطوه كي ينفذ مشروعات جديدة، يرقص في افتتاحها الراقصون، ويغني المطربون.

***  في اللحظة التي كانت فيها مطربة كليب "سيب إيدي" تمثل أمام المحكمة بتهمة التحريض على الفسق والفجور، كان الإعلان عن أن مخرج "الكليب الفاجر" مساهم في إبداع أغنية حفل افتتاح قناة السويس الجديدة. ولا يقل ابتذالاً وامتهاناً للعقل أن يعلن رئيس هيئة القناة أنه سيتم العمل في حفر "قناة السويس الثالثة"، فور الانتهاء من افتتاح الثانية، على نحو يجعل حفر القنوات المائية عملية أسهل كثيرا من فتح قنوات فضائية على القمر الاصطناعي "نايل سات"، حتى يخال المرء أنه لن يمر وقت طويل حتى تعلن القاهرة عن خطة لتصدير "قنوات سويس" بأحجام ومقاسات مختلفة إلى الخارج.**هذا الإصرار على الابتذال يعطي تصورا بأن الشعار المرفوع في دولة السيسي، الآن، هو "كل ما تتزتق احفر قناة"، وهو الأمر الذي يخشى معه، إن مضت الأمور بهذه الوتيرة ألا يبقى في مصر "يابس" وتتحول كلها، بكامل مساحتها إلى دولة مائية، لا تزرع ولا تصنع، وإنما تصير مجرد "كشك" عائم لتحصيل رسوم العبور

*** يصعد السيسي على ظهر "المحروسة"، ممسكاً بطفل مريض بالسرطان، يبتز به الناس، كما يفعل خاطفو الأطفال ومدّعو العاهات في إشارات المرور.

*في المساء، كان طفل السرطان فقرة مكررة في كل الفضائيات، استكمالاً لحالة الهيمنة بالدجل والشعوذة، تصرح أسرته إن رؤية الطفل زعيم الخرافة رفعت نسبة احتمالات شفائه 100%، الطفل يحب بابا السيسي الحنون، ويهاجم "الإرهابيين الوحشين اللي عاوزين يقتلوا الجيش ويموّتوا القناة".
*استكمالاً لهذا الطقس العاطفي الركيك، يظهر الجنرال مهاب مميش، بملابسه الكاجوال، فاقعة الألوان، مباهياً باكتشاف شباب مدنيين في "عسكرلاند"، ومتحدثاً عن الملائكة التي كانت تسير معه، ومع رئيسه، في أثناء حفل الافتتاح، حتى بكى وأبكى الملائكة، وأسال دموع المصريين. كلاهما يتناوبان على تجسيد دور عندليب القناة، تتلبّسهما حالة عبد الحليم حافظ في أيامه الأخيرة،

*** لو قارنت بين أرقام ضحايا نظام السيسي المسجونين وضحايا الحكومات الصهيونية المتعاقبة من الأسرى، ستكتشف أن الاحتلال يقتل أربعة أسرى، تقريباً، في العام، بينما الانقلاب يقتل 135 سجيناً سنوياً، أي أن شهية الانقلاب للقتل والتصفية تعادل أكثر من 33 ضعف شهية الاحتلال للإهمال المؤدي إلى موت الأسرى، مع الأخذ في الاعتبار أن سنوات تمر على الكيان الصهيوني من دون أن يموت في سجونه أسير أو معتقل فلسطيني واحد، بينما مع الانقلاب لا يمر أسبوع من دون تسجيل حالتي وفاة على الأقل.ولاحظ أيضاً أن الأسباب المؤدية للموت في السجون الإسرائيلية تكون، في معظمها، إطعام الأسرى قسرياً، كما جرى في 1980 حيث مات ثلاثة أسرى، تم إكراههم على تناول الطعام لكسر إضرابهم عن الطعام. أما في سجون انقلاب عبد الفتاح السيسي، فيموت السجناء جوعاً، أو تسمماً بطعام فاسد، أو تعذيباً، أو مرضاً، وبرداً.

***: قلت سابقا عن "رابعة العدوية" إنها خط الاستواء، أو الحد الفاصل بين الإنسانية والحيوانية، ولا أتصور أن شخصًا أيد مذبحة رابعة يمكن أن يكون معنياً بالفرق بين الخير والشر، أو بين الحق والباطل، بين الثورة والثورة المضادة".

رابعة معنى وقيمة وقصة مكتوبة بالدم على جدران ذاكرة تأبى النسيان، ليست مجرد مكان، يمكن محوه بتغيير معالمه، أو تبديل اسمه، وليست مجرد ذكرى، سوف تشحب وتنطفئ بالتقادم، بل هي العنوان الدائم للوجود الإنساني، بمعناه النقي الشفاف. هي مسألة أخلاقية تخص الإنسانية كلها، عصية على التصنيف، أو الحبس في إطار حزبي أو سياسي ضيق، ومن ثم لا يستطيع طرف أن يحتكر الألم والوجع، ويعتبره موضوعا يخصه وحده، كما لا تستطيع كل ماكينات الدعاية السوداء في الكون أن تحولها من "قضية الإنسان"، أينما وجد، إلى أزمة تخص جماعة الإخوان،

 

***

 ***تجديد الخطاب الديني أو تصويبه لصالح من؟ وكيف يمكن أن تقنع مواطنا مصريا مسلم الديانة، بات يخشى الذهاب للصلاة في المساجد، لأنها مزروعة بالكاميرات وبالعيون، بأن الرجل الذي يتمناه الإسرائيليون حاكما لهم، جدير بأن يتولى موضوع الإصلاح الديني في بلد الأزهر؟ من يطالع كلمات السيسي ومحلب، لمناسبة مؤتمر دار الإفتاء المصرية أمس، عن إصلاح الخطاب الديني، يضرب كفا بكف من انقلاب المفاهيم والمعايير، لدى سلطة قتلت وسجنت وشردت وأبعدت، من علماء الدين الإسلامي الأجلاء، عددا يكفي لتنقية الخطاب وإصلاحه، في الوقت الذي احتفظت فيه ورعت ودللت جهلاء الكلمة، وسفهاء الفتوى، وبلطجية الفقه، حتى بات معلوماً لدى أصحاب الفهم في هذا البلد أن "التجديد" صار مرادفا للتجديف، وأن التصويب بات يعني تمييع كل ثابت ومستقر من القيم.

*** يخطب السيسي في العلماء والمشايخ، فلا يكاد يستطيع قراءة جملة واحدة مما هو مكتوب له، قراءة صحيحة، على الرغم من التدريبات والتلقينات، فكيف نصدق أن من لا يعرف كيف يقرأ نصا، يفهم في تطوير النص أو تجديده أو تصويبه؟ يُشعرك، طوال الوقت، بأن ما بينه وبين اللغة العربية التي هي لغة الخطاب الذي يريد تجديده، كالعلاقة بين اللواء عبد العاطي وطبّ الفيروسات المستعصية، كلاهما يتحدث ويفتي ويقطع في ما لا يفهمه، ولا يخصه من الأساس، غير أنها "الفهلوة"، تلك القيمة الوحيدة التي تحكم كل شيء في مصر الآن، ابتداء من الطب إلى الفقه، مرورا بالاقتصاد والسياسة والقانون. ومعروف، بالطبع، أن "الفهلوة" هي الخطوة الأولى على طريق الدجل والنصب، فلا غرابة في أن من يدعي أن تفريعة قناة السويس الجديدة غطت تكلفتها في أسبوع عمل بعد الافتتاح، هو نفسه من يدّعي قيادة تيار التجديد والتصويب في الفكر الإسلامي، حتى وإن كان لا يقدر على اجتياز اختبار الصف السادس الابتدائي في اللغة العربية.

***في الأبيض الناصع، تتوكأ الصغيرة إسراء الطويل على عكّازها، يحيط بها الجنود والضباط المسلحون، في طريقها إلى الحصول على قرار جديد، بتمديد حبسها، بلا تهمة، خمسة عشر يوماً أخرى. في اللحظة نفسها، كان جنرال المقتلة ينحني أمام نصب الجندي المجهول في موسكو، حيث هرول إلى روسيا، حاجّاً للمرة الثانية في أقل من عام.. هرول السيسي، هذه المرة، قبل الموعد الذي حدده السيد الروسي له بأربع وعشرين ساعة، على حد اعتراف واحد من عسكر إعلامه.

 

قارن بين التشريفة الرسمية، المدججة بالسلاح، والتي استقبلت إسراء الطويل، لدى نزولها، لا تقوى على المشي، من سيارة ترحيلات الشرطة، وذلك المشهد البائس المذل الذي خيم على وصول الجنرال الذي حبسها، واستأسد على طفولتها وعجزها، إلى المطار في روسيا، ليكون في استقباله أحد مساعدي وزير الخارجية الروسي.

 

هرول الجنرال مبكراً، لكي يلحق بكفلائه وأولياء نعمته هناك، مواصلاً البحث عن دور في جريمة قتل الثورة السورية، ومكافأة أستاذه ومعلمه ومثله الأعلى، في شغل المجازر الجماعية، بشار الأسد. سافر وفي يده بضع نقاط من الرضا الصهيوني، نتيجة اختطاف أربعة من المقاومين الفلسطينيين، هدية منه للكيان الصهيوني المحتل، لكي يقف في خشوع أمام نصب الجندي الروسي، وفي اليد الأخرى، نقاط إضافية، ثمناً لإرسال بعض قواته إلى اليمن، توفر له صمتاً إقليمياً على مذابحه بحق شعبه. مشهد إسراء الطويل، لا تقوى على الحركة، بعد 86 يوماً في الحبس، يعبر عن مصر الجديدة، في مرحلة "ما بعد الوساخة والانحطاط" التي تذهل العدو المستفيد بها، قبل الشقيق والصديق المتضرر منه

*** منذ هتف محمد مرسي "لبيك يا سورية"، في خطبة الاستاد الشهيرة، بعد أن أصدر تعليمات بمعاملة الطلاب السوريين في التعليم معاملة المصريين، وقد أعلن كثيرون وقتها أن الوقت حان لتكون مساعدة الأشقاء السوريين اللاجئين في مصر مشروعاً تتبناه وتنظمه وتشرف عليه أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدنى، كي لا نترك هؤلاء نهباً للتجار والقراصنة وسؤال اللئيم،

وبعد أكثر من عامين، تكشف الوقائع اليومية أن أكثر من عانى من الانقلاب العسكري، المدعوم من أثرياء العروبة، وأوغاد مشروع الهيمنة الصهيونية، هم السوريون الذين يدفعون الثمن في الداخل العربي، أضعاف ما يدفعونه على أبواب دول اللجوء الأوروبي.
إن ربع ما أنفقته عواصم عربية على دعم انقلاب السيسي وتثبيته في الداخل، وتسويقه في الخارج، كان يكفي لإنهاء مأساة النزوح السوري، فلا تلوموا النمسا، ولا ألمانيا، وسواهما من دول أوروبية، بل لوموا من سقطوا في اختبار النخوة والإنسانية في بلاد العرب.

*** 

"30 يونيو" نفسها كانت بمثابة "ثورة رد الاعتبار للفساد"، وأحيلك، هنا، إلى شهادة واحد من واضعي سيناريوهات زمن السيسي، المؤلف الدرامي محمد العدل، الذي لخص المعادلة بالقول "ليس كل من مع السيسي فاسدين، لكن كل الفاسدين مع السيسي". صدق العدل وهو سياساوي.فساد استراتيجي هو إذن، أو قل هي مدرسة "الفساد للفساد" على طريقة "الفن للفن"، فساد من الرأس حتى الذيل ..انظر في طريقتهم في اختيار الوزراء والمسؤولين، لتجدهم وكأنهم يرفعون شعار "البقاء للأفسد لأنه الأسهل في الإزاحة وقت اللزوم"، وسيدهشك أنهم لم يجدوا من يصلح رئيساً للحكومة، إلا هذا الذي ارتبط اسمه بقضية فساد قصور وفيلات عائلة حسني مبارك، ولم يجدوا وزيراً للعدل إلا هذا الذي نشرت "الأهرام الحكومية" أدلة اتهامه بالفساد في قضية أرض بورسعيد، وغيرهما ممن تتردد أسماؤهم الآن، مرشحين لقطع الرؤوس في حملة الإزاحة والإحلال والتجديد، للتخلص من حمولة زائدة في قطار الفساد.

*** يكشف كل ما يدور في مصر هذه الأيام عن سيناريو لقطع الطريق أمام من يفكرون في دولة مدنية، ليبقى كل شيء في يد العسكريين، ويدور في فلكهم، بدءا من البرلمان وحتى زجاجة الزيت وولاعة السجائر، وليست عمليات قطع الرؤوس المدنية التي شاركت في عملية الثلاثين من يونيو/ حزيران، سوى ترسيخ لفكرة أن المؤسسة العسكرية وها هو رأس حمدي الفخراني يطير في الهواء، ليكون عبرة لمن يعتبر، ودرسا قاسيا لكل من يفكر في مزاحمة ملوك العسكرة، وأظن أن كل رجال أعمال، وأحزاب، انقلاب الثلاثين من يونيو/ حزيران، يتحسسون رؤوسهم الآن، بعد أن زمجر الجنرالات، وكشروا عن أنيابهم في وجه كل من يخرج عن النص، ويجرؤ على المنافسة، فيستوعب محمد أبو الغار مضمون الرسالة سريعا، ويتراجع عن اعتزال اللعب الحزبي، بعد ساعات من إعلان قراره. وفي مناخ مثل هذا، من الطبيعي أن يخلع المعتز بالله ملابسه الأكاديمية، ويردد مثل بلياتشو "الحمد لله على نعمة الجيش٠٠ والسيسي".

***المعطيات المتوفرة عن شكل البرلمان القادم تقول إنه سيكون برلماناً سيسياً عسكرياً أليفاً، لا يهشّ ولا ينشّ، إذ تمت السيطرة عليه من المنبع، من خلال قطع الطريق أمام كل من يفكر في منافسة القائمة الموحدة التي جرى تشكيلها تحت الإشراف المباشر من نجل عبد الفتاح السيسي، وتضم كل مخلّفات الدولة العسكرية البوليسية القمعية، من جنرالات متقاعدين، ومخبرين وبلطجية، توارثتهم الأجبال، منذ شباب كمال الشاذلي وصفوت الشريف

*الواقع ينطق بأن أول مادة في الدستور الذي تريده سلطة السيسي ينبغي أن يكون نصها "مصر دولة عبثية عابثة، نظامها رئاسي كوري شمالي مطلق".

 

***


أدرك ثنائي الدم والقمع أنه لا بقاء على سدة الحكم لمن لا ترضى عنه "إسرائيل"، فقدم السيسي كل المطلوب منه إسرائيلياً، كما تحدده واشنطن، وخضع "بياع الممانعة" السوري لتصور الدور الإسرائيلي في الحرب على الإرهاب، كما تريده موسكو. وعلى ضوء هذه المعطيات، لا مفاجأة على الإطلاق في أن يعلن النظام المصري حرب المياه على الفلسطينيين، في اللحظة الذي يعلن فيها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن ثلاثة عشر ألف سائح إسرائيلي، إضافي، قفزوا بمعدلات الوجود الإسرائيلي في سيناء من 72 ألفاً، إلى 85 ألف سائح، بفضل الضربات الساحقة التي وجهها عبد الفتاح السيسي للشعب المصري الشرير الذي تجري، الآن، عملية تهجيره من سيناء.

***إحياء حروب الكرة بين الأهلي والزمالك، يصلح نموذجاً لحالة الإلهاء وخطف الوعي قسرياً، والتي تبدأ بتحويل رياضة كرة القدم إلى مجرد لعبة افتراضية محنطة، أشبه بالألعاب الإلكترونية. كرة القدم تُلْعب في العالم كله، من أجل الجماهير، إلا في مصر، يمارسون اللعبة من أجل رئيس النادي الذي يستولي على ما يحققه اللاعبون، المشترون بنقوده، من مكاسب، ليصبح الفوز فوزه والإنجاز إنجازه.

وبدوره، يضخ هذه المكاسب في رصيد الزعيم الجنرال الذي أعاد هيبة الدولة، بينما أصحاب هذه اللعبة الأصليون، وأعني الجماهير، غائبون، أو مغيبون قسرياً، حيث يقبع الجمهور الحقيقي في المقابر، في صفوف طويلة من الشهداء، من مذبحة ملعب بورسعيد إلى مجزرة ملعب الدفاع الجوي، بينما المدرجات غارقة في صمت القبور، تنفيذاً لفرمان السلطة بأن تتم ممارسة اللعبة سراً.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 192 مشاهدة
نشرت فى 17 مايو 2015 بواسطة news2012

صحافة على الهواء

news2012
نتناول الموضوعات السياسية والعلمية والدينية والإجتماعية على الساحة الداخلية والخارجية وتأثيرها على المجتمع المصرى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

126,490