جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
السؤال
كيف نعلم أولادنا أن يشعروا بنا وأن ينشئوا ليكونوا في المستقبل رجالا أقوياء، وعلى سبيل المثال عندما أصاب بجرح صغير فإنهم يشعرون بالذعر، ولكني
أخبرهم أنها لا تؤلم ولم يحدث شيء، ولكني في نفس الوقت أريدهم يشعرون بي؛ ولذلك رأيت أنه من الأفضل أن أتوجه إليكم بالسؤال والمشورة، جزاكم الله خيرا.
الحل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرا كثيرا على دعوتك الطيبة.. اللهم ألهمنا صوابا.. اللهم آمين.
مما فهمته من سؤالك أنك تسألين عن الكيفية التي تعلمين بها أطفالك التعاطف؛ ونعم السؤال الذي تسألين.. فالتعاطف أب لفضائل أخلاقية كثيرة فتجدينه مشتركا مع التسامح؛ وقبول الآخر؛ وقبول الاختلاف؛ وأساس ثابت وجوهري للتفاوض؛ وفض النزاعات سواء داخل الأسرة أو مع الأصدقاء أو حتى بين الشعوب المتحاربة.. أساس أي تفاوض هو معرفة الآخر وفهمه وقبول مشاعره وأفكاره وإن كنا على خلاف معها.
وللأسف الشديد إننا لا نستثمر الفطرة الطيبة التي خلق الله الأطفال عليها.. فلو لاحظت الطفل فطريا تجدينه متعاطفا مع غيره حتى أنه يمكن أن يبكي لمجرد بكاء الآخرين؛ وتجدينه يضحي بالغالي والرخيص لأجل قطة أو كلب ضال؛ كما يمكن أن يعطي كل ما يملك لفقير بائس يراه.. وربما خطؤنا الأول يكون في عدم تقديرنا أحيانا أو غالبا لمشاعره؛ عدم تعريفه الكافي بمشاعر الآخرين بل ومشاعره هو شخصيا، وسبب هذه المشاعر لديه ولدى الآخرين وكيفية تعامله مع هذه المشاعر وكيفية تغييرها والتحكم فيها في مرحلة تالية.
وأزعم أن هذا التفاعل الواعي مع مشاعرنا هو أساس الصحة العقلية. وأساس لنجاحات كثيرة في الحياة؛ وأساس لفهم جيد للآخرين واتصال فعال معهم؛ وهو مما يفيد الأفراد في جميع مناحي حياتهم..
واسمحي أن ألخص لك الأمر في نقاط محددة:
1- ومضة إحساس الطفل بالتعاطف مع الآخرين يجيء من شعوره بتعاطف الآخرين معه. وخاصة أولئك الذين يمثلون ثقلا عاطفيا بالنسبة له وعلى رأس هؤلاء الوالدين بالطبع. وهذا يعني عدم استهانتنا بمشاعره وإنكارها -وكثيرا ما نفعل جميعا- فتجدين مثل هذه الكلمات على ألسنتنا: "لا تتضايق؛ الأمر لا يستحق كل هذا"؛ "لماذا تبكي جرحك بسيط جدا هذه ميوعة".
"ما المشكلة لو أن صديقك لم يرغب في اللعب معك اليوم العب مع غيره". الحظي حبيبتي ما الذي نفعله بمثل هذه الاستجابات لمشاعر طفلنا.. إننا نعوده من غير أن ندري أن يتجاهل مشاعر الآخرين.. وهو ما أذكره في النقطة التالية:
2- ومضة الإحساس بالتعاطف تجيء من القدرة (بالتدريب) على أن يميز ويفهم ويقدر ويحترم مع وجهة نظر الآخرين ومشاعرهم؛ أي ببساطة أن يتمكن من أن ينظر للأمر من خلال عيونهم. وبالطبع يبدأ هذا التدريب في البيت؛ مما يقتضي أن نشير لمشاعرنا وسبب هذه الشعور؛ ونشير للكيفية التي تصرفنا بها نتيجة لهذا الشعور.. تحدثي دوما عن كل هذه الأمور فهذا يساعده على فهم نفسه والآخرين.. واعلمي حبيبتي أن كل عادات السلوك الذكي تبدأ من حيت الوعي بالذات. ويمكنك مساعدة ابنك على ذلك دوما بالآتي:
• ساعدي طفلك على تمييز وتسمية مشاعره ومشاعر الآخرين. عن طريق الكتب والمواقف الحياتية اليومية: "أظنك تضايقت من...؛ ماذا شعرت عندما...؟ هل شعرت بالضيق؛ بالملل؛ بالحزن...".
- يمكنك إطلاع طفلك على بعض الكتب التي كتبت خصيصا لمساعدة الأطفال على تمييز المشاعر المختلفة.. وذلك أيضا يعتبر بداية لتدريب الطفل على التعامل مع مشاعره هو شخصيا.. أرجوك وغيرك أن تساعدي طفلك على الوعي بمشاعره حتى يستطيع التعامل معها؛ وحتى يستطيع من بعدو ذلك أن ينتقل للتعامل مع مشاعر الآخرين.
- تحدثي عن مشاعرك أنت الشخصية تجاه المواقف والسلوكيات المختلفة. وستجدين أن هذا الحديث الداخلي من الأعماق ييسر تواصلك وفهمك أنت لأولادك وكذلك فهم أولادك لك.
- يمكنك سؤالهم دوما من خلال المواقف: ماذا تظن أنه يشعر؛ لو كنت مكانه ترى ماذا كان من الممكن أن يكون شعورك.. لماذا تظنه أنه تصرف بهذه الطريقة؛ لو كنت تشعر مثل شعوره كيف كنت ستتصرف...
- يمكنك أيضا أن تقرئي معهم بعض القصص وتقفي عند مرحلة معينة وتسألي: ماذا تظن أن هذه الشخصية تشعر.. كيف ستتصرف.. حاولي معهم أن يرسموا صفات الشخصية؛ ومشاعرها وطريقة تصرفها المتوقعة وفق هذه الخصائص. وكيف يمكنك أن تغيير الأحداث بتغيير مشاعر هذه الشخصية؛ كيف يمكنك أن تغير مشاعره.
3- ومضة التعاطف تجيء من شعور الطفل بلذة أثر تعاطفه في نفسه ورضاه عنها وتقديره لذاته فورها؛ كذلك من شعوره بأثرها الطيب على المحيطين ودائما ما يشعر الطفل بسعادة حقيقية إذا ما استطاع أن يقدم شيئا ما لغيره؛ وإن كان هذا الشيء هو مجردو الدعم المعنوي –وليس هذا بالقليل– فحاولي أن تثني على أي بادرة تعاطف منه تجاه شخص أو حيوان أو نبات؛ وحاولي الإشارة لما يشعر به من سعادة في هذه اللحظة؛ ثم الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى وعدنا بالجنة جزاء لنا على تقديم العون والتعاطف للآخرين.. أشيري بقوة إلى أن هذا يرضي الله وأن الله في هذه اللحظة راضٍ عنه.. وهو ما يعني لطفلك أنه جيد وهذا مربط الفرس (كما يقولون في لغتنا المصرية): إذا شعر طفلك أنه جيد فسيتصرف بشكل جيد.. فالمرء عند ظن أخيه كما علمنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
وحين تشيرين إلى فعله المتعاطف فإنك تعززين هذا السلوك لديه؛ بل وربما تكون بداية تعارفه على مثل هذا الشعور بالتعاطف وأثره الطيب في نفسه هو شخصيا؛ وكذلك أثره الطيب على الآخرين.. وزاد دعما أنك أشرت لرضى الله سبحانه وتعالى عن مثل هذا السلوك الطيب. ماذا تظنين في الموقف التالي؟
4- يساعد في تدريب الطفل على التعاطف أن يرى من حوله رقيقي القلب متعاطفين تعاطفا حقيقيا مع غيرهم.. ساعدي طفلك على أن يرى غيره ممن يتأثر بهم في حال التعاطف.
5- علميه ودربيه على فعل التعاطف: علميه كيف يقترب بابتسامة من طفل آخر وقع؛ ماذا يقول له من كلمات طيبة؛ كيف يحاول أن يهون عليه ويعيد له بسمته.. علميه ذلك عمليا؛ واطلبي منه في المواقف المختلفة أن يفعله ولكن برفق. فأحيانا لا يعرف الطفل كيف يتصرف ونعتقد نحن أن هذه السلوكيات الطيبة بديهيات يعرف الطفل كيف ينفذها، والحقيقة غير ذلك تماما؛ فكلمات الحب تدريب؛ التعانق والتعبير عن الحب: تدريب؛ مد يد المعاونة لمحتاج تدريب؛ التبسم في وجه الغير تدريب؛ قول الكلمات الطيبة واعتيادها تدريب.. كل مفردات الحياة تدريب قابل للتعلم.. ولذلك يحاسبنا الله على مجاهدة النفس التي هي مرتبة من مراتب الجهاد.. وما يعنيه هذا الجهاد هو المحاولة الدؤوبة المستمرة لتغيير أنفسنا وتزكية أخلاقنا.
أما الصغار فهم في مرحلة تدريب وتعلم على غرس هذا العادات والسلوكيات الطيبة.. أمهلي طفلك وقتا للتعلم والتدريب المستمر ولا تتواني في تدريبه. على أن يكون في عقلك دوما أنه بالفعل طفل جيد.. هذا الإحساس سينتقل عبر تصرفاتك ليوجد فعليا في تصرفات طفلك. صدقيني أي فعل يحدث مرتين: مرة في عقولنا؛ ثم يتسلل إلى واقعنا. إن فكرت في الخير ستجدينه بإذن الله؛ وحدثي نفسك بالخير دوما ستجدين الخير في الواقع بإذن الله.
6- ساعدي طفلك على أن يشعر شعورا طيبا. وذلك بالحديث الإيجابي؛ الثناء الوصفي أي الذي يصف فعليا ما تثني عليه بالتحديد؛ والأهم دوما أن تشعريه بالحب والأمان والتعاطف والتفهم.. لا تجعلي بداخله ثائرا حانقا شاعرا بالإحباط.. فربما أنه يحاول فعليا أن يسلك سلوكا ما ولكنه لا يعرف الطريق إليه.. تقربي إليه ومدي جسور الرحمة والتعاطف بينك وبينه. فلا يحتاج الطفل أكثر من التعاطف معه والشفقة عليه والرحمة به والصبر على تعليمه.. واعلمي أختي الكريمة أن كل شيء قابل للتعلم.. فكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم".
7- استخدمي الألفاظ الإيجابية، ولا تنعتيه بصفات سلبية فيصدقها ويتصرف على أساسها وكأنك صنعت نبوءة وتحققت. فإن نعتِه بالكرم وأشرت بثناء إلى مواقف كرمه (وإن كانت قليلة) سيصدق أنه كريم وسيتصرف بكرم. خاصة إن شعر بالأثر الطيب على نفسه والآخرين. (أحمد فرح جدا حين أعطيته من الحلوى الخاصة بك؛ هذا ما يسمى كرما؛ أعتقد أنك سعيد بأنك كريم؛ هل تعلم مقدار رضى الله عنك بهذه الفعلة؛ بارك الله لك).
قدري مشاعره واعترفي بها؛ لا ترفضي أو تستهيني بها.
8- ابني جسور الثقة والاطمئنان لدى طفلك. أعلميه دوما أنك تحبينه وذلك بالقول والفعل.. فالطفل المحبوب يحب الآخرين ويتعاطف معهم؛ والطفل الشاعر بالدفء يبث دفأه للآخرين؛ والشاعر المطمئن الآمن يتصرف تبعا لفطرته الطيبة المتعاطفة.
أخيرا.. اعلمي حبيبتي أننا نحن الذين نتغير وليس أبناؤنا.. فلو أنك أمعنت النظر لرأيت أن كل الخطوات التي ذكرت تبدأ وتنتهي من حيث مبادأتك أنت بالتغيير من قبلك لموجدات المشكلة؛ وأسبابها.. معذرة ولكنها الحقيقة دوما.. الأطفال تولد على الفطرة.
والآن لنكون أكثر عملية أحضري ورقة وقلما وهيا دوني:
- موقف تصرف فيه طفلك بتعاطف: ________________________
- هل عززت هذا الموقف: ________________________________
- ماذا قلت:
- ماذا شعر طفلك نتيجة لقولك هذا:
- في المرة القبلة إذا ما تصرف طفلك نفس التصرف فماذا ستقولين لتعرفي ابنك أن هذا الفعل اسمه تعاطف؟ ....
- ماذا ستقولين له لتثني على فعله الطيب؟ ....
- ماذا ستقولين لتساعديه على تلمس أثر فعله الطيب على الآخرين (الشخص الذي تعاطف معه)؟ ....
- ماذا ستقولين ليربط هذا الفعل بمرضاة الله؟ ....
هل هناك أوصاف سلبية تنعتين طفلك بها؟ ....
اذكريها (اذكريها كلها قدر جهدك): ....
ما السلوك الذي يتبع نعتك هذا؟....
كيف يشعر طفلك نتيجة لهذه النعوت؟ ....
ماذا يتصرف على أساسها لو أنه صدقها: (وهو بالفعل يصدق ما تنعتينه به)؟ ....
الآن فكرى في بدائل لهذه النعوت: ....
اختاري منها أقرب ما ترينه حقيقيا في طفلك: ....
استمري في نعت طفلك بها في مواقف مختلفة: ....
من فضلك سجلي الاستجابة طفلك المختلفة على أثر نعتك له: ....
إذا جاءك طفلك باكيا من أنه وقع أثناء لعبه مع أصدقائه؛ ما هو ردك الفوري غالبا؟ ....
إذا تمهلت ولم تستجيبي فوريا؛ فما الرد الذي ترينه يساعده على الشعور بتعاطفك؟ ....
إذا شكا طفلك سوء تصرف أحد الأصدقاء معه فما الاستجابة الفورية؟ ....
إذا تمهلت ولم تستجيبي مباشرة؛ فما الرد الذي تجدينه يساعده على شعوره بتعاطفك؟ ....
هل يمكنك الآن تحديد بعض أسباب عدم تعاطف طفلك: ما هي؟ ....
ما هي خطتك لغرس التعاطف؟ - سأحدث نفسي بأن _____________________.
سأشير إلى_______________________.
- سأثني على _______________________.
- سأكرر على مسامعهم __________________.
- سأتفهم مشاعرهم السلبية مثل __________________.
- وسأحاول أن أتعاطف مع هذه المشاعر عن طريق _______________.
أرجو أن تفكري مليا وتجيبي على هذه الأسئلة.. التي يمكننا اعتبارها ورشة قصيرة تدربنا على مفهوم أساسي بمثابة القلب من كل الأخلاق.
نيفين عبدالله
مدير مركز أجيال للاستشارات و التدريب الأسري
ساحة النقاش