التشبيه التمثيلي

قال تعالى) : ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) . 

شبه الله سبحانه وتعالى القمر في حالة تحوله وتناقصه شيئا فشيئا بعرجون النخل القديم المنحني، والعرجون هو العود الذي يحمل التمر، ولا شك أنها صورة قامت بالغرض كاملا من حيث الشكل واللون، لأن ذلك العود إذا يبس تقوس واصفر وتضاءل فكان كالقمر في آخر منازله وأولها (المحاق والهلال وهذا تشبيه تمثيلي رائع تعددت فيه أجزاء المشبه والمشبه به

وقال تعالى : ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام )

شبه سبحانه السفن الضخمة القائمة في وسط البحر بالجبال العظيمة ، كما يدل عليه التعبير بالأعلام دون الجبال، وفي اختيار نوع الكلمة في المشبه به وهو الأعلام ، دون الجبال سر يتعلق بمدلول الكلمة ذاتها ، ذلك أن للأعلام دلالتين الجلال والجمال ، وذلك أن العَلَم في اللغة يدل على الجبل و تأخذ منه الضخامة والرسو ، كما يدل على الراية وهي رمز جمال ورفعة، فلما أريد الجمع بين الجمال والجلال معا، ُشبهت السفن بالأعلام ، ولو قيل : كالجبال لدل على الجلال دون الجمال، وهذا لا يتناسب مع السفن في كل أحوالها . وهوتشبيه تمثيلي مثير للخيال 

ولهذا لما أريد مقصد الجلال فقط قال سبحانه : ( وهي تجري بهم في موج كالجبال )، فقد جاء التشبيه للموج بالجبال، لأنه ليس المقصود هنا إبراز جانب الجمال بل المقصود إظهار الضخامة المخيفة ، وهذا كتشبيه الموج بالظلل في قوله تعالى : ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ) ، ولكن مالفرق بين التشبيهين ؟ 

جواب ذلك أن الآية الأولى التي كان فيها المشبه به ( الجبال ) كان المراد منها بيان الشكل والهيئة وبيان طغيان الماء وعلوه وارتفاعه؛ لأنه ماء نزل من السماء وماء خرج من الأرض فالتقى الماء على أمر قد قدر . 

أما الآية الثانية فهي مصورة للعذاب ولا يكفي في ذلك مجرد بيان الحجم بل لابد من ذكر ما يرهب ويخيف ولا شك أن تصوير الموج على أنه ظلة يعلو الرؤوس أهلع وأخوف من مجرد التشبيه بالجبل القائم في مكانه، لهذا لما أريد ذكر الجبل في جانب العذاب ذُكرت له حاله خاصة كما في قوله تعالى : ( وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ) فنرى هنا في هذه الآية أن الجبل شبه بـ(ظُلة) وهذا يعني أن الظلة أشد في التخويف من مجرد ذكر الجبل ،وذكرت معه كلمة ( فوقهم ) لأنه في العادة لا يكون كذلك ، بل يكون بجانبهم . 

وقال تعالى : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) . 

فهذا تشبيه لآكل الربا بالمجنون الذي يتخبط وغاية التشبيه نقل صورة آكل الربا البشعة حتى تنفر النفوس من هذه الجريمة الشنعاء ، لأن النفوس جبلت على كره منظر المصروع ولا يكاد أحد يخالف في بشاعة منظره ، فلما كان المرابي في الدنيا يسلب أموال الناس ويضيق عليهم كان الجزاء من جنس العمل فذكر الله لنا صورته يوم القيامة أنه يقوم من قبره مجنونا يتخبط ، قال بعضهم يقوم ويسقط  كأنما يضرب من أمامه ومن خلفه والعياذ بالله . 

وقال تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ) . 

شبه الله سبحانه الزوجة التي تركها زوجها من غير حفظ ورعاية مع أنها في عصمته بالشيء المعلق، فلا هو على الأرض ولا هو في السماء، ولا شك أن هذه الصورة البليغة تثير في قلوب الأزواج شفقة ورحمة؛ لأن الإنسان مجبول على رحمة من كان على هذه الصورة حتى ولو كان حيوانا فكيف إن كان إنسانا ً. 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3564 مشاهدة
نشرت فى 19 يونيو 2017 بواسطة muser2006

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

17,770