(طيبُ المعاش)
العيشُ في أرضِ الهجينِ مُحبَّبُ...والمُكثُ في أرضٍ سواها مُعذِّبُ
ما عشتَ لاتعدلْ بها من موطنٍ...فالعيشُ بينَ ربوعِها مُستعذَبُ
الطيِّبونَ الذاكرونَ بأرضِها... من ذا يُطاولُ مجدَهم يازينبُ
والأسخياءُ الأتقياءُ رجالُها... كم من مواقفَ سطَّروها وتُحسَبُ
إنْ كانَ فيهِم من بني الإنسانِ وصْ....فٌ لايروقُ فكم بهِم ما يُعجبُ
والأمَّهاتُ الصالحاتُ بدورِها....أخْرَجنَ طُلَّابَ العُلا كم تُنجبُ
الفاضلاتُ القانتاتُ مدارسٌ....للعلمِ والآدابِ كم هيَ تتعبُ
والآنساتُ الساحراتُ بناتُها... هامَ الفؤادُ بحسنِهِنَّ ويطلبُ
الثابتاتُ الواثقاتُ من الخُطى... الفاتناتُ لهنَّ حُسنٌ يجذبُ
ولقد جلستُ لدى الغروبِ مُشاهداً...صفوَ المياه ِ بكلِّ فجٍّ يذهبُ
والشمسُ في وقتِ الغروبِ ضعيفةٌ... وكأنَّها تبرٌ يلوحُ مُذَهَّبُ
وصفا النسيمُ وقد تخلَّلَ خُفيةً...زهرَ البقاعِ فكانَ شيئاً يُطربُ
اللهُ يرحمُ من مضى من أهلِنا.... شيخانِ فضلٍ معْ عجائزَ تُنسَبُ
وشبابِ مجدٍ معْ بناتٍ شابهتْ.... بدرَ السماءِ وأينَ أينَ المهربُ
كم من همامٍ من صغارِ شبابنا.....قد ولَّى عنَّا والمفارقُ أعزبُ
إني لأذكرُ من عهودِ أحبتي....عهدَ الصبا ومجونِهِ يامُصعبُ
قد كنتُ من أهلِ الصلاةِ مُحافظاً... والناسُ حولي صالحٌ أو أشيبُ
ذهبَ الكبارُ من البلادِ وودَّعُوا.....من كنتُ كِلمَ حديثِهِم أستعذبُ
كانت مساجدُنا بهِم معمورةً..... والآنَ تشكو هجرَ قومي وتعتبُ
قد كانَ مسجدُنا بسيطاً عندها.... لكنَّهم قد عمَّروهُ وطيَّبُوا
كانت لهم شيَمُ النقاءِ وفطرةٌ....محمودةٌ إنْ شرَّقُوا أو غرَّبُوا
طابتْ سرائرُهُم فعاشوا إخوةً .... مُتآلفينَ وكلُّ شيءٍ يُوهبُ
وتحدَّثوا بما في الضمائرِ جهرةً..... لم يكتموا بعضَ الحديثِ ويكذبوا
قد عشتُ بعضَ زمانِهِم لكنهُ.... سرعانَ ما ولَّى الزمانُ الطيبُ
قد كنَّا في شهرِ الصيامِ زمانَهم.... نلهو كثيراً في الليالي ونلعبُ
للحلوى نجمعُ والتمورِ وسكَّرٍ... في كلِّ بيتٍ آكلينَ ونشربُ
أيامُ ولَّتْ قد عفتْ أثارُها .... ما كانَ أحلاها وأحلى المركبُ
طغت الحضارةُ والنفوسُ تغيَّرتْ.... قد جاثَ فيها لو رأيتَ العقربُ
إني لأذكرُ للغداءِ وطيبِهِ.... والظلُّ كاسٍ والمكانُ مُرطَّبُ
وقتُ الغداءِ مُجَمِّعٌ أشتاتنا.... والأكلُ يُبسطُ في الفضاءِ ويُنصَبُ
والآنَ يأكلُ كلُّ فردٍ وحدَهُ.... لو يستطعْ من نفسِهِ قد يهربُ
مدحت عبدالعليم الجابوصي

