( صرح المعالي )
أعليتُ صرْحاً للمكارمِ باذخاً....وسوايَ ينقضُ ما بنيتُ ويهدمُ
كمْ آيةٍ من عذبِ قولي دوَّخَـتْ.....زمرَ الرجالِ وما علتها الأنجُمُ
لي معجزاتٌ في القريضِ خوارقٌ......قد أعيتْ الفصحاءَ ليستْ تُنظَمُ
وأنا الذي أبدعتُها ونظمتُها....لتضيءَ أُفْقَ الكونِ حينَ تُقدَّمُ
وأنا الذي أرسلتُها في الخافقيت ......نِ مُنيرةً كالبدرِ حينَ يُتَمَّمُ
عجزَ الكُسالى أنْ يقولوا قصيدةً.....تخلو من اللحنِ المشينِ وتسلَمُ
وسبقتُهُم نحوَ الكمالِ وقصَّروا......وتأخَّروا عنِّي وسهمي مُقَدَّمُ
فبدوتُ في الميدانِ قبلَ وصولِهِم.....وتسكَّعُوا من بعدِ سبقي وقد عَمُوا
وبرزتُ كالشمسِ البهيِّةِ في الضُّحى......والكونُ من شمسِ العلومِ مُنَعَّمُ
فتطلَّعوا موتي وأمَّلَ جمعُهُم.....أنْ يُعلنَ النَّاعي وفاتي فيغنموا
أسفاً عليهِم ما أصابوا مفخراً......لم يبلُغُوا معشارَ فضلي وما سمُوا
وإذا خبا نجمي ستعلو زُمْرَةٌ......ما كانَ أحرى أنْ تبيدَ ويعدموا
أنا شوكةُ الحلقومِ بلْ أسدُ العدا......ولساني كالنارِ التي تتضرَّمُ
وإذا عطفتُ على مُعسْكَرِ بدعةٍ.......فرَّقْتُهُ بمثَقَّفٍ لا يُهْزَمُ
وتركتُهُم جرحى وأسرى كلَّهم.....لم ينجُ من سيفي العزيزُ الأكرمُ
أنا فارسُ البيداءِ ضرغامُ الوغى.....أنا شاعرُ الشعراءِ لا أتلعْثَمُ
أنا معنى هذا الكونِ من دوني الدنا.....أمستْ كقولٍ غامضٍ لا يُفْهَمُ
إنْ ضِيمَ أهلُ الحقِّ كنتُ نصيرَهم.....فيذوبُ خوفاً من يجورُ ويظلمُ
أنا في سبيلِ الحقِّ ماضٍ هِمَّتي......فوقَ السماءِ وكلُّ حيٍّ يعلَمُ
وأنا الثريَّا والحسودُ هو الثرَي......قد بنتُ عنكم ياخصومي وبنتموا
فلقد نطحتُ بغرتي أُفْقَ السما.......وعلوت عن أبراجِها من تنقمُ
وليَ المكارمُ والميامنُ والنهى......لو وُزِّعَتْ كلُّ الورى لن يُحْرَموا
وسلكتُ دربَ الأجودينَ مُفاخراً.....أهلَ المعالي والحظُوظُ تُقسَّمُ
لم أبعِدَنْ عن شِربِ أربابِ العلا......نفسي لغيرِ المجدِ ليست تقْدُمُ
صرحُ المكارمُ والمعالي في الدنا......أحميهِ دوماً باذخاً وأُقَوِّمُ
صرحٌ بناهُ ابنُ الأغرِّ أخو العلا......أبتي الهمامُ وفعلُهُ يتكلَّمُ
ما حِدْنا يوماً عن حمايةِ صرْحِهِ......لنا في الوجودِ شواهدٌ لا تُكْتَمُ
لم يُلْهِنا زيفٌ وأيُّ عوارضٍ......والناسُ ألْهاها زخارفُ تُحْجِمُ
فبقينا نحنُ كالبدورِ لوامعاً......ومضى الزمانُ بِثلَّةٍ تتلاءمُ
أبتِ الذي زرعَ الجميلَ بأرْضِنا......والآنَ نحصدُ للزروعِ وننعمُ
وأتتْ بأُكْلٍ طيِّبٍ وثمارُها......لتطبُ منها نفسُ فذٍّ يطْعَمُ
ومضى أُناسٌ إثْرَنا فتقهقَروا.......قد زلَّتْ الأقدامُ ساءَ المغرمُ
قد فارقونا لم ينالوا طيِّباً.......والخسْرُ كانَ حليفُهُم فتكلَّموا
مسكوا بذيلِ الزورِ ثُمَّ تشبَّثوا.......فأتى اليقينُ خلافَ ما قد أوهمُوا
للهِ درُّ أبي وآباءِ أبي....قد شيَّدوا للمجدِ صرحاً يعظُمُ
ولذاكَ أوصيتُ الصغارَ مُؤكِّداً......شيمُ المروءةِ عندنا لاتُثلَمُ
هُشُّوا إلى الضيفانِ عندَ قدومِهِم.......إنَّ البشاشةَ أندى جودٍ فاعلموا
إنْ جاءكم من يرجو أيَّ معونةٍ......فلتسعدوا هذا النزيلَ وتُكْرَموا
واستبشروا عندَ النوازلِ كلِّها..... ولتذْكُروا الرحمنَ كي لا تأثموا
واستصحبوا أهلَ العلومِ فإنَّهم.......غيثٌ من الرحماتِ للأرضِ همو
وتفاءلوا إنَّ التفاؤلَ رحمةٌ.....واستمطروا الأرزاقَ ممنْ يقسمُ
مدحت عبدالعليم الجابوصي