المقام المحمدى 

 وسئل فى ذلك الإمام أبا يزيد البسطامى سلطان العارفين  فقيل له : هل يزيد أحد على النبى  ( السائل يسأله ويقول له هل يزيد أحد على النبى  فى المقام من المخلوقات جميعاً فى الملك والملكوت ؟ ) . فقال أبا يزيد : " وهل يدركه أحد " ثم قال موضحاً مقام النبى الكريم صلى الله عليه وسلم : " جميع ما يفهم الخلق وأدركوه من شرف رسول الله  فيما لم يفهمه ولم يدركه مثل ذلك مَثَلُ قربةٍ زرقاء ملآى من الماء فما رشح أدرك الخلق وفهموه من شرفه وفضله ، وما سوى ذلك فلم يفهمه أحدٌ ولم يدركه . [ يعنى جميع ما فهمه أهل العلم والحب والعشق والمعرفة نسبة ما فهموه من ما لم يفهموه من فضله ومقامه  كذلك ] لأن مقامه صلى الله عليه وسلم لا يعلمه إلا من فضَّلَه واختاره واصطفاه إلا الله سبحانه وتعالى .

 فضائل النبى  فى الحقائق الأزلية 

 هناك علوم فى العلوم التى يكتسبها العلماء علوم تكتسب بواسطة العقل لأن العقل يتربى تحت ظل الأسباب ، وهناك علوم تتعلق بأسرارٍ وتسمى الحقائق ، وهذه الحقائق لا تكون إلا فى قبضة الخالق سبحانه سراً له لا يبديه ولا يظهره إلا لمن أحبه من خلقه واصطفاه ( وهذه تسمى حقائق ) فهذه الحقائق : أن الحق سبحانه وتعالى قبل أن يخلق الخلق جميعاً سبق الخلق حكمته يعنى الحكيم ساعة أن يصنع حاجة يقول أنا أصنع دى لأجل غاية ومراد فينظر للأبعاد والمكاسب المنشودة ومن خلال قدرته العلمية وخبرته يضع لها الأجل والقدرة والميزان الدقيق فى الصنع هذا بالنسبة للمخلوقات . فالحق تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق سبق الخلق حكمته [ يعنى المخلوق يخلق على فطرة ومعرفة ومهمة ووظيفة ومسئولية يُسأل عنها ] كما قال سبحانه ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ فسبق الخلق حكمته ، وسبق الحكمة علمه وهذا العلم يثبت ليؤخذ على الخليقة ميثاقاً أزلياً يعنى هذا العلم يؤخذ على الخلائق ميثاقاًً عنده سبحانه فى إمام مبين " ومعنى إمام مبين يعنى إماماً سبق الخلق جميعاً " يبقى سبقت حكمته علمه وسبق العلم قدرته وسبق القدرة العظمة بالوحدانية أى أنه واحد ( يبقى لا يوجد هناك أحد يدخل على الوحدانية ، ولا يوجد هناك من يدعى علماً على الله إذن كل علم فى قبضته سبحانه ونبع كل عطاءٍ من علمٍ من خزائنه سبحانه يعنى كل علم يظهر للخلق من خزائنه فإذا قال عالم من الناس أنا عالم فنقول له من أين جئت بهذا العلم هل هو من عندك فإنك قد ولدت طفلاً لا تعلم كما قال سبحانه ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ . فمن الذى علمك ؟ ( الله ) ، ومن الذى أمدك بوسائل اكتساب العلم وهى السمع والبصر والعقل ونعدد عليه نعم الله عليه حتى يرجع الأمر كله لله . فإذا كانت هناك حقائق وأسرار لله فى التمكين أى يبديها ويعطيها ويمكن بها أحد من خلقه فلا تكون إلا لمن آمن بهذه الحقائق وصدق بها إيماناً وتصديقاً على مراد الله فى ذلك فتكون له العطايا من الخزائن والأسرار فالحق سبحانه وتعالى لما تعلقت إرادته بإيجاد خلقه أى قلنا أن قبل الإيجاد كان هناك كتاب سبق وفيه مقادير الخلق وهى الحقائق ] فلما تعلقت إرادته سبحانه بإيجاد خلقه أبرز الحقيقة المحمدية من أنواره ( إحنا قلنا أن الحقائق مقادير الخلق كتبها الخالق عنده فى إمام مبين وجعلها فى كتاب فى مكنون الغيب عنده فإذا جاء زمن ميلاد قدر يبرزه أى يبديه ويظهره ) . فالحقائق عند المسبب يبديها ويظهرها فى الأسباب إلى يوم القيامة ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ أى أن كل نهار جديد يولد بمقادير جديدة فى ظهورها أزلية فى حقيقتها . ونقول للعقل اطلب من الأسباب بالعلم والله يلهمك أن تكشف عن سرائر مكنونة لم يسبق اكتشافها لأهل زمن قبلك لأنها رزق أهل زمانك فهذه مقادير قدرها الخالق الرازق الحكيم . ثم نقول للعقل لا تفتن ولا يصحبك الغرور بأن هذا حدث جديد ولكن يستقر يقينك بأن هذا مكتوب عند الله من الأزل بزمانه ومكانه قدراً مقدورا واصطفاك الله وألهمك من العلم ما تقوم بإبدائه وظهوره واكتشافه لخلق الله ولا فرق فى هذا المطلب فى الأسباب بين مؤمن وكافر فهذا عطاء فى الأسباب للعقل . أما العلم الذى يكون من المسبب لَدُنِّيَاً لمن اقترب إليه وأحبه واصطفاه فذلك يكون من خزائن غيبه ولطائف سره فلابد أن يكون لهذا العلم شروط بين المعطى والمعطَى له . أى بين الله وعبده . وهذه الشروط أن يؤمن العبد بأن كل شئ فى العطاء من عند الله سبحانه ، وأن يصدق تصديق يقين بأن الله هو الواحد فى كل شئ ، وأن يعلم بأن الله على كل شئ قدير فهذا هو العلم عن الله . فلا يفتن المؤمن بالأسباب ويكون مع المسبب بأنه هو الفعال لما يريد ؛ فلما تعلقت إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه أبرز الحقيقة المحمدية من أنواره ثم سلخ منها العوالم كلها . علوها وسُفلِها ثم انبجست منه  عيون الأرواح فهو الجنس العالى على جميع الأجناس ، ولمَّا انتهى الزمان بالاسم الباطن فى حقه  إلى وجود جسمه وارتباط الروح به . انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر وظهر محمدٌ  بكليته جسماً وروحاً ( أى انتقل من الحقائق المكنونة عند الله إلى إبراز القدر وظهوره فى سلسلة المقادير ليشهده الخلق جميعاً فكان مولده  فى موكب البشرية بشراً جسماًً وروحاً محسوساً ومرئياً للخلق ظاهراً روحاً وجسماً وفى هذا المقام روى الإمام مسلم فى صحيحه عن النبى  أنه قال " إنَّ الله سبحانه وتعالى كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ومن جملة ما كتب فى الذكر وهو أمُّ الكتاب إن محمداً خاتم النبيين ( ومعنى المقادير يعنى كل حركة وسكون وقول وفعل وآثار وكل ما يحدث من حدث إلى يوم القيامة ) وهذه تسمى الحقيقة أى حقائق أزلية سبقت الخلق ومكتوبة عند الخالق قبل أن يخلق . إذن كل الخلائق التى سيتم خلقها بعد ذلك تابعة للحقائق السابقة فإذا أراد الله أن يبرز من الحقائق شيئاً ويظهره يكون هناك حقائق اسمها مكنونة ومخزونة ومبهمة لأن الحقائق كلها عند الله مكنونة ومخزونة أما عند مبهمة يكون هناك عملية فصل بين أمرين فهناك حقيقة اسمها مبهمة أى ليس عليها تعريف ، وحقيقة اسمها مثبتة بالعلم فى جميع الخلق ساعة بدء الخلق بفطرة الخالق فى خلقه . فالحقيقة المبهمة هى الأقدار بزمانها ومكانها فإذا جاء زمن قدر يبرزه الله فلا يعلمه أحد من الخلق إلا ساعة ظهوره ، وإن كان قد اطلع عليها أحد من الخلق فذلك يكون من مقام قربه إلى الله وتمكينه بعلم ومددٍ له من الله خاص . مثل الملائكة الذين اختصهم الله بالمقادير فى الرزق والأجل وتصريف السحاب والشهادة وغير ذلك من تكريم الله لهم فهم عبادٌ مكرمون ائتمنهم الله على سرائره . أما الحقيقة الغير مبهمة وتسمى مثبتة بالعلم والتعريف فهى ( إن محمداًً خاتم النبيين ) أى أن اسم النبى ورتبته وزمان بعثته ومقامه مكتوب على حقيقته ليعرف به خلقه بين الحقائق الأزلية ، وإذا كانت هذه الحقيقة لها تميزها بهذا الذكر من بين الحقائق فلابد وأن يكون لها عند الله سر عظيم وهذا

المصدر: أبناء سيدى الشيخ / محمد السيد أبو العينين الرفاعى رضى الله عنه
  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 218 مشاهدة
نشرت فى 2 يونيو 2011 بواسطة mwlana

ساحة النقاش

النفحات المحمدية

mwlana
العارف بالله الشيخ محمد السيد ابو العينين الرفاعى رضى الله عنه »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

42,028