<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->

يمثل القرآن الكريم منبع الحكم والقيم والمعارف وهو الذي أسس حضارة وحدد لها مصدر المعرفة لما كان وما سوف يكون وما هو مؤمل أن يكون، فالقرآن كنص موحى للرسول (ص)، كان المحرك لمسيرة المجتمع الإسلامي في إبعاده القيمية والثقافية والسياسية والاجتماعية، فقد كانت معرفة النص وتفسيره تنتج وعيا للجماعة وللفرد؛ للجماعة لتتحرك نحو تفعيل قيم الشهود، وللفرد لأداء دوره في تحقيق المسؤولية.

ان كل قيم التغيير والتجديد في تاريخنا كانت تتخذ من القران منطلقا، وقد تكون بعض دعوات التجديد الفكري والاجتماعي أصابت بعض الهدف أو أخطأته، لكن الرغبة كانت قوية في جعل القرآن وعيا متجددا مع الزمن من خلال استحضار بصائره وما يهدي إليه.

ونحن هنا نسعى كي نتوصل لوعي قرآني للتحولات الاجتماعية كما يرسمها القرآن، ومن مناهج قراءة القضايا على ضوء القرآن هوما يطلق عليه المنهج الموضوعي في قراءة النص القرآني منهجا توظيفيا أي انه يقرأ النص من خلال الضرورة الواقعية عبر استخدام أدوات المنهج اللغوي والتاريخي والفقهي والعقلي، فهو منهج يوظف كل الأدوات المعرفية من أجل الحصول على نتيجة اقرب لأهداف النص ولمبتغاه.

التحول في القران الكريم ليس ظاهرة استثنائية، بل هو قانون ثابت يجري في كل زمن ومكان، فالكون يجري وفق قانون التغير والتحول، فليس ثمة غير الله في الحياة من لا يحكمه هذا القانون (كل شيء هالك إلا وجهه)، والتحول كمفهوم هو سنة عامة تجري في خلق الله، والقرآن عندما يتحدث عن التحول يلفت الأنظار والعقول إلى كونه دليلا على القدرة والعظمة الإلهية، لان التحول دليل على تكاملية نظام الخالق وعلى حكمة الخالق.

يقول تعالى وهو يصف التحول الذي يحدث في السماوات والأرض: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30) سورة الأنبياء.

وكذا عندما يتحدث عن التحول الذي يقع على الإنسان، فإن هذا التحول لا يتوقف حتى يصل الإنسان الى نهاية العمر، وفي سورة الحج يتحدث ربنا عن التحولات التي يمر بها الإنسان منذ البدء والى المنتهى، ويعتبر التحول هنا دليلا على القدرة والعظمة والبعث فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5) سورة الحـج.

وفي آيات عديدة يلفت الله الإنسان إلى سنة التحول والتغير، وأنها جارية في كل الخلق دون استثناء، وقد يستطيع الإنسان أن يرى التغير الحادث في الطبيعة في بعض جوانبها، وقد لا يراه في كثير من الجوانب، لكن عدم الرؤية ليس دليلا على العدم.

وعندما يتحدث عن مسيرة الإنسان وحركته في الحياة فان قانون التغير والتبدل يتحكم في هذه المسيرة بدرجة يستحيل الانفكاك عنها، فتارة يتحدث عن المفهوم العام للتحول فيقول: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (19) سورة العنكبوت ، وعندما يتحدث عن تفصيل لسنّة التحول في المجتمعات يقول: (ان يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وعندما يتعرض المفسرون لهذه الآية كصاحب تفسير الأمثل يقول: "يشير الله سبحانه إلى واحدة من السنن الإلهية وهي انه قد تحدث في حياة البشر حوادث حلوة أو مرة لكنها غير باقية ولا ثابتة مطلقا، فالانتصارات والهزائم والغالبية والمغلوبية والقوة والضعف كل ذلك يتغير ويتحول وكل ذلك يزول ويتبدل فلا ثبات ولا دوام لشيء منها، ولكي تصبح هذه السنة والقانون واضحا في عقلية المؤمنين والناس عامة يأمرنا الله سبحانه وتعالى بدراسة حياة الأمم والتمعن في الحوادث الماضية، فيقول: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ } (137) سورة آل عمران " ومما يلفت النظر هنا هو التعبير القرآني يفعل الأمر سيرا والسير كمفهوم واقعي يدل بحد ذاته على تحول، فالسير هو تحول من مرحلة إلى أخرى، وقد ورد الأمر بالسير في القرآن الكريم 7 مرات، كل ذلك لمعرفة سنة التغير والتحول في الحياة، وحتى يأخذ الإنسان العبرة ويبني حياته وفقا لهذه السنة.

ومن خلال الآيات التي تحدثت عن التحول كسنة من السنن الإلهية، يمكننا أن نخلص إلى تعريف وتوضيح لهذا المفهوم وهو: كل تبدل يحدث في الأبنية الاجتماعية في الوظائف والقيم والأدوار والمواقع الاجتماعية في فترة محددة من الزمن إذا قيس التبدل بما قبله، وقد يكون التحول عاما يشمل كل الشرائح والوظائف والقيم والأدوار والمواقع، وقد يكون تحولا محدودا بقسم منها، ويمكن أن يكون التحول ايجابيا وقد يكون سلبيا.

إن الحياة تسير في كل جوانبها وفق قوانين تنظم حركة وصيرورة الأشياء، والتبدل رغم كونه سنة عامة إلا انه يحدث عبر ذات القانون العام، ويختلف التحول في الطبيعة المادية عنه في المجتمعات الإنسانية، ففي الطبيعة قد تفقد بعض العناصر التي لا تنفك عنها التحولات في المجتمعات البشرية، ويمكننا من خلال الآيات القرآنية أن نحدد الصفات التي تحدد التحولات الاجتماعية بما يلي:

الصفة الأولى: عمومية التحول

يتسم التحول الاجتماعي بصفة العمومية، فلا يمكن توصيف تحول بكونه اجتماعي لكونه يطال بعض أفراد المجتمع، فالتحول هو ظاهرة عامة تطال أفرادا كثيرين، مما يؤدي بالتالي الى تغيرات في السلوكيات وفي القيم وفي المواقع، فالسنن الاجتماعية تجري على الجميع من دون استثناء، فالابتلاء والمحن والتمحيص والاستدراج والإملاء والاستبدال والعذاب وبعثة الرسل وبسط الرزق والتقدير والخصب والجدب والتأييد والخذلان والنعمة والحرمان، وغيرها من السنن الإلهية عندما تتحقق شروط حدوثها في المجمع فهي تطال الجميع، فالابتلاء والفتنة سنة عامة جارية في جميع الخلق دون تحيز أو استثناء.

الصفة الثانية: استمرار السنة في الزمان وعدم توقفها

سنن الله في خلقه ليست ظاهرة عابرة، بل قانون ثابت ودائم، وهذه الديمومة تؤهل الإنسان وتحثه على التكيف مع حركة التحولات الاجتماعية، فبدون الثبات والسنن لا يمكن للإنسان أن يستوعب ويعي التحول، وعندها لا يكون قادرا على تطوير سلوكه ومجمل حياته، لان التقدم والتطور ناتج عن وعي السنن وتوظيفها ايجابيا في تصحيح الحياة الاجتماعية، والقران المجيد لا يؤكد ثبات هذه السنن وديمومتها فحسب، ولكنه يحولها في الوقت نفسه إلى دافع حركي داينامثلي يفرض على الجماعة المدركة الملتزمة أن تتجاوز مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار (1)، والآيات التالية تلقي الضوء على هذه الصفة، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (62) سورة الأحزاب  ، والآيات الأخرى {  فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } (43) سورة فاطر.

ويفسر المرجع المدرسي ـ دام ظله ـ هذه الآية بقوله: "سنة الله لن تتغير حتى يوم القيامة، فهذه من الحتميات الإلهية، والتحويل هو تحويل الشيء إلى غيره، وسنة الله المتمثلة بنصر الرسل، سنة أبدية محتومة، كما أن الظروف الطبيعية تحتمها، لان الكفر يسير ضد التيار العام للطبيعة، بينما تنتصر رسالات الله، لأنها تتحرك باتجاه التيار الطبيعي للحياة، كما أنها تتوافق مع الفطرة" (2).

وأما الروايات التي تحدثت عن جريان السنن في هذه الأمة كما جرت في الأمم السابقة فهي عديدة، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ الشِّبْرَ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعَ بِالذِّرَاعِ وَالْبَاعَ بِالْبَاعِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَالَ « مَنْ إِذاً »  رواه أحمد بسند صحيح 

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -  r : " لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَبَاعًا بِبَاعٍ ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ ، وَحَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ جَامَعَ أُمَّهُ لَفَعَلْتُمْ " . رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ .

و عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِى تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ » أخرجه أحمد بسند صحيح (3).

الصفة الثالثة: إنسانية سنن التحول والتبدل والتغير

التحول والتغير سنة مطرّدة في الحياة ولا تنفك الموجودات بأنواعها من صفات التحول، لكن الأمر الفارق بين التحول الاجتماعي وما يحدث في الطبيعة، إن الأول يحدث فيه التحول بصورة إرادية وواعية، أما التحول في الطبيعة والجمادات فانه يحدث بشكل قسري وجبري، وهنا يحقق الإنسان سبقا على ما لا يعقل، وهنا يتحقق التمايز بينه وبين غيره، ويمثل التحول نحو الأفضل والأحسن قانونا أساسيا من قوانين الكون وغريزة ثابتة في فطرة الإنسان، فالإنسان بفطرته لا يرغب أن يتساوى يوماه، بل انه في حالة بحث دائم عن التكامل والتقدم نحو الأفضل.

وهذا الإحساس عند الإنسان هو من العوامل الأساسية التي تحرك عجلة التاريخ وتشجع نحو التغيير الاجتماعي، فالتغيير في المجتمع هو فعل الإنسان من خلال تحقيق إرادته، كما في قوله تعالى: {  إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (11) سورة الرعد  و {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا} (16) سورة الجن  {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} (59) سورة الكهف  ، فهذه السنن التي ذكرتها النصوص القرآنية واضحة أنها تتحقق بفعل إرادة الإنسان وليست سننا قسرية  جبرية كالإحراق بالنسبة للنار، فهنا مواقف ايجابية للإنسان تمثل حريته واختياره وتصميمه وهذه المواقف تستتبع ضمن علاقات السنن التاريخية جزاءاتها المنابة وتستتبع معلوماتها المناسبة (4).

وتنعكس النزعة الإنسانية للتحول الاجتماعي في إشكال وصور يتمظهر  بها، ويمكن أن نوجز تلك الصور والأشكال في التالي:

1ـ التحول في القيم الاجتماعية:

تلك القيم التي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، حيث ان لكل مجتمع نمطان من القيم:

الأول: الأهداف العليا: وهي قيم إنسانية ثابتة ومطلقة.

الثاني: تتصل بظروف هذا المجتمع والمتغيرات التي تطرأ عليه، وهما مما يشكلان روح المجتمع (5).

2ـ التحول في محتوى النظام الاجتماعي:

النظم والأبنية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي قد تكون عرضة للتغير، وذلك لأنها بالأساس صناعة الإنسان، كأن يتحول المجتمع من الديكتاتورية إلى الديمقراطية والشورى، ومن الملكية العامة الى المؤسسات والشركات الخاصة، وبالطبع مثل التغير في النظام الذي يحكم جماعة ما يؤدي إلى تغير في المراكز المواقع للعديد من الأفراد، ويمكن توصيف هذا التحول بكونه تقدم او تطور في بنى هذا النظام الاجتماعي، كما حدث في مجتمع المدينة المنورة في بداية الهجرة النبوية، ففي سورة المنافقون يتحدث ربنا عن رؤية المنافقين للتحول الاجتماعي ويرد زعمهم أنهم لا يزال بإمكانهم ممارسة أدوارهم ونفوذهم في هذا المجتمع الذي تحولت النظم والأبنية فيه نحو تحقيق سيادة قيم أخرى هي قيم الإسلام: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (8) سورة المنافقون.

3ـ التحول في مواقع أفراد المجتمع

وقد يحدث التحول في مراكز الأشخاص في المجتمع بصورة طبيعية ويجري ضمن سنة التغير الجبرية، فلا يملك الإنسان الإرادة في التغيير ولا يمكنه الوقوف في وجه هذا التحول، كان يكون تغير المواقع في المجتمع بفعل الوفاة والموت، فهي سنة طبيعية ولا يملك الإنسان حرية الاختيار حيالها، (فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، وقد يحدث التحول في المراكز الاجتماعية والأدوار نتيجة إرادة الإنسان وفعله، وأبرز أمثلته هو ما تحدثه المجتمعات الديمقراطية التي يسودها نظام التمثيل الانتخابي، فيذهب رئيس ويأتي آخر، وتتسلسل عملية التغيير والتحول في المواقع من القمة للقاعدة، وكما يحدث في المجتمعات التي تنتصر فيها رسالة السماء كما لاحظنا ذلك في مجتمع المدينة المنورة في بداية الهجرة النبوية.

وعلى ذلك فان التحول ـ كما ذكرنا ـ تارة يأخذ شكل التطور والتقدم، أي التبدل للأفضل والأحسن، وتارة أخرى يأخذ شكلا تراجعيا أي نحو الأسوأ، ويمكن تسمية التحول نحو الأفضل انه تقدم وتطور وتكامل، كان يتحول المجتمع من نظم وقيم الاستبداد إلى مناخات الحرية والديمقراطية وممارسة حق التعبير من خلال تعديل النظم والقيم والقوانين، والعكس كذلك فالتحول نحو الديكتاتورية والاستبداد هو تحول نحو الأسوأ، ويمكننا تسمية هذا بالتخلف وهو يستبطن الوقوف أو السير خلاف السنة، لان سنن الله الجارية في المجتمع تحثه على التطوير والتكامل لأنها الفطرة التي جبل عليها الإنسان، فالله يريد الكمال ويدعونا إليه، والإسلام الدين الكامل، (اليوم أكملت لكم دينكم)، يطلب منا الرقيّ لمستواه في تفكيرنا وسلوكنا، حتى يمكننا أن نحقق معنى تكامليته في حياتنا، لان تكامل الدين في القيم والنظم والأحكام يشكل حافز قويا نحو تحقيق هذه التكاملية في حياتنا كبشر، فبقدر ما نحقق من تلك القيم في ذواتنا نصل للكمال، وبالعكس؛ بقدر ما نخالف تلك القيم والنظم والأحكام نكرس التخلف ونسير خلاف السنة، ولذلك يكرس المنهج القرآني قيمة التطلع نحو الكمال في نفس الإنسان ويتدرج معه في ثلاث مراحل هي:

الأولى: استثارة فطرته التي انطوت على التسامي والتطلع.

الثانية: فك الأغلال التي تمنعه من تحقيق تطلعاته.

الثالثة: تذكيره وتعليمه بقائمة التطلعات السامية التي يمكنه بلوغها.

إن فطرة التسامي مغروزة في ضمير البشر وداعية له أبدا إلى العروج  إلى الأعلى، وإنما تدس هذه الفطرة في ركام الوساوس والأوهام والأفكار الشيطانية، فلا تعد ترفعه نحو الأسمى، أو يضل صاحبها السبيل فيرى في الحرص على الدنيا والبغي على الناس تساميا وعروجا.

وهنا نتساءل ما هي قيم التحول نحو الأفضل؟؟

يبدأ منطلق التحول نحو النهضة من خلال منظومة القيم باعتبارها تتضمن معايير الحكم على الأشياء والحوادث والسلوكيات والغايات، وفي القرآن الكريم يمكننا أن نلمح هذا التوجه بوضوح في العديد من آياته وبالأخص الآيات التي تحدثت عن السنن، كما في سورة الفتح التي تحدثت عن قيمة طاعة المجتمع للرسول (ص)، وكيف أن تحقيق هذه القيمة أدى لحصول وضع أفضل من السابق وهو النصر والفتح والتحول نحو تنشيط حاكمية المسلمين على غيرهم، وبالعكس حدث للفئات التي تخلّفت والذين سماهم القرآن (المخلفين)، والقرآن عندما يتحدث عن هذه الفئة يربط في النهاية الفعل بالجزاء، فإذا كان التسليم والطاعة لله والرسول ( r )، هي صفتهم فإن النتيجة تكون الأجر الحسن، أي تطور وتكامل على ارض الواقع وبين فئات المجتمع الإسلامي، {قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (16) سورة الفتح.

ــــــــــــ

 


nassimbishra

اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 656 مشاهدة
نشرت فى 30 نوفمبر 2010 بواسطة nassimbishra

ساحة النقاش

نسيم الظواهرى بشارة

nassimbishra
موقع تعليمى إسلامى ، نهدف منه أن نساعد أبناءنا الطلاب فى كافة المراحل التعليمية ، وكذلك زملائى الأعزاء من المعلمين والمعلمات ، وموقع إسلامى لتقديم ما يساعد إخواننا الخطباء بالخطب المنبرية ، والثقافة الإسلامية العامة للمسلمين ، ونسال الله سبحانه وتعالى الإخلاص فى القول والعمل ، ونسألكم الدعاء »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

1,023,270

ملحمة التحرير