<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->
جواز الإفادة من المشركين - ولا نقول : الاستعانة بالمشركين ؛ لأنه لا استعانة بغير الله تعالى - أمر واضح في الدروس الحركية للهجرة النبوية .
ففي البخاري : " . . . واستأجر رسول الله r وأبو بكر ، رجلا من بني الديل ، وهو من بني عبد بن عدى ، هاديا ، خريتا _ والخريت _ الماهر بالهداية _ قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي ، وهو على دين كفار قريش ، فأمناه ، فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور ، بعد ثلاث ليال براحلتيهما ، صبح ثلاث " " 14 "
ويلاحظ جيدا : أن هذه الاستفادة توافرت فيها أمور ينبغي أن لا تغيب عنا ، إذ هي شروط لابد من مراعاتها .
أ _ أن يكون المستفاد منه أوبه صاحب تخصص نادر ، لا يجيده مسلم .
ب _ أن يكون ماهرا في تخصصه ، خبيرا به .
ج _ أن لا يكون محاربا ، أو من قوم محاربين للمسلمين ، أو مظاهرا لمحارب .
د _ أن يكون أمينا ، حيث إن المسلم المخذل أو المرجف يمنع ، فالكافر غير المؤتمن أولى بالمنع .
ه _ أن يكون حسن الرأي في المسلمين . " 76 "
ويبدو أن الطريق المتعرج الوعر غير المألوف الذي اختار النبي r السير فيه للهجرة تخفيا عن قريش وعيونهم ، ما كان يعرفه إلا القلة القليلة ، وكان عبد الله بن أريقط من هذه القلة ، التي امتاز عنها بباقي الصفات المذكورة ، لذلك وقع الاختيار عليه .
ويجرنا هذا الدرس النبوي إلى الإشارة العاجلة لأنواع العلاقات مع الكفار .
وهي على هذا النحو :
( أولا ) : المولاة لهم والولاء معهم .
وهذا ممنوع منعا باتا ، ومحرم تحريما قاطعا .
يقول تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) إلى أن يقول سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) " 77 "
( ثانيا ) : البر بهم والإحسان إليهم .
وهذا يتوقف على نوع معاملتهم للمسلمين ، وعلاقتهم بهم . . فهم :
إما مسالمين غير محاربين للمسلمين .
وتتحدد علاقة المسلمين بهم ، في ضوء قوله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) " 78 "
وإما محاربين للمسلمين .
وتتحدد علاقة المسلمين بهؤلاء _ كذلك _ في ضوء قوله تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) " 78 "
( ثالثا ) : الاستعانة بهم .
وهذه ممنوعة منعا باتا ، ومحرمة تحريما قاطعا .
حيث إنه لا استعانة بغير الله تعالى من جهة .
ومن جهة أخرى . . لحديث النبي r ، الذي روته عائشة ، قالت : " خرج رسول الله r إلى بدر ، حتى إذا كان بحرة الوبرة ، أدركه رجل من المشركين ، كان يذكر منه جرأة ونجدة ، فسر المسلمون به ، فقال يا رسول الله ! جئت لأتبعك ، وأصيب معك ، فقال له رسول الله r : أتؤمن بالله ورسوله ؟ قال : لا ، قال : فارجع فلن أستعين بمشرك "
قالت : " ثم مضى رسول الله r ، حتى إذا كان بالبيداء ، أدركه ذلك الرجل ، فقال له رسول الله r : أتؤمن بالله ورسوله ؟ قال : نعم ، قال : فانطلق " " 79 "
وكذلك : روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن حبيب قال : أتيت رسول الله r ، وهو يريد غزوة ، أنا ورجل من قومي ، ولم نسلم ، فقلنا : إنا لنستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم ، قال : أفأسلمتما ؟ قلنا: لا ، قال : فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين ، قال : فأسلمنا ، وشهدنا معه . " 80 "
قال ابن المنذر : والذي ذكر غير ذلك مما قد يدل على أنه r استعان بهم ، فغير ثابت . "81 "
ومما يجدر التنبيه عليه هنا : أنه إذا كانت الاستعانة بالمشركين على المشركين . . ممنوعة شرعا ، فإن الاستعانة بالمشركين على المسلمين أكد في المنع ، وأشد في الحرمة .
( رابعا ) : الإفادة من المشركين .
وهذه مباحة بالشروط السابق ذكرها وقد فعلها النبي r ، على ما سبق أن بدأنا به الحديث في هذا الدرس من دروس الهجرة النبوية .
وما فعله النبي r ، من استئجاره لعبد الله بن أريقط ، المشرك ، وإفادته به ومنه : يعد درسا عظيما ، يفتح المسلمين على آفاق المعرفة ، وألوان الإفادة بأي شئ ، أو من أي مصدر كان ، ما دام ذلك بعيدا عن الإضرار بالعقيدة ، أو الانتقاص من الدين ، لأن الحكمة ضالة المؤمن ، ينشدها أنى وجدها .
وهو درس يفتح الباب للإفادة من منجزات المشركين واكتشافاتهم العلمية ، وصناعاتهم ، واختراعاتهم ، التي تساعد على عمارة الكون ، والتمتع بما فيه .
ولا يهم في هذه الحالة : من الذي أنجز أو اكتشف أو صنع ، لأن العلم _ كما يقولون _ لا جنسية له بشرط : أن تكون هذه الإفادة ، بعيدة عن الإضرار بالعقيدة ، وسالمة من الانتقاص بالدين ، وغير مقعدة للمسلمين عن التفوق في هذه المجالات .
وفي الترمذي عن أبي ثعلبة الخشني قال : سئل رسول الله r عن قدور المجوس ، فقال : " انقوها غسلا واطبخوا فيها " .
وفي رواية أخرى ، يقول فيها : أتيت رسول الله r ، فقلت : يا رسول الله ! ! إنا بأرض قوم أهل كتاب . . نأكل في آنيتهم . . ؟ قال : " إن وجدتم غير آنيتهم ، فلا تأكلوا فيها ، فإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها " . "82 "
ويقاس عليه : التعاملات التجارية ، والتبادلات المادية ، و . . . و . . . الخ على نفس الشروط السابقة .
ومن المعلوم جيدا في هذا الموضوع : أن لا تكون لهذا المشرك السيادة على المسلم إطلاقا ، بل السيادة تكون للمسلم أمرا ونهيا ، بدءا وإنهاء .
والواضح من فعل النبي r : أن هذا الحكم في حال الضعف الشديد للمسلمين .
ومن هنا : فإنه في حال قوة المسلمين يكون العمل به أولى وأوجب .
ــــــــــــ
ساحة النقاش