الفكر الجهادي ،، (قل آمنت بالله ثم انفجر) !.
تجدهم لا يعرفون من شُعب الإسلام إلا الجهاد ، ولا يُحسنون من الأعمال إلا القتال ، ولا يطلبون من الأماني إلا الشهادة ، ولا يُتقنون من وسائل التغيير إلا العنف ، ويرون اجتهادهم في بناء أجسادهم وإتقان فنون النزال أعظم أجراً عند الله من الاجتهاد في بناء عقولهم وتعلم فنون الحوار ، فقيام دولة الإسلام أُمنية لن يُحققها في رأيهم غيرُ إحياء فريضة الجهاد ، وزوال دولة الكفر لن يكون إلا بسواعد المجاهدين ، والمطلوب من سائر المسلمين أن يكونوا تبعاً لرأيهم خاضعين لسلطانهم شاؤوا أم أبوا فهُم جند الله ، ومن تصدى لهم جُند الشيطان تحل دماءهم وأموالهم ، ولا خير في عمل بعد الإيمان إلا تفجير أنفسهم في سبيل ولو قتلوا الأبرياء من الأطفال والنساء .
- ربما يكون أغلب المنخرطين في التنظيمات الجهادية صادقين في نواياهم ، لكن حُسن النوايا مع سوء الأفعال لا تقلب الباطل حقاً ولا تجعل المجرم تقياً ، فالجهاد بقدر ما يحتاج إلى إيمان عميق بنصر الله يحتاج إلى فقه دقيق بموازين القوى وتقلبات الواقع ، والأيدي القوية لا تُحقق النصر إلا إن تقدمتها عقولٌ حكيمة ، وميزان المصالح والمفاسد مقياس صحيح للمؤمن للتفريق بين حالات التهور وحالات الاتزان في حالي الإقدام والإحجام ، وبُعد هذه التنظيمات عن فقه الواقع حولها إلى دُمى بأيدي الساسة في الداخل والخارج يحركونها وفق رغباتهم لتثبيت أقدام الاستبداد وتشويه صورة الإسلام والإسلاميين أمام العالم ، كما أن بُعدهم عن ميزان المصالح حول قتالهم من جهاد يأمر به الله إلى طيش جر علينا الويلات وجلب لنا الدمار وبرر للغازي الدخول إلى أراضينا لقتل الأبرياء ونفث الفتن تحت ذريعة (مكافحة الإرهاب).
متلازمة الفكر الجهادي وفكر التكفير.
يزداد خطر التنظيمات الجهادية باتساع دائرة التكفير فكل الأنظمة التي تحكُم المسلمين لا تخرج في رأيهم عن دائرة الكفر البواح لأنها تحتكم إلى قوانين وضعية والأوطان التي يحكمونها (دار كفر) ، والنظام وكل مؤسساته العسكرية والمدنية كلأٌ مباح لجند الله المجاهدين الذادين عن شرعه ، وتحت ذريعة تحكيم الشريعة ينشرون الفوضى في البلاد ، ويستبيحون دماء أفراد الجيش ، ويستولون على المدن ، ويقيمون الإمارات الإسلامية هنا وهناك ، ويمزقون الوطن الواحد ، ويفرضون أنفسهم على العباد دون رضا منهم أو تشاور معهم ، ولا ندري هل وصلهم أن رسول الله (ص) لم يهاجر إلى المدينة ليحكمهم بشرع الله حتى نال القبول من أهلها وعقد له البيعة رجالهم ونساءهم كبار القوم وعامتهم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، فهل لهم في رسول الله أسوة حسنة .
- وتتسع دائرة التكفير أكثر عند الجهاديين لتشمل تكفير العلمانيين والقوميين واليساريين ، بل تتسع لتشمل الإسلاميين الذي يقبلون عن ضَعف لا رضا فيه بحكم الأنظمة الفاسدة ، ويسكتون مرغمين على تحكيم القوانين الوضعية ، ويسلكون المسالك السلمية في التغيير ، ويدخلون غمار السياسية رغم كلفتها الباهظة ، ويتحالفون مع الأحزاب الليبرالية واليسارية لأجل تقليم أظافر الطغاة وتقليل الفاسدين وتحجيم سلطة الاستبداد ، ويستمر مسلسل التكفير ليشمل سائر الطوائف الإسلامية المباينة لأهل السنة والجماعة ، بل إنهم يُكفرون كل من يدعو للحوار والتعايش مع الآخر سواء أكانوا الآخر ملحداً أو حتى من أهل الأديان السماوية لأن ذلك يتنافى عندهم مع عقيدة الولاء والبراء .
- وإذا كان هذا نصيب بلاد المسلمين منهم فإن بلاد غير المسلمين نصيبها أشد وأنكى ، فاستباحة دماء المدنيين كاستباحة دماء العسكريين كلاهما قربى إلى الله ، ولا تُسر لتفريقهم بين الكافر المحارب وغير المحارب ، فدائرة المحارب عندهم يدخل فيها الشعوب والأنظمة على السواء ، فانتخاب الشعوب لهذه الأنظمة وإمدادها بالمال من خلال دفع الضرائب وتقديم المشورة كافياً لجعلهم محاربين تُباح دمائهم وأعراضهم ، أما وصية النبي (ص) لأصحابه (لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) رواه أبو داود في السنن ، فلا مكان لها في قلوب المجاهدين الأشاوس ، بل أوصى الإسلام بأسرى الحرب الذين باشروا القتال وربما سالت على أيديهم دماء زكية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الإنسان -8- ، قال قتادة : لقد أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك.
ألغام العُنف صناعة فقهية .
علينا أن نعترف أن فريقاً من فقهائنا الأقدمين شاركوا في تشكيل التنظيمات الجهادية ببذور العنف التي ألقوها في ثقافة الأمة ومثلت زاداً لعقول المتدينين وحجة لهم في جرائمهم ، ومن هذه البذور آرائهم المبثوثة في كتب التراث التي غلبوا فيها لغة الحرب على لغة السلام ونهج الاستبداد على قيم الحرية واحترام الآخر ، وكان أول جناية ارتكبها الفقهاء استخدامهم آية السيف - مجهولة الهوية - في ارتكاب إبادة جماعية ضد العشرات من آيات الصفح والعفو الواردة في القرآن ، ولا ندري كيف تجرأ هؤلاء الفقهاء باجتهادهم المحض ودون دليل قطعي لا شبهة فيه أن يوقفوا العمل بعشرات الآيات الثابتة بيقين ليحولوا الإسلام إلى دين لا مكان فيه لغير العُنف والقتال .
- بل إن الفقهاء وفي إصرار غريب لا يتحرجون أن يجمعوا بين الشئ وضده ، ففي حين يرفضون بشدة دعوى المستشرقين بأن الإسلام انتشر بقوة السيف في البلدان التي فتحوها ، لا يتردد أحدهم بعد ذلك أن يُحدثك عن حق المسلمين في العدوان على غيرهم من الشعوب لفرض الجزية والصَّغار ولا مخرج لغير المسلمين من ذلك إلا باعتناق الإسلام ، ويرون ذلك نوعاً من الجهاد الذي فرضه الله لإزالة الأنظمة الطاغية وإتاحة الفرصة لغير المسلمين لمعرفة الإسلام ويسمونه (جهاد الطلب) ، وبالرغم من اختلاف واقع العالم بالأمس عنه اليوم وتوافر الحرية الكاملة للمسلمين في إقامة شعائرهم والدعوة إلى دينهم بعيداً عن التضييق الذي يلقونه في بلدانهم إلا أن بعض هؤلاء الفقهاء ما زال يتحدث عن جهاد الطلب وفرض الجزية والصَّغار على غير المسلمين .
- وإذا دخلت من بوابة العقائد وبوابة الفرق والمذاهب ستجد لغة التكفير والحكم بالردة والتحريض على القتل متفشية بين أربابها ، بل وصل بهم الأمر في بعض الأحيان أن يُغلقوا باب التوبة بإحكام على المخالف لهم ، فيرمونه بالزندقة ثم يدَّعون زوراً وبهتاناً أن الزنديق لا تقبل توبته في أحكام الدنيا بل لا بد من إقامة حد الردة عليه وأمره إلى الله يوم القيامة ، وبرروا للسلاطين تحت شعار حماية العقيدة قتل خصومهم السياسيين في أبشع صورة أمثال الجعد بن درهم الذي جعله خالد القسري أضحيته في عيد الأضحى وذبحه كما تُذبح الشياه وقال في خطبته الشهيرة: (يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فاني مضح بالجعد بن درهم) ، وغيلان الدمشقي الذي بتر هشام بن عبد الملك يده ورجله بسيفه ثم صلبه على أبواب دمشق ، والحلاج الذي عقد له الفقهاء مجلسا وأفتوا بكفره وضلاله ووجوب قتله، فأصدر الخليفة المقتدر بالله أمرًا بضربه ألف سوط ثم قطع يديه ورجليه ثم صلبه على جسر بغداد. ، وابن تيمية الذي وصفت كتبه بالزندقة وقضى حياته بين السجن والمنفى بسبب أراءه ومات معتقلا في سجون السلاطين بإيعاز من الفقهاء ، ألا لعنة الله على الظالمين وأعوانهم .
- وإذا مررت بكتب السير فلن تجد من الفقهاء إلا حديثهم عن غزوات الرسول (ص) وقتاله لأعداء الله وإثخانه في المشركين ، كما ستجد روايات مكذوبة تنسب إليه القيام بإبادات جماعية -حاشاه - كغزوة بني قريضة ، في حين لا تجد في حديثهم إلا إشارات خافته عن مسيرته الحافلة بالإنجازات في التعايش مع غير المسلمين ، وميله إلى الصلح والموادعة ، وحرصه على حفظ الدماء ، ونشره لقيم الخير والحق والتسامح ، وسعيه الحثيث لبناء الإنسان عقلاً وروحاً ، وعنايته البالغة بالطبقات المسحوقة ، وانتصاره لحقوق المستضعفين ، وعمله الدائب لعمارة الأرض بكل الوسائل المتاحة ومنها تشجيع الحِرف التي كان يحتقرها العرب ، ونشر الأمان والسلام في الجزيرة العربية بعد قرون من الحروب المستعرة ، وفي بيان حجة الوداع النبأ اليقين .
- وتجد الوعاظ يرسمون الأحلام للشباب الغر المحروم من نعيم الدنيا ولذائذها بحديثهم عن منزلة الشهداء وأجر الشهيد من الحور العين وكؤوس الخمر وأنهار العسل واللبن ، ثم يتركون الشباب فريسة للتنظيمات الجهادية لتجنيدهم بعيداً عن سلطان الدولة ، وكان الأولى بهم أن يجمعوا لهم بين حديث القلب وحديث العقل ، فقبل أن يحدثوهم عن فضل الجهاد كان الأولى أن يحدثوهم عن فقه الجهاد ، وقبل أن يذكروا لهم أجر الشهيد كان الأولى ان يفرقوا لهم بين الشهادة والانتحار ، وبين الشجاعة والتهور ، وبين حالات الجهاد السلمي وحالات الجهاد المسلح ، وبين جهاد الاستعمار وجهاد الاستبداد ، و بين الجهاد الذي يتولاه الدعاة والجهاد الذي تتولاه الدولة .
وجهاد السياسة ذلك خير .
لستُ أنكر أن القتال فريضة أوجبتها آيات الكتاب وقررها أولوا الألباب ، إلا أني أجزم يقيناً أنها ضرورة لجأ إليها الشرع لصد العدوان ودفع الصائل وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة -190- ، والقاعدة الشرعية تُقرر أن (الضرورات تُقدر بقدرها) ، وهذا ما جعل النبي (ص) يحرص دائماً على فتح أبواب الدعوة وسد باب القتال فقال عن ألد خصوم الإسلام يوم الحديبية (يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ ، لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ .. وَاللَّهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) ثم قِبل شروط الصلح المجحفة رغبة في تنكيس راية الحرب ورفع راية السلام ، كل ذلك صونا للنفس المحرمة ، وإتاحة الفرصة للناس لمعرفة حقائق الإسلام التي طالما تواطئ المشركون على طمسها ، وفضح قبح الشرك بالحجة على رؤوس الأشهاد .
- إن المتابع لمسيرة الرسالة يجد أن الصدام المسلح كان محظوراً رغم الملاحقات الإجرامية الشرسة لأتباع النبي (ص) ، وقتلهم ، واعتقالهم ، وتعذيبهم ، وكانت التوجيهات الإلهية (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) النساء – 77- وغضب النبي (ص) من استعجال بعض أصحابه لهذا الصدام رغم شدة الظلم الواقع عليهم فقال (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) –البخاري- ، إن الظلم لا يكفي وحده لخوض مغامرة مجهولة العواقب ، وكُلفة الصبر مع وجود الظلم أخف بكثير من كُلفة التهور مع افتقاد القدرة ، وقيام الدولة ضرورة ملحة لإعلان الجهاد ضد أي عدوان غاشم على أرواح الناس وممتلكاتهم ، فإن استحال قيام دولة يختارها الناس فلا أقل من قبول عامة الناس بخيار الجهاد الذي سيتحملون عواقبه .
- وأخيرا أقول (في بلد الحكمة والإيمان، يجتمع علينا المتطرفون من السنة والشيعة أحدهما في الجنوب يسعى لإقامة دولة الخلافة والآخر في الشمال يسعى لإقامة دولة الإمامة ،، وبين دولة الخلافة ودولة الإمامة يفقد الأبرياء أرواحهم ، وينزح الآلاف من ديارهم ، ويروع الآمنون في بلادهم ، ويخسر المواطنون ممتلكاتهم ، وتضيع هيبة الدولة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل)
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
ساحة النقاش