يَـمـامَــةُ الـثَّـلـج

===========----------------- الشاعر حسن منصور

*****

يمامَةٌ شَـدْوُها في الأفْــقِ ينْـتَـشرُ || حَطَّـتْ على كَتِفي إذْ هَـدَّها السَّفرُ

تَشْـدو بِأَنَّـتِـها وَالوَجْدُ يَخْـنُـقُهـا || والقَـطْـرُ مُنْهَـمِـرٌ والعَـيْنُ تَبـْتَــدِر

بيـضاءُ ناصِعَةٌ في ريشِهـا ألَـقٌ || كَأنَّهــا نَجْــمَـةٌ بالـنّــورِ تَــدَّثِــــر

بِمُقْـلـتَـيْها دُجى لَـيْلٍ يُصـاحِــبُهُ || بَياضُ فجْرٍ، فَـنِعْمَ الجَفْنُ وَالحَوَر 

رأيْتُ فـيها بَياضَ العيْنِ أغْـنِـيةً || أمّا السَّوادُ فَـلَحْــنٌ صاغَــهُ وَتَـر

في الأفْقِ هائِمَةٌ والرّيحُ عاصِفَةٌ || وَالبَرْدُ أرْهَـقَهـا وَالغَــيْمُ وَالمَطَـر 

وَليْلُها مُقْـبِلٌ وَالأرْضُ مـوحِـشَةٌ || وَالدِّفْءُ مُفْـتَـقَـدٌ والشّمْس تَسْتَـتِـر

فتحْتُ قلبي لَها وَالعَيْنُ تَحْـضُنُها || وَالرّوحُ تَهفـو لَها والعَـقْلُ مُنْـبَهِـرُ

قلتُ اسْكُني القلْبَ في دِفْءٍ يُخالِطُهُ || أمْـنٌ فلا فَــزَعٌ فــيهِ وَلا خَـصَـر

********** 

حَطّـتْ عَلى كَـتِـفي تَرْنو بِمُقْلَتِها || بِنَظْـرَةٍ كانَ فـيها الخَـوْفُ وَالحَـذَر

لكِـنَّهـا عَــرَفَتْ أَنّي لَهــا سَـكَــنٌ || وَمَـأْمَـنٌ زالَ منْ أجْـوائِهِ الخَـطَــر 

قلتُ اسْتَريحي وَلا تَخْشَيْ أقَلَّ أذىً || فكَمْ مِنَ الطيْرِ مِنْ دُنْيايَ قَدْ عَبَروا

ولمْ أَذُدْهُــمْ وَلكِنْ كُـنْتُ حادِيَهُـمْ || إلى فَـضـاءٍ بِهِ الإِقْــبـالُ وَالظَّـفَـــرُ 

جـاءوا بِأَجْـنِـحَـةٍ لانَتْ قَوادِمُهـا || أمّـا الخَـوافي فَــزُغْـبٌ مـا لَـهُ أَثــر

فَرُحْتُ أرْفَعُهُمْ في الجَوِّ أَقْـذِفُهُـمْ || بِدُرْبَـةٍ مِـلْـئُهـا التَّـثـقـيـفُ وَالـفـِكَـرُ 

حَتّى إذا فَهِموها أقْلَعـوا وَمَضَوْا || وَهُـمْ صُقـورٌ فَما هانوا وَما عَـثَروا 

بلْ غادَروا وَهُمُ الأَقْوى عَلى سَفَرٍ || عـادوا بِأَجْـنِحَـةٍ في خَـفْـقِـها الشَّرَر

وَحَلَّـقـوا عالـِياً وَالطَّـيْرُ تَرْهَـبُهُمْ || وَكُلُّ صَقْــرٍ عَلى التَّحْـلـيقِ مُقْـتَـدِر 

حتّى اليَماماتُ قدْ صارَتْ بِأَجْنِحَةٍ || عَـلَّـمْـتُهـا طَـيَـراناً لـيسَ يَـنْـكَــسِر 

************ 

ما كانَ يَشـغَـلُـني شَـدْوٌ وَلا نَـغَــمٌ || مِنَ الـطُّـيـورِ فَـلا أُنْـثى ولا ذَكَــرُ 

لكِنْ طَـرِبْتُ لِصَوْتٍ راحَ يَأْسِرُني || يُـثـيـرُ فِيَّ شُعـوراً ليسَ يَنْحَــصِر 

إذا سَمِعْـتُـكِ هَـبَّ القـلبُ مُنْـتَعِشاً || كأنَّ شَـدْوَكِ روحٌ فـيـهِ تَنْـصَهِــر

يَمـامَـةٌ أنتِ أَمْ قُـمْـرِيَّـةٌ سَـجَـعَـتْ || فَطابَ يَوْمي وَطابَ اللّيْلُ وَالسَّهَر 

يَمامَـةٌ أنْتِ مِـثْلُ الـثـلْجِ طاهِـرَةٌ ||وَصَوْتُها السِّحْرُ بلْ يُزْري بِمَنْ سَحَروا 

كَأَنَّكِ الغَـيْـثُ يُحْـيـيني وَيُنْعِـشُني || يُحْـيي عُـروقَ حَـياتي، فِيَّ يَنْهَـمِر

أأنْتِ فـاطِـمَـةٌ أمْ أنتِ عــاتِـكَــــةٌ || أأنْتِ سـامِــيَـةٌ أوْ رُبَّـمــا سَــــمَــر 

أراكِ مِـثْـلَ خَـيالٍ لسْـتُ أدْرِكُــهُ || يَعـيشُ في داخِـلي يَـنْمـو وَيَزْدَهِــر

بَعـيدَةٌ أنتِ، هذا البُعْـدُ يَسْحَـرُني || لَـعَـلَّـني نـائِـمٌ بِالْـحُـلْــمِ مُـعْــتَـمِــر 

فَـحَلّـقي في سَمائي الدَّهْـرَ آمِـنَـةً || فـفي ذُراهـا لَـكِ الأهْـلـونَ والوَزَر

حَبـيبـتي أنْتِ لا زَيْفٌ ولا كَـذِبٌ || ولـيسَ لي أَرَبٌ أبْـغــيـهِ أوْ وَطَــر

يَمامَةٌ جِـئْـتِ مِثْـلَ الـثـلجِ ناصِعةً || وَلَــنْ يَـطـالَــكِ لا جِــنٌّ وِلا بَـشَــر

وَتَرْجِعـيـنَ كَما أقْـبَلْــتِ ناصِعَةً || واللهُ يحْـفَـظُ مَنْ أوْفـوا وَما غَـدَروا

ألا اذْكُري غابِراً قدْ عاشَ مُؤتَمَناً || عَـلَـيْـكِ يومَ تُـناجـين الأُلى غَــبَـروا

عـلــيـكِ مـنّي سَلامُ اللهِ شــادِيَــةً || ما دامَ صَوْتُـكِ في الآفـاقِ يَنْـتَـشِـر 

**************************************************

الشاعر حسن منصور

من المجموعة الثالثة عشرة ديوان (بدون عنوان) ص 12

المصدر: آسيا محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 14 يوليو 2017 بواسطة nasamat7elfouad

عدد زيارات الموقع

98,123