<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->

إن الهجرة المباركة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى ولم تكن طلبا للراحة ولاهرباً من العدو ولاتهرباً من الدعوة وأعبائها بل كانت بأمر من الله تعالى في وقت أشد ماتكون البشرية في ذلك الزمن إلى الهدي المحمدي فلقد أرسل الله خير خلقه محمد  r إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، فأرسل الله عبده محمداً  r إلى الناس جميعاً، قال الله تعالى: قُلْ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ لا اله إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىّ الأمّيّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].

فوجدهم يعبدون آلهة شتى، منهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار والشمس والقمر والملائكةوالجن، ويلجؤون إليهم في كشف الشدائد والكربات، ويرغبون إليهم في جلب النفع والخيرات، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ووجد الرسول  r بعض الناس يتحاكمون إلى الكهان والسحرة والعرافين، ويغشون الفواحش والمحرمات، ويسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال و بالحرام، الربا والبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، فجاء رسول الله  r بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك بالله شىء وبينَ لهم أن الله المعبود بحق لايوصف بصفات البشر فهو الخالق وما سواه مخلوق وهو الموصوف بالصفات التى تليق به فهو الأول قبل كل شىء والله الموجود قبل الكل بلا مكان ولازمان ولاجهة ولايحتاج إلى شىء بل الكل محتاج إليه قال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151]، وإفراد الرسول  r بالاتباع، قال تعالى: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ [الحشر:7].

جاء نبي الرحمة  r يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والإستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، يتفاضلون بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .[النحل:90].

دعا رسول الله  r الناس إلى هذا المعنى العظيم، وقام بهذا الواجب الكبير، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به في الآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، كالحرق بالناروإنزال أشد ألوان العذاب، واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق على المسلمين المستضعفين، وائتمر المشركون بمكة أن يقتلوا رسول الله  r ، ورصده المشركون عند بابه ليضربوه ضربة رجل واحد، فخرج عليه الصلاة والسلام عليهم وهو يتلو صدر سورة " يس"،وذرَّ على رؤوسهم التراب، وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهم النعاس ولجأ هو وصاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأ الطلب، وفتشت قريش في كل وجه، وتتبعوا الأثر حتى وقفوا على الغار، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!" أي ان الله تعالى مطلع علينا لاتخفى عليه خافية ثم يمَّما نحو المدينة، فكانت هجرة المصطفى  r نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

إن حادثة هجرة المصطفى  r تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته بالصبر والتحمل لمشقاة الدنيا والعمل الدؤب للأخرة التى هي العقبى، فينصر المسلم دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن حال المسلمين في العالم حريَ بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المتاجرين المتطرفين المنفرين عن الدين بأساليب وفتاوى ليس لها في الدين من أصل بل تخالف الدين، في ذكرى الهجرة المباركة علينا أن نعلم أن الدين الإسلامي دين علم وعمل وثقافة ومعرفة ودعوةللحق مؤيدة بالبراهين العقلية والنقلية المنورة للقلوب فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بالأمور التي صلح بها السلف الصالح من العلم والمعرفة الصحيحة لدين الله والتحذير من المضللين أصحاب الفتاوى السيئة التى جلبت الويلات للمسلمين، وبالخلق الكريم، والصدق مع الله، والتوكل عليه، والصبر على المكاره، وإحسان العبادة، على وفق ما جاء به النبي  r في السنة المطهرة، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" نسأل الله تعالى أن تكون هذه السنة الهجرية بركة وخيرأ يعم البلاد والعباد وكل عام وأنتم بخير.

ــــــــــــ

 


الهجرة المباركة

 

إنَّ في حياةِ رسول الله أحداثاً حوّلت مجرَى التاريخ وأحدَثت أعظمَ نقلة وأعقبت أقوَى الآثار، تبوَّأت منها الهجرة النبوية المبارَكَة مكاناً عليًّا ومقاماً كريماً، حيث كانت بحقٍّ فتحاً مبيناً ونصراً عزيزاً ورِفعة وتمكيناً وظهوراً لهذَا الدّين، وهزيمةً وصَغاراً للكافرين.

وفي وقائِع هذه الهجرة مِن الدّروس والعبَر وفي أحداثِها من الفوائد والمعاني ما لا يكاد يحِيط به الحصر ولا يستوعِبه البيان، فنها أنَّ العقيدةَ أغلى من الأرض، وأنَّ التوحيدَ أسمى من الديار، وأنَّ الإيمان أثمنُ من الأوطان، وأنَّ الإسلامَ خير من القناطير المقنطَرة من الذّهب والفضّة والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث ومن كلِّ متاعِ الحياة الدنيا، يتجلّى هذا المعنَى بيّنًا في خروجِ هذا النبيّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع صاحبِه الصدّيق رضي الله عنه مهاجرَيْن من هذا الحِمى المبارَك والحرمِ الآمِن والأرضِ الطيّبة التي صوّر واقعَها الحديثُ الذي أخرجَه أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه في سننهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنّه قال: رأيتُ رسول الله واقفًا على الحَزْوَرَة[1]قال: ((والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت))

وفي الهجرة كمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين الصَّادقين، ذلك اليقين الرَّاسخ الذي لا تزعزِعُه عواصِف الباطل، يستبينُ ذلك جليًّا في حالِ هذَين المهاجرَين الكريمَين حين عظُم الخَطب وأحدَق الخطرُ ببلوغ المشركين بابَ الغارِ الذِي كانَا فيه، وحينَ قال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله قولتَه التي أخذَت بمجامعِ القلوبِ. ((يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما)) ، وأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه، أنزل قولَه : إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

وأيُّ معيّةٍ هذه المعيةَ؟ إنّها المعيّةَ الخاصّة التي تكون بالتّأييد والتّوفيق والحِفظ والمعونةِ والنّصر إنّما جعلها الله تعالى لأوليائِه المتّقين المحسِنين الذين بذلوا حقَّ الله عليهم في توحِيده وإفرادِه بالعبادةِ وتركِ الإشراكِ به، ثمَّ بامتثال أوامرِه والانتهاء عمَّا نهاهم عنه.والمعية تاءتى بمعنى العلم كقوله تعالى(( وهو معكم أينما كنتم)) أي عالم بكم حيث كتتم الله تعالى لا يخفى عليه شيء عالم بالأماكن كلها وهو موجود بلا مكان , حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقة بن مالك المدلجي على فرس له فالتفت أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي : ((لا تحزن إن الله معنا)) فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض وكانت أرضا صلبة فنزل سراقة وزجرها فنهضت فلما أخرجت يديها صار لأثرهما عثان ساطع في السماء مثل الدخان قال سراقة: فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله فناديتهم بالأمان فوقف رسول الله ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال للنبي : إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك. فقال: ((لا حاجة لي في ذلك)) وقال: ((أخف عنا)). فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده وقال: كفيتم هذه الجهة فسبحان الله رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار فلم ينقلب حتى عاد ناصرا معينا مدافعا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوها وهكذا كل من كان الله معه فلن يضره أحد وتكون العاقبة له. ويعود سراقة ويكمل الرسول مسيرته إلى طيبة ويصل هناك ليستقبله المسلمون بحفاوة وترحيب وفرح وحب، وليؤسس  r دولة الإسلام ويعز الله دينه ويعلي كلمته ولو كره الكافرون ولو كره المشركون.

إنَّ هذه الهجرةِ المباركة وعبرِها هيَ جديرة بأن تبعثَ فينا اليومَ ما قد بعثَته بالأمسِ مِن روحِ العزَّة، وما هيَّأته من أسبابِ الرِّفعة وبواعثِ السموِّ وعواملِ التَّمكين. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ

ــــــــــــ

 

 

 

nassimbishra

اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 427 مشاهدة
نشرت فى 30 نوفمبر 2010 بواسطة nassimbishra

ساحة النقاش

نسيم الظواهرى بشارة

nassimbishra
موقع تعليمى إسلامى ، نهدف منه أن نساعد أبناءنا الطلاب فى كافة المراحل التعليمية ، وكذلك زملائى الأعزاء من المعلمين والمعلمات ، وموقع إسلامى لتقديم ما يساعد إخواننا الخطباء بالخطب المنبرية ، والثقافة الإسلامية العامة للمسلمين ، ونسال الله سبحانه وتعالى الإخلاص فى القول والعمل ، ونسألكم الدعاء »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

1,068,550

ملحمة التحرير