كنت يوما جالسا بالجامع الازهر الشريف نتعلم الرسالة القشيرية في علم التصوف والسلوك وكان أحد الطلاب مهموما ظاهرا عليه الهم فقال له شيخنا الجليل ، مالك يا ولدي وقد غلبك الهم وعلا وجهك , فقال الطالب بمرارةٍ تعبت من الناس وآذاهم وضاق قلبي من الدنيا وما فيها , فقال له الشيخ أولم تعلم قول الرسول العظيم " أزهد فيما ايدي الناس يحبك الناس" ثم أعقب رضي الله عنه وإن أحبك الناس فقد ملكت قلوبهم وإن ملكت قلوبهم فقد ملكت أجسامهم وعقولهم وإن ملكت عقولهم كانوا تباعا لك في كل شئ ورضوا بما تقول ولو كان إهانة وعيبا لهم ولقد علمناكم في درسنا هذا على لسان المشايخ والحكماء "أن النفس أسيرة لمن أحسن اليها" , وتفكر في الدنيا تجد انها زائلة وتفكر في الآخرة تجدها باقية فانسى الخلق واذكر الخالق , وان القلوب كما البيوت منها المنير ومنها المظلم فلا تكونن من أصحاب الظلمات وتذكر قول الشاعر : دقات قلب المرء قائلة له ان الحياة دقائق وثواني..
وتذكر قول فولتير : بحسن التقدير نجعل الآخرين من ممتلكاتنا الخاصة..
ثم ذكر لنا رضي الله عنه قصة ابراهيم بن أدهم رحمه الله حينما لقي رجلا مهموما فقال له ايها المهموم أسألك ثلاثا فقال الرجل نعم , فقال افيجري في الكون شئ لا يريده الله ؟ فقال :لا , فقال أينقص من رزقك شئ قدره الله لك ؟ فقال : لا , فقال اينقص من عمرك لحظة كتبها الله لك ؟ فقال : لا , فقال له اذا فلما الحزن والهم... ثم ذكره بقول الإمام علي رضي الله عنه :
رأيت الكـون كلـه يدور فلا حزن يـدوم ولاسـرور وقد بنت الملوك به قصـوراً فلم تبقى الملوك ولا القصور
ثم قال شيخنا رضي الله عنه واذكر الله كثيرا فبذكر الله تطمئن القلوب ، والقلوب محل الهم فاجعل قلبك منيرا بذكر الله وزد من دعاء النبي العظيم " اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن وغلبة الدين وقهر الرجال" , فقام الطالب وعيناه تدمعان وقبّل يد الشيخ وقال له فرج الله عنك الهم كما فرجت عني ونفعنا الله بعلمك وفضلك , فقلنا جميعا بصوت ملأ أركان الرواق الشريف اللهم آمين

