مقدمـة:
بعد التوسع الهائل في النتاج الفكر الإنساني و ما تمخض عنه من كتب و نشرات و دوريات و أبحاث و غيرهما من النتاج الفكري الإنساني الذي فاق الملاين لا بل المليارات من المعلومات،
أصبح هناك حاجة ماسة لترتيب هذا النتاج الهائل من الفكر، و عندما بحث المختصين بجزئية هذا الترتيب وصلوا لقناعة بان ترتيب و تصنيف هذا النتاج لا بد منه و عندما توغلوا بهذا الترتيب
اكتشفوا بأن عليهم الغوص و التعمق بجزئيات لم يتطرق لها احد من قبل، لذلك أوجدوا ما يعرف ألان باسم التوثيق الذي يقوم به متخصصون لكي يوفروا لنا ما نريده من معلومات قد يتطلب
البحث عنها فترات طويلة و قد نجدها بين ثنايا الكتب و المجلدات و البحوث المتخصصة أو لا نجدها وفق العرف البحثي التقليدي، و أيضا فرضت الحاجة على العلماء بأن يقوموا بما عرف لاحقا
بالتحليل، أي تحليل هذه البيانات لكي يستنبطوا منها ما يساعدهم على استرجاع هذا الكم الهائل من المعلومات و البيانات، و في أثناء هذه المرحلة من التاريخ أيضا اضطر العلماء و
الباحثين إلى استخدام بعض الآليات التي تعينهم على الرجوع إلى المعلومة المطلوبة من خلال استخدام ما عرف باسم الفهرسة و التكشيف التي قادتهم لعمل قوائم برؤوس الموضوعات
واستنباط الكلمات الدالة عن موضوعات البحث مما شكل دافعا قويا ليكون هناك كنز عظيم من الكلمات و مرادفتها لكي ييسر عملية البحث و التقصي عن جزئية لا يمكن الوصول لها دون
استخدامه، وهذا الكنز العظيم من الكلمات أطلق عليه اسم المكنز خصوصا عندما دخلت التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد على استخدام الأدوات العصرية من حاسبات آلية و نظم تطبيقية و
مصغرات فيلمية و وسائط حفظ مختلفة ساعدت الباحثين و العلماء على الوصول إلى تلك المعلومة بأقل جهد و أسرع وقت و اقل تكلفة و هذا ما يهدف له علم التوثيق بنهاية المطاف.
و تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على علم التوثيق منذ نشأته، وكذلك التعرف على بعض الدراسات والأبحاث المقدمة من قبل مجموعة العلماء والمختصين في هذا المجال، ونرجو إن يكون
هذا البحث أحد الروافد التي تدعم علم التوثيق وما فيه من مداخل المتعددة.
نبذه عن التوثيق:
منذ فجر التاريخ أحس الإنسان بحاجة ماسة إلى توثيق الأحداث التي مر بها أثباتاً لدورة في المشاركة و صنع تلك الإحداث و تأثيره عليها، ولولا عملية التوثيق التي قام بها الإنسان على
مر العصور لما استطعنا أن نتعرف على الحضارات المختلفة السابقة ولما وصلت إلينا أخبارهم، ونستطيع القول بأن بداية عملية التوثيق المعروفة حاليا كانت مع الحضارات الأولي حيث
استخدم الإنسان طرق وأساليب مختلفة باختلاف الأدوات والمقومات المتاحة في ذلك الوقت والتي تعتمد على الظروف البيئية المحيطة بكل فترة زمنية، و يتجلى ذلك بوضوح في الآثار و
العملات و المخطوطات القديمة التي عثر عليها و التي تضمنت معلومات تشير إلى الحقب الزمنية التي كان يعيش بها صانعي تلك الآثار و التي علمنا من خلالها تفاصيل حياتهم اليومية و
ثقافتهم و عاداتهم و تقاليدهم.
ورغم وجود التكنولوجيا الحديثة التي يسرت عمليات البحث والتحليل التي كانت مستحيلة في السابق يفاجئنا العلماء كل يوم باكتشاف جديد يساهم في التعرف على الحضارات
المختلفة وحل الألغاز المحيطة بها والتي ما زالت قيد البحث والدراسة في عصرنا الحاضر.
ونتيجة لذلك ظهرت في هذا المجال علوم ساهمت في قراءة التاريخ وفق تسلسلها الزمني، وأفرزت تلك العلوم عن ظهور مجموعة من العلماء والباحثين والأخصائيين اللذين حرصوا على
استخدام أساليب ووسائل مختلفة للتوصل من خلالها إلى استكشاف الأحداث التي ما زالت منطوية بين ثنايا التاريخ لتوثيقها، بالإضافة إلى توثيق كافة المستجدات في عصرنا الحالي.
تعريف علم التوثيق:
اخذ علم التوثيق يتوسع بشكل عنكبوتي شمل العالم كله بشبكة مترابطة مع بعضها بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية وقد بدأ ذلك مع بداية البشرية، ففي أواخر القرن التاسع
عشر أصدر العالمان أو تليت ولافونتين ببليوجرافية بغرض تجميع الإنتاج الفكري المنشور، بعدما أحسوا بأن المكتبات التقليدية عاجزة عن تقديم خدماتها بشكل مرضي عنه.
وتعتبر الببليوجرافية التي قام به العالمان أول عمل موثق وأطلقوا على ذلك النشاط الذي قاما به توثيق، و تتالت بعد ذلك الدراسات والأبحاث المهتمة بعلم الببليوجرافية وتطورت إلى إن
وصلت ما هي عليه ألان حيث يُمكننا الحصول على المعلومة بأسرع وقت واقل كلفة وجهد، وهذه العملية بحد ذاتها تعتبر إنجاز للبشرية إن قورن بما كان يحدث قبل ذلك، فمع تطور العلم
ومخرجاته الحديثة أصبح التخصص في مثل هذه العلوم من المتطلبات الرئيسية والأساسية.
فإذ كان العالمان أو تليت و لافونتين ومن جاء من بعدهم من علماء قد قدما لنا خلاصة فكرهم منذ القرن التاسع عشر فإن القرن الحادي والعشرين يتطلب منا المزيد من الجهد والسعي
لتطوير هذا المجال، و في بحثنا هذا حاولنا البحث والخوض في علم التوثيق وهي جزئية تستحق البحث والدراسة علنا نثير اهتمام العلماء لها ونحفزهم للنقاش حولها، ومن هذا المنطلق
نعتقد جازمين إن التوثيق أصبح من ضروريات العصر الحديث.
وهناك الكثير من التعاريف التي أطلقها علماء أفاضل يعرفون بها التوثيق سوف نتطرق للبعض منها و إن اختلفت في صياغتها الغوية، إلا إنها تتفق في مضمونها و من هذه التعريفات ما يلي:-
1- تعريف موريتمر تاوبة taube:
يعرف موريتمر التوثيق بأنه مجموعة العمليات التي يشتمل عليها توصيل المعلومات المتخصصة و التي تتضمن العمليات التي تكون العمل المكتبي المتخصص إلى جانب العمليات المبدئية
الخاصة بأعداد و نسخ المواد و ما يتبعها من عمليات التوزيع.
2- تعريف جيمس ماك jams mack و روبرت تابلور ROBART TAYLOR:
عرفا العالمان التوثيق بأنه مجموعة من العمليات الأزمة لتجميع و تنظيم و توصيل المعرفة المتخصصة وذلك لغرض توفير أقصى استخدام ممكن للمعلومات التي تشتمل عليها*.
3- تعريف براد فورد BRADFORD:
يرى براد فورد إن التوثيق هو عملية جمع و تصنيف جميع سجلات المعرفة و المعلومات الحديثة و تيسير استعمالها لمن يحتاجها من الباحثين و المخترعين*
4- تعريف قاموس وبستر WABASTR dctinary:
يعرف قاموس وبستر التوثيق بأنه تجميع للمعرفة المسجلة و ترميزها و بثها على إن تعامل هذه المعرفة بطريقة شاملة و بإجراءات متكاملة و مع الاستعانة بعلم المعاني و الوسائل الآلية
بأساليب التصوير المختلفة و ذلك حتى تنال المعلومة اكبر قدر من الإتاحة و الاستخدام.
5- تعريف شبراshera:
يرى شبرا إن التوثيق هو شكل أخر من العمل المكتبي يمتاز عن سابقة بكونه أكثر عمقا في التناول و التحليل الموضوعي و الاهتمام بالتغطية الشاملة في تجميع مصادر المعلومات بصفة
خاصة للمتخصصين في مجال تغطية مركز التوثيق.*
و من مطالعاتنا لهذه التعريفات نرى أنها قد أعطتنا صورة واضحة عن ما هية التوثيق بشكله الواسع منذ القرن التاسع عشر إلى ألان، إلا إننا نرى إن هذه التعريفات لم تتناول الجزئية التي
نطمح للوصول إليها والتي تعطينا المقدرة على التفريق بين التوثيق كعملية إجرائية تمارس على الوثيقة نفسها والتوثيق كعملية ميكانيكية لحفظ ذلك المستند، مما يعطي انطباعا وخلطاً ما
بين التوثيق و التحليل، لذا نرى إن عملية التوثيق هي العملية أو الإجراء الذي يتيح لنا تحليل الوثيقة نفسها و استخلاص المفاتيح الرئيسية التي تسهل عملية الرجوع لها دون الدخول في
ميكانيكية حفظها.
أذن التوثيق هو العملية الفنية التي تسهم في تحديد العناصر الأولية الموجودة في قلب الوثيقة و التي تتيح لنا الأستدل عليها من بين الملاين من الوثائق بكل سهولة ويسر.
ما هو التوثيق ؟
التوثيق هو العلمية المتعمقة في دراسة الوثيقة ويقوم بها أخصائي متخصص بدراسة الوثائق من خلال تحليلها، حيث يغوص الموثق بين ثنايا الكلمات ليكشف لنا ما لا يراه الآخرون وهو عمل
فني جديد متطور أملته طبيعة البحث العلمي الحديثة.
لماذا التوثيق ؟
سؤال تم تداوله بين المهتمين بالشأن التوثيقي لما يمثله من أهميه بالبالغة في العصر الحديث، فبعد اتساع رقعة المعرفة وزيادة الاتصال والتواصل بين مختلف الأدوات العلمية وتطورها لدرجة
أصبح هناك ما يعرف PAPERLESS SOCIETY أي مجتمع بلا ورق، و أصبحت الحاجة ماسة للتوثيق سواء كان ذلك توثيقا لأحداث أو توثيقا فنيا لوثائق الإحداث، و نظرا لتعقد الأمور و تطورها
بسرعة مذهلة و الاندفاع التكنولوجي غير المسبوق حتم علينا إن نتطور معه و نواكبه بعملية توثيق لكي تسهل علينا عملية استرجاع تلك الإحداث و وثائقه، وهنا انتقل التوثيق من
والحجري إلى ألورقي إلى فلمي و إلى ضوئي و من ثم توثيق آلي أو الكتروني مما خلق حاجة ماسة لاتساع رقعة التوثيق بشكل مكثف ومعمق، لكي نصل بالنهاية إلى ما نحتاجه من
معلومة معينة بين ملايين المعلومات التي يحتويها وعاء الحفظ، لذلك لا بد من التوثيق كمرحلة أولى وبعدها يتم حفظ الوثاق أو الوثيقة على أي من وسائط الحفظ المعروفة والمتداولة في
مراكز حفظ الوثائق.
مدخل إلى علم الوثائق:
علم الوثائق من العلوم الأساسية لدراسة التاريخ وقد اتفق العلماء والباحثون على تعريف الوثائق من خلال معنيان كالتالي:
1-المعنى العام للوثائق: اصطلح على أن الوثائق في معناها العام هي كل الأصول التي تحتوي على معلومات تاريخية.
2-المعني الدقيق للوثاق: اصطلح على أن الوثائق في معناها الدقيق هي الكتابات الرسمية أو شبه الرسمية مثل الأوامر والقرارات والمراسيم والبراءات والاتفاقيات والمراسلات السياسية،
والوثائق الشرعية، والكتابات التي تناول مسائل الاقتصاد أو التجارة أوعادات الشعوب أو نظمهم وتقاليدهم أو المشروعات أو المقترحات المتنوعة التي تصدر عن المسئولين في الدولة أو التي
تقدم إليهم أو المذكرات الشخصية أو اليوميات (المصدر - المدخل إلى دراسة الوثائق العربية د.محمد عباس حمودة).
ونشأت في عصرنا الحديث العديد من المجالات لخدمة علم التوثيق مثل:
- العمليات الفنية
- التصنيف
- التحليل
- الفهرسة
- التكشيف
- المكنز
وفيما يلي سوف نقوم بتعريف كل من المجالات السابقة ومدى أهمية كل منها:
في عملية التوثيق:
العمليات الفنية:
ينبغي على دارس علم الوثائق أن يكون على علم ودراية بالعمليات الفنية التي تمكنه من التحقق من جودة الوثيقة التي بين يديه كالتالي:
1- معرفة نوع المداد المستعمل في الكتابة و تركيبته والأقلام التي كتبت بها.
2- أنواع الورق المستعمل وخصائصه.
3- العلامات المائية والألياف التي تتضح عند تعرض الورق للضوء
أهمية العمليات الفنية في التوثيق:
من خلال معرفة العمليات الفنية السابقة يمكن للباحث التثبيت من صحة الوثائق التي تحت يده أو بطلانها وذلك باستخدام بعض الوسائل التي ساهمت في التحقق من الوثيقة مثل بعض
العدسات المكبرة الخاصة، وبواسطة المجهر والتحليل الكيميائي يمكن للدارس معرفة عمر الورق، وأحيانا يمكن الاستعانة ببعض أنواع الأشعة الحمراء والبنفسجية لإظهار الخطوط غير
الواضحة، أو المطموسة، أو المغيرة عمداً، ولا شك في أن هذه الوسائل قد أسهمت في مساعدة الباحث على التثبيت من صحة الوثائق أو بطلانها.
التصنيف:
يعتبر التصنيف هو العامود الفقري لعملية التوثيق، و تكمن أهمية التصنيف في عمليات التوثيق في وضع الموضوعات المتشابه و المتداخلة و المتشابكة في غالب يمكننا من تسهيل عملية
الرجوع إلى الوثيقة، لأنها تعتبر مثل إمساك طرف الخيط المعقد ببعضه، و تقوم عملية التصنيف على أساس وضع كل موضوع بمكانه المناسب و تجميع ما يتفق مضمونه مع بعضه البعض لكي
يسهل لنا عملية البحث عن ما هو مطلوب، لذلك تعتبر عملية التصنيف هي الخطوة الأولى في عملية التوثيق التي لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها.
و التصنيف يقوم على أساس الموضوع الرئيسي و يتفرع منه عدد من الأفرع ألا متناهية مما يتيح لنا المجال بتتبع الموضوعات وفق منطق الأصل و الفروع.
<!--<!--
أهمية التصنيف في عمليات التوثيق:
تكمن أهمية التصنيف في عمليات التوثيق كون إنها من العمليات الأساسية في عمل التوثيق، حيث إننا نقوم بعملية التوثيق لحفظ المعلومات و المستندات الداعمة لها و عليه لا بد من
إتباع أنجع و الطرق و الوسائل التي تسهل لنا عملية استرجع تلك الوثائق و المعلومات و على ذلك لا بد و إن نفرز و نصنف تلك الوثائق و المعلومات وفق منطق لا يمكن لأي موثق إلا أن يتبعه
من خلال وضع ما هو متجانس و متلائم مع بعضه البعض.
التحليل ANALYSES:
يعتبر التحليل علم قائم بذاته وله العديد من الطرق والمفاهيم التي تدعمه، كما أن له أهمية كبيرة بين العلوم الحديثة التي تخدم عملية التوثيق، لذا تعتبر عملية تحليل الوثيقة خطوة
جوهرية في فهم وصياغة و حفظ الوثيقة بين ملايين الوثائق، و يمكننا تعريف التحليل بأنه العملية الذهنية التي يقوم بها الشخص المعني بالتوثيق، فإذ كانت عملية التصنيف هي إمساك
طرف الخيط المعقد مع بعضه، فإن عملية التحليل هي محاولة تفكيك ذلك التعقيد و ربط مختلف المصادر مع بعضها لكي نصل بالنهاية إلى استنتاج يخدم قضية البحث.
أهمية التحليل في عمليات التوثيق:
عندما نقوم بعملية التوثيق لابد وان يعقبها عملية تحليل بيانات الوثيقة بعد تصنيفها أي كان شكلها أو نوعها لنتمكن لاحقا من استرجاعها وفق أسس علمية ترتكز على أربع مبادئ لا
يمكن الاستغناء عنها وهي كتالي:-
تاريخ الوثيقة
مصدر الوثيقة
مستقبل الوثيقة
موضوع الوثيقة
وعندما يختل أي مبدأ من تلك المبادئ ويحيد عن الغرض المنشأ له أصلا تفقد عملية التحليل جوهرها وبالتالي تفقد قيمتها وقيمة الوثيقة التي قد تحمل من المعلومات والبيانات غاية في
الأهمية، فلو ضربنا مثال على ذلك سنجد أن المعلومات التي تحتويها الوثيقة أن لم تصل لمتخذ القرار في السرعة و الدقة و التكلفة المناسبة قد تقود إلى قرار خاطئ يكلف الكثير وعند
محاولة تعديل القرار المتخذ قد يكون له عواقب قانونية تحول دون إتمامه ناهيكم عن المشاكل الإدارية التي ستنشأ بعد ذلك، لذلك نجد أن هذه المبادئ الأربعة مرتبطة مع بعضها البعض برباط
متوالي لا يمكن المساس بأي بداء من تلك المبادئ دون الإخلال بالعناصر الأخرى فيه، ومن هنا تكمن أهمية المحافظة على التوازن بين تلك المبادئ.
لذا فإن عملية التحليل لا يمكن الاستغناء عنها بتاتا طالما نحن نتحدث عن التوثيق لأنها وسيلتنا الوحيدة التي تمكننا من استرجاع تلك الوثيقة، وتعتمد عملية التحليل على مقدرة المحلل
وفهمه للموضوع فهم واضح و صحيح، ويجب أن يكون المحلل لديه المقدرة على ربط المعلومات مع بعضها البعض ليستخلص بالنهاية ما هو مطلوب من تحليل الوثيقة، وتكمن أهمية
دورالمحلل على مقدرته بالربط بين الجزأيات المختلفة التي قد تتراءى للفرد العادي غير ذي أهمية ليستنتج منها ما هو مهم لاتخاذ قرار ما.
مما سبق نستطيع القول أن التصنيف والتحليل هما عمليتين تهدفإن إلى المساهمة في العمليات التوثيقية، وهنا نتساءل هل التصنيف هو مقدمة للتحليل ؟ فالحقيقة العملية المؤكدة
هي إن التصنيف جزء لا يتجزأ من عملية التحليل لآن التحليل يهدف إلى تفحص و دراسة الوثيقة ومحاولة نقلها من شكلها الأصلي إلى حزمة من البيانات القابلة للقراءة و الاستدلال عليها
من بين ملاين الوثائق، و من المسلم به أن الوثائق أي كان نوعها فهي ذات أشكال مختلفة تحمل في طياتها مواضيع متضاربة، الأمر الذي لا يسمح بحفظها دون معرفة جوهرها وتحديد
موضعها وفاقا لمعايير محددة على بطاقات تتوحد في أشكالها ومعلوماتها وأهدافها لغرض البحث العلمي أو للإعلام عامة، في ما تحفظ الوثائق في حافظات خاصة بها تدل على مكان وجودها
على وسائط حفظ العصرية الإلكترونية أو التصوير المصغر الميكروفيلم.
من المؤكد أن عملية التحليل هذه ليست بالسهولة التي يتصورها البعض إذ من المفروض أن التحليل يؤدي إلى مادة فرعية عن الوثيقة الأم بالنسبة لموضوعها، وهذه المادة فرعية بالنسبة
لجوهر المعلومات الأساسية المتوافرة في الوثيقة الأصلية وطبيعي أن المادة الفرعية تأتي متنوعة تبعا لدرجة إعدادها ودقتها ولطريقة التحليل المتبعة في حين أن عملية التحليل هذه تؤدي
إلى إنشاء الملخصات بمعنى أن من المحتم أن يلي التصنيف أيضا وضع الملخصات ليستطاع تحديد موضوعاتها في ضوء جوهر الوثائق فالملخصات وان كانت تحمل نتيجة تحليل للوثيقة
وعلى نحو مكثف فمن المفروض أن تسجل ما مع يتفق والمنهج الوثائقي القائم في المركز أو في الدائرة.
أذان التصنيف هو عملية تنظيم وترتيب الأشياء في مجموعات وفقا لتشابهها، وهذه العملية هي عملية ذهنية تتلخص في تجميع الأشياء المتجانسة وتنظيمها وفقا لتشابهها والتفريق فيما
بينها لدرجة الاختلاف.
الفهرسة:
عملية الفهرسة أيضا جزء لا يتجزأ من عملية التوثيق بمعناها الشامل، وهي عملية إنشاء أدلة الاسترجاع أي كان نوعها أو حجمها، حيث يعتمد الموثق في عملية الفهرسة على محتوى
مادة البحث والأدوات الفنية لمعالجة الوثاق.
وهناك العديد من الأدوات الفنية التي تجرى لفهرسة الوثائق وفق منظور علمي، ويمكن تحديدها على الشكل التالي:-
قوائم التصنيف
التصنيف العشري الكامل
التصنيف التوسعي
تصنيف مكتبة الكونجرس الأمريكية
التصنيف الموضوعي
التصنيف التوضيحي
التصنيف الببلوغرافي
قوائم رؤوس الموضوعات، وهي تعتمد على ثلاثة شعب قائمة على التفرع من ثلاثة أجزاء وهي كالتالي:-
- الموضوع الرئيسي وهو بمثابة الرأس.
- التفريع الأول وهو الفصل.
- التفريع الثاني وهو فرع.
التكشيف:
التكشيف هو احد العمليات التوثيقية التي يستقى منها الكلمات الدالة على الموضوع المراد توثيقه، وتعتبر ضرورية ومتممة لإعداد الفهارس، وعملية التكشيف هي جزء لا يتجزأ من عملية
التوثيق التي تساعدنا بعملية استرجاع المعلومات من خلال الكلمات الدالة و مرادفتها.
المكنز:
المكنز هو من الأدوات الرئيسية في عملية التكشيف، فأي تحليل موضوعي للوثيقة لا يمكن الاستغناء عن المكنز و كلماته الدالة و مرادفتها، بحيث يستخرج المُكشف الموضوعات الرئيسية
ويعبر عنها بواصفات المكنز وهذه الواصفات ستكون مفاتيح البحث داخل قواعد البيانات عن الموضوعات المشمولة بالوثيقة.
إذن المكنز هو الوعاء الذي تتجمع به الكلمات الدالة و مرادفتها و مشتقاتها التي تأتي نتيجة عملية التكشيف و التحليل الموضوعي للوثيقة بحيث يمكننا من البحث عن الكلمة و مشتقاتها و
مرادفتها فلو أخذنا مثالا كلمة برمجة الحاسوب كما جاء بمكنز جامعة الدول العربية يندرج تحتها العديد من المشتقات و المسميات، بحيث تصبح كالتالي:-
برمجة الحواسب الإلكترونية
البرمجة المصغرة
أنظمة البطاقات المثقبة
إدارة برمجة الحاسوب
برامج الحاسوب
البرمجة الرياضية
البرمجة الخطية
البرمجيات
تحليل النظم
تشخيص الأخطاء في علم الحاسوب
توثيق و معالجة البيانات
الحواسب
الخوارزمية
لغات البرمجة
معالجة البيانات
عناصر الوثيقة:
قبل أن تتوغل في رسم دور الوثائق وتتبع نتائجها وأثرها في الحياة المعاصر لابد من دراسة ماهية الوثيقة ومقوماتها العلمية كي يؤخذ بها ويعتمد عليها في التحقيق و التثبت و تعتمد
الوثيقة في الأصل كمستند علمي أو مالي على أربعة أسس هي:
- تاريخ الوثيقة
- مصدر الوثيقة
- مُستقبل الوثيقة
- موضوع الوثيقة
ويمكننا هنا أن نعطي مثلاً على ذلك من خلال عرضنا لقصة "الحجر المؤابي" حيث رويَ في التوراة المحرفة أن الصهاينة لهم انتصارات ساحقة على العرب وأنهم أصحاب حق
وهم من قاموا بإنشاء المدن وشق وحفر الآبار الطرق وبناء القلاع... إلى أخره.
إلى أن تم العثور في الأردن على حجر يعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد يعرف اليوم "بالحجر المؤابي" ووجد مكتوب به الحقيقة المنافية لكل ادعاءات اليهود الصهاينة كما زعموا، واعتبر هذا
الحجر وثيقة في أثبات حق العرب وإبطال ادعاءات اليهود لأن العناصر الأساسية للوثيقة توفرت في هذا الحجر كالتالي:
- أن التاريخ مدون بالحجر وهو القرن التاسع قبل الميلاد.
- أن مصدر الوثيقة هي الأرض التي زعم اليهود بأنها ملك لهم.
- أن مُستقبل الوثيقة هم أحفاد من عصروا على هذا الحجر.
- أن موضوع الوثيقة يدحض الادعاء الكاذب من خلال ما تم كتابته على الحجر وتكذيب مزاعم اليهود.
الوثاق أو الموثق:
لم تأخذ الوثائق طرقها إلى العالم إلا بعد أن خضعت للدراسات النقدية وتفرغ لها الباحثون والدارسون، والمتخصصون الذين يدرسون الوثائق ليؤكدوا على الصالح منها للحفظ المستديم وذلك
في ناحيتن: مادية، وجوهرية.
والحقيقة التي لا يرقى إليها الشك فالوثاق هو الخبير الذي يهتم بالوثيقة فيدرس جوهرها ليقرر صلاحيتها للبحث العلمي، أو للحفظ لأن ليس كل ما كتب وثيقة، ومن هنا يأخذ بجمع الوثائق
ويؤمن من بعد ذلك حركتها ضمن خطة مرسومة هادفة أو وفاقا لما يعرف بالنمط الواحد فيصنفها، ويفهرسها و يكشفها ويبثها أن لم تكن بحاجة إلى ترميم، ويسترجعها كلما دعت الحاجة إلى
ذلك وبالتالي يردها إلى الحفظ.
ومن مهام الوثاق "الصيانة" وفاقا للأسس العلمية المقررة وفي الأماكن المناسبة في ظل درجة حرارة مقررة، والأماكن المناسبة تبني وفاقا لمخططات هندسية ملائمة لطبيعة الوثائق،
ومتفقة مع أهداف وغايات هذا العمل التقني، إذن الوثاق والموثوق هما لفظتان لمهمة واحدة.
فإلى جانب ما قدمنا في وظيفة الوثاق فإن مهمته الأساسية تكمن في الإجراءات الفنية التي تتخذ على الوثيقة و ييسير استعمال المعلومات الأصلية التي سجلت في الوثيقة الكتابية
بخاصة: الدوريات والنشرات، التقارير والمواصفات وبراءات الاختراع وما كان مماثلا لها في المدونات الخطية ومن هذا العمل بالذات عرف التوثيق بأنه عملية جمع وتصنيف جميع المدونات
والمعلومات الحديثة، وتيسير استعمالها لطالبيها، إن المعلومات مهما تكن قيمتها العلمية تفقد هذه القيمة أن لم تخضع لعملية التوثيق بمفهومها المتقدم لوظيفة الوثاق أو الموثوق.
وفي الحقيقة ومهما تضاربت الآراء حول التعريف بالمهمة التي يقوم بها الموثق أهي مرتبطة بعلم المكتبات، أم منفصلة عنه، فهي تؤكد على أن التوثيق ما هو إلا جانب من علم المكتبات،
إلا أن له خاصيته وطبيعته ودراساته الخاصة من ناحية في ما تنطبق عليه أكثر النظم المكتبية، وهذه الطبيعة يجب أن يدركها الوثاق ويعمل في ضوئها.
أنواع الوثائق وأشكالها:
عند عرضنا "للحجر المؤابي" كوثيقة يعتد بها لدحض ادعاءات الصهاينة، كان القصد منها تأكيد إن الوثيقة مهما كان شكلها مختلف إلا إنها تتفق بالمضمون الوثائقي الذي يغير من فكرة
معينة و وجهة نظر مترسخة.
و من هنا يمكننا إن نعدد أنواع الوثائق و إشكالها على إنها تنقسم إلى أربعة أنواع رئيسية وهي كالتالي:
أ - الوثيقة الكتابية:
لا شك في أن هذا النوع هو الذي يعتد به، ويعتمد عليه لأنه يقوم على واقع ثابت لا يحتاج إلى دراسات مطولة، أو اجتهادات، أو خبرات خاصة قائمة على الترجيح أو التخمين.
ويقصد بالوثيقة الكتابية كل ما دون كمخطوط أو مطبوعة، فالرسالة والدورية في علم التوثيق تعني كل نشرة تحتوي على عدة موضوعات لعدد من الكتاب، أو المحررين ولها اسم خاص هو
عنوانها الذي تعرف به، وتظهر بأجزاء متتابعة وفي مدد محددة، ولزمن معين، وتشتمل عادة:
- الصحف "الجرائد" والتي تهتم بملاحقة الأخبار المحلية أو الدولية ونشرها، وفي نطاق ذلك تظهر المجلات على تعدد موضوعاتها واهتمامها.
- المذكرات وهي ما يدونه المرء سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو عالما أو أديبا أو فنانا، يدونون فيها خواطرهم والأحداث التي عاشوا واقعها، ومحاوراتهم وذكرياتهم.
- التقارير وهي صورة لنتائج علمية، أو تحقيقات إدارية أو عرض لواقع صحي، وبعبارة أخرى كل ما يشتم منه صفة التقرير.
- البيانات وهي ما يعرض فيها وجهات نظر خاصة ومعينة تميط اللثام عن أمر غامض، يحاولون فيها نشر ما ينير أفكار الناس نحو موضوع واحد على الأغلب فيه التأكيد وجهة نظر معينة أو
نفيها، والبيانات وإن اخذ بها البعض كوثائق لاسيما بعد أن يتقادم عليها العهد وتصبح موضع للدراسات النقدية، لا تعتبر دورية حسب المفهوم الفني لأنها لا تصدر على شكل واحد، وفي زمن
محدد أسبوعي، أو شهري، أو فصلي، أو نصف سنوي، وحتى حولي.
إن السجل الثقافي الذي يدون عادة النشاطات الفكرية ويسجل الندوات العلمية، والمناظرات الأدبية، والمحاورات السياسية، وهو أيضا إحصائية تثبت تحقيقات عددية، كما هو تقرير رسمي
يتناول الحياة الفكرية على أوجهها جميعا وربما كان ولا ريب مجموعة محاضر لجلسات المؤتمرات والاجتماعات، وبعبارة أدق فإن الوثيقة الكتابية هي كل ما يعيين الكشف حول حقيقة تاريخية
أو علمية.
و مع التأكيد على إن الوثائق الكتابية مهمة مهما كانت قيمة ما تحتويه إلا إن هناك اختلاف بين الخبراء حول الكتاب والكتيب من حيث قيمتها التوثيقية، فيرى الغالبية منهم إن لا الكتاب
والكتيب لا يعتبر وثيقة إلا إذا كان نادرا ومفقودا ويؤكد على ثوابت يقرها العلم ويطمئن إليها العقل.
ب - الوثيقة التصويرية:
هذا النوع من الوثائق في درجة تلي الوثيقة الكتابية والتي تعتبر في علم التوثيق وثيقة مساعدة بمعنى لا يعتد بها وحدها ويعتمد عليها لأن الجوهر فيها موضع ترجيح وتشكيك، ولا ينظر
إليها إلا في حال استطاعت أن تنير جانبا من البحث، وهكذا تساعد على التحقيق والكشف، وهي على الغالب: رسم ما نقل بالزيت، أو بالقلم، أو بالفحم، وصورة، أو نقش في الحجر، أو
كفت في النحاس، أو تنزيل بالخشب، أو تكوين في الجص، وربما كانت هذه الوثيقة المساعدة صورة شمسية تعين على التحقيق، فالهوية الشخصية، وجواز السفر لا يعتد بهما كوثيقتين في
إثبات الشخصية بالرغم من صدورها عن دائرتين رسميتين إلا إذا كان كل منهما يحمل صورة الشخص، والصورة مصدق عليها من مرجع قانوني وممهورة بخاتم الإدارة الرسمية، فالصورة
الشمسية جاءت هنا مساعدة للوثيقة الكتابية التي هي الهوية الشخصية، أو جواز السفر.
في ظل هاتين الوثيقتين الهوية الشخصية و جواز السفر، نجد أنهم كثيرا ما يتم تزويرهم، ولكن مع ذلك لا نستطيع أن ننكر أن الهوية وجواز السفر ليس كل منها وثيقة أصلية، وأخرى مساعدة
بالرغم من التزوير الحاصل فيها، لان هذا التزوير يكتشفه عادة علم السجيلوغرافيا " SIGILLOGRAPHY " الذي له كتبه وخبراؤه خريجو مدارسه المتخصصة في علم التزوير والجريمة.
ومع الصورة الشمسية فاللوحة أيا كان شكلها، والخيالة "السينما"، أو التلفزة اللتان تحتفظان والى أجيال بحقائق عن معارك وحروب في حال تسجيلا حيا، فهي عندئذ أشرطة وثائقية تعيين
على إيضاح جانب كبير من تاريخ ما تعرض له، أما إذا كانت مهيأة في المعامل فلا يعتد بها لاسيما وأنها تعرض وجهة نظر تتفق والمصدر، وعندئذ فلا بد للخصم هنا من أن يصور فيلما آخر
مناقضا، وبين الشريطين يمكن التوصل مع الوثائق الكتابية إلى ما تطمئن إليه النفس، ويثق به العقل.
ج - الوثيقة التشكيلية:
تعتبر هذه الوثيقة كسابقتها في إطار الوثائق المساعدة وربما جاءت في منزلة الوثيقة التصويرية لأنها مماثلة لها في كثير من المقومات، و غالبا ما يكون لها قيمة مالية كبيرة خصوصا عندما
تكون قد صيغت بيد احد المشاهير في العلوم التشكيلية، فالوثيقة التشكيلية في الغالب تشتمل على:
- الآثار المعمارية كقصر الحمراء في غرناطة، ومسجد قرطبة، وقصر أشبيلية، وجامعة القرويين في فأس وقبر السند باد البحري قرب بغداد، وأهرام الجيزة، وجامع شيرشاه في دلهي، وبرج
الحسن الثاني في الرباط، وكنيسة باسيل الطوباوي في موسكو وكنيسة القيامة في القدس وقوس قسطنطين في روما وغيرها من العام الخالدة.
هذه المعالم وإضرابها في أنحاء المعمورة تعتبر من الوثائق المساعدة، إذ تساعد على دراسة حضارات الأمم القديمة، وتحدد مظاهر الرفاه، أو مستوى التدين عندها وربما يتوصل الأثريون
في الكشف عن تاريخها إلى نتائج مذهلة في إدارة العمارة ومعرفة أسرارها، والمواد التي استخدمت في إقامتها بعد أن فقدت الوثائقية الكتابية التي خططت لهذه المعالم العظيمة، هذه إذا
وجدت في الأصل.
- التماثيل ومستوى القدرة الفنية في نحتها ومبلغ عبقرية مبدعيها وطاقتهم الخلاقة ولكم يقف السائح عند تمثال أبى الهول في الجيزة يستكشف فيه اهتمام المصريين القدماء في تخليد
ذكراهم، فضلا عن تماثيل عظماء العام التي ترفعها الدول في الساحات العامة والميادين تخليدا لهم وتحديدا لتواريخ ولادتهم زفاتهم، الأمر الذي يدفع بالشعوب إلى تخليد ذكراهم وربما
الانكباب على دراسة مآثرهم في مجالاته إبداعهم، و هذه المعالم والتماثيل والأبنية المنتشرة في أنحاء المعمورة تعتبر من لوثائق المساعدة، إذ تساعد على دراسة حضارات الأمم القديمة و
تحدد مستوى مظاهر الرفاه أو مستوى التدين و مستوى العلمي التي وصلوا لها و ربما يتوصل العلماء إلى نتائج مثيرة و مذهلة في إدارة العمارة و معرفة أسرارها و المواد المستخدمة في
تشيدها.
- المسكوكات من النقود والميداليات والأوسمة وهي ذات قيمة حضارية كبيرة بخاصة قطع النقود الرومانية والأموية التي ضربت لأول عهد العرب بالتحرر من استخدام النقود الأجنبية، فالدينار
الأموي الذي سك من الذهب أو الفضة يكشف عن جوهر هذه الصناعة الأولية ومدى بساطتها وعدم توافق الدنانير جميعا في الشكل إذا ما قيست هذه الدنانير إلى مسكوكات الأمم المعاصرة
في الذهب كالليرة العثمانية الذهبية، أو الليرة الإنكليزية ملك، والبيزوس المكيسكي والليرة الإيرانية، والتي جميعها هي أيضا موضوع نقد رجال المال بخاصة إذا ضاعت معالم الكتابة فيها، أو
بهتت تسننانها الدائرية فيتدنى عندئذ سعر مبادلتها بنقود أخرى حتى نجد أن الليرة الإنكليزية ملك ثمة باب أول، وباب ثان تماما كحال الليرة العثمانية الذهب.
فالنقود القديمة كما الميداليات والأوسمة وثائق مساعدة وربما فيها الزائف والصحيح وبالنظر لقيمتها المادية الكبيرة وبخاصة الدنانير العربية والنقود الرومانية فقد نشط المزورون بتزويرها و
الاستفادة من قيمتها االمعنوية والتاريخية، لذلك فثمة محاولات واسعة في تزويرها وهي تغطيتها بنوع من الزنجار (صدأ)المركب الكيماوي لكي يدل ذلك على سحقها في الزمن فيغلو ثمنها
أضعافا، غير أن علم السجيلوغرافيا كفيل بالكشف عن الزائف من المقلد.
د - الوثيقة السمعية أو المرئية:
وتدخل هذه الوثيقة أيضا كنوع ممن أنواع الوثائق المساعدة وهي في الغالب تسجيلات صوتية أو إذاعية، أو تسجيل أسطواني، أو شريط سينمائي ناطق.
و بالطبع فأن الوثائق الكتابية والتصويرية والتشكيلية لها مظاهر معروفة و مؤكدة ببعض الحقائق والمؤتمنة على معلومات تاريخية أومظاهر حضارية أوقيمة معمارية بالنسبة للأبنية والمعالم، أما
الوثيقة السمعية هذه فقد دخلت في مجموعة الوثائق المساعدة مع التطور المعاصر وبعد ظهور الكهرباء وابتكاراتها الصناعية والآلية، ومن ثمة الإلكترونية التي أغنت هذا النوع من الوثائق
التي يعتمدها الخبراء في دراسة الغناء ومستوى الصوت وطبقاته عند المغنين حيث ينهضون بدراساتهم النقدية و يجعلون المغنين رتبا ودرجات في ضوء براعتهم في الأداء وخبرتهم وثقافتهم
الفنية، في ما ينهض به ألاخرون بدراسة اللهجة الخطابية، أو أسلوب الحوار والنقاش عند رجال السياسة وزعماء العالم فيستندون بذلك إلى دراسة شخصياتهم ومدى تأثيرهم على
الجماهير، أو مبلغ براعتهم ونجاحهم في الحوار، وفي ضوء كل ذلك وإلى جانب الآثار المكتوبة التي تركها هؤلاء الكبار يمكن تجسيد حقائق هؤلاء الرجال الأفذاذ من خلال الوثيقة السمعية أو
المرئية.
لقد دخلت هذه الوثيقة اليوم كل بيت إذ أن كثيرا من العائلات يلذ لها أن تسجل الكلمات الأولى لأطفالهم، خلال مناسبات متعددة ومع تقدمهم في الحياة فتحفظ لهم بذلك تصبح وثيقة غنية
بالعبر والعظات.
في ظل ما تقدم نؤكد على أن الوثائق في جوهرها أربع أنواع، الأصلية، وهي الوثيقة الكتابية، والمساعدة وهي الوثائق التصويرية، والتشكيلية أو السمعية وهي كلها إما مدونة بالقلم أو
منحوتة بالأزميل، أو منقوشة بالحجر أو مسجلة على أشرطة ممغنطة وهي جميعا وعلى تعدد أنوا عها واختلاف أسمائهم تعيين على التثبت والتحقيق.
ومن هنا نستخلص من أشكال و أنواع الوثائق إن لها دورا إنسانيا وحضاريا عظيما وهي تساعد في عملية التوثيق التي تهدف إلى تجمع الوثائق لغرض البحث العلمي، أو التنظيم, والتخطيط،
والتطوير الإداري، وتوفير المعلومات، وكل ما يتعلق بالدراسات المقارنة وقد عبرت تلك الأنواع و الإشكال عن الإنسان وواقعة، فالتعريف بنشأة تاريخ الكتابة يأتي ولا شك تمهيداً لتحديد دور مركز
التوثيق وغاياته، وأقسامه، ووظائف وحداته، وتنظيمه الإداري وعمله التقني وبالتي أثره في الحياة المعاصرة.
أهمية الوثائق والمعلومات في اتخاذ القرار:
أكد العالمان ألكسندر و بيرك في قولاهما عن أهمية الوثائق بأنه لو تحطمت كل الآلات الحديثة ومعامل الذرة وبقيت الوثائق لتمكن رجال العصر من إعادة بناء الحضارة الآلية، ولكن لو ضاعت
الوثائق فان عصر الآلة يصبح شيئا من الماضي، لذلك فان أهمية الوثائق تكمن في قيمتها المعلوماتية والتاريخية التي تحتويها تلك الوثيقة، أما أهميتها في اتخاذ أي قرار فان توفر المعلومة
المطلوبة في الوثيقة يعتبر من الأساسيات التي تشد عود تلك الوثيقة وتعطيها مكانة عالية من بين مختلف الوثائق التي تحمل مختلف المعلومات، لذلك يتضح أن هناك ترابط كبير بين
الوثيقة وما تحمله من معلومة وبين سلامة اتخاذ القرار المطلوب، وهنا يمكننا أن نتخيل لو اتخذ قرار مبنى على معلومة في وثيقة غير متكاملة الأركان ويشوبها الشك في صحة معلوماتها
ويمكن الطعن بها بكل سهول، ماذا يمكن أن يكون شكل وقوة القرار الذي قد يرتبط بمصير دولة أو سيكلف الكثير من المال ؟ فلو أردنا أن نأخذ مثال على أهمية الوثيقة والمعلومات في اتخاذ
القرار فلا نجد أفضل من المعلومة التي سربت بقصد أو بدون قصد للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عندما دست كلمتين في احد الخطابات الهامة التي
ألقاها وقال بها أن العراق استورد يورانيوم من النيجر لصنع قنبلة نووية، وأتضح لاحقا أن هذه المعلومة يشوبها شك كبير وقد يفقد منصبة نتيجة لهذه الكلمات، أما توني بلير رئيس وزراء
بريطانيا قال أن العراق يستطيع استخدام أسلحة الدمار الشامل في غضون خمسة وأربعين دقيقة وأتضح لاحقا أن هذه المعلومة غير دقيقة واعتبر انه ضلل البرلمان وقد يفقد منصبه بسبب
هذه المعلومة غير الدقيقة.
ومن هنا فإن أهمية الوثائق والمعلومات أصبحت في يومنا هذا من أهم الوسائل التي يعتمد عليها الكثير من القرارات ذات أهمية مصيرية.فكلما كانت الوثيقة ومعلوماتها دقيقة كلما كان القرار
سليم والعكس صحيح.
المراجع
- المدخل إلى دراسة الوثائق العربية الدكتور/محمود عباس حمودة
- علم الأعلام الوثائق و المحفوظات الدكتور /عبدالله أنيس طباع
- ألدبلوماتك علم دراسة الوثائق و نقدها الأستاذ / سالم الالوسي
- مكنز جامعة الدول العربية
المصدر : نشرة المعلوماتية
نشرت فى 22 مارس 2012
بواسطة nassirmoussi
نصير موسي
نصـــير موســــي تكنولوجيا جديدة وانظمة المعلومات الوثائقية »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
403,750
ساحة النقاش