ب- اقتصاديا واستراتيجيا:

ربط فيما بين المجالين الاقتصادى والاستراتيجى (أو الأمنى) من خلال معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى التى وقعت فى عام 1950، وهو ما يمثل ادراكا مبكرا لتعدد أبعاد الأمن وتجاوزها البعد الحمائى أو العسكرى.

فمن ناحية، نصت المعاهدة فى مادتها السادسة على تكوين مجلس للدفاع المشترك يستطيع اتخاذ قرارات ملزمة لجميع الاعضاء بأغلبية الثلثين مما عد فى حينه نقلة نوعية تعالج النقطة الخاصة باشتراط الاجماع فى قرارات الجامعة، وعدم إلزام القرارات التى تتخذ بالاغلبية لغير الموافقين عليها. وفى واقع الامر فلقد تضافرت جملة من العوامل الاقليمية والدولية التى يسرت اتخاذ هذه الخطوة المتقدمة فى إطار تطوير الجامعة اقليميا.

كان هناك العدوان الفرنسى على سوريا ولبنان عام 1945 وغياب آلية عربية للتعامل معه على نحو ألجأ الدول العربية لرفع الموضوع الى الامم المتحدة. وكانت هناك حاجة للتكتل العربى فى مواجهة الخطر الاسرائيلى بعد قيام الدولة اليهودية عام 1948. ومما له صلة بهذا الموضوع ان سوريا كانت قد تقدمت باقتراح لعقد معاهدة تحالف سياسى عسكرى بين دول الجامعة عام 1948، وأحيل اقتراحها للجنة السياسية التى شكلت بدورها لجنة خاصة عرفت باسم لجنة "التضامن الجماعى" تلقت أفكارا ومشروعات من كل من لبنان ومصر والعراق وسوريا، وكان إبرام المعاهدة من ثمارها.

ودوليا برز اتجاه عربى عبرت عنه الولايات المتحدة بالاشتراك مع كل من فرنسا وبريطانيا فى "الإعلان الثلاثى" كان هدفه اخضاع أولويات الصراع العربى-الاسرائيلى لأولويات الصراع بين المعسكرين الشرقى والغربى من خلال ادماج اسرائيل مع الدول العربية فى نظام دفاعى شرق أوسطى عرف باسم منظمة الدفاع عن الشرق الاوسط، وبالتالى كان لابد من مواجهة هذه الضغوط عبر بلورة هوية قومية استراتيجية للدول العربية يظللها ويحتويها نظام قومى له سنده الأمنى مما يميزها عن "الآخر": الاقليمى. وفى السياق نفسه أثيرت قضية التأسى بميثاق الامم المتحدة بتركيزه على مفهوم الأمن الجماعى عبر المواد 52 و53 و54 التى تندرج فى الفصل الثانى الخاص بالمنظمات الاقليمية. وبالفعل جاءت معاهدة الدفاع المشترك معبرة عن الحرص على تعزيز الأمن الجماعى ، من خلال نصها على فض جميع منازعات أطرافها فيما بينهم وفى علاقاتهم مع الدول الاخرى بالطرق السلمية، وعلى عدم جواز دخول هذه الاطراف فى أى اتفاقيات دولية تناقض المعاهدة، ولا سلوكها مع سواها من الدول مسلكا يتنافى مع أغراض المعاهدة. وكما يلاحظ فان هذه المبادىء تمثل إضافة للميثاق وإغناء له بوضع تصور لآليات تمتين الامن القومى العربى.

وكما تقدم فإن المعاهدة المشار إليها أنشأت أربعة أجهزة فى مجال الامن الجماعى، هى:

  • مجلس الدفاع المشترك من وزراء الخارجية والدفاع فى الدول المتعاقدة، أو من ينوبون عنهم. -اللجنة العسكرية من ممثلى هيئة أركان جيوش الدول المتعاقدة لتنسيق خطط الدفاع المشترك.
  • الهيئة الاستشارية العسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة للإشراف على اللجنة العسكرية الموحدة برئاسة الدولة التى تكون قواتها المشتركة أكثر عتادا ورجالا، ما لم توافق حكومات الدول العربية بالاجماع على اختيار دولة أخرى.
  • ومن ناحية أخرى، تطرقت المعاهدة إلى الجانب الاقتصادى، ودعت فى إطار ذلك إلى توثيق العلاقات الاقتصادية العربية وإلى تقنينها، وتبنت من تلك الزاوية فكرة تأسيس مجلس اقتصادى يكون له دور استشارى من خلال تقديم مقترحاته لحكومات الدول العربية حول ما يراه كفيلا بتعزيز التعاون الاقتصادى العربى.

وجدير بالذكر أن هذا الجانب الاقتصادى من جوانب العمل العربى المشترك مثل اهتماما رئيسيا من اهتمامات جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عبر عنه قرار المجلس الاقتصادى والاجتماعى ذى الصلة بخصوص اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجارى العربى فى عام 1953، وتوَّجه إبرام اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية فى عام 1957، ثم صدور قرار انشاء السوق العربية المشتركة فى عام 1964.

إلا أن أهمية العمل الاقتصادى العربى المشترك ما لبثت أن تزايدت، بل يمكن القول أنها مثلت رافعة للعمل العربى المشترك فى فترات تأزم العلاقات السياسية العربية. حدث هذا عندما أصيب النظام العربى بصدع من جراء الخلاف المصرى-العربى حول سياسات التسوية مع اسرائيل اعتبارا من عام 1977 حيث انعقدت قمة عمان فى عام 1980 التى تبنت مبدأ التخطيط القومى فى توجيه العمل العربى المشترك وفى تطويره، وأقرت الوثائق المتعلقة باستراتيجية العمل الاقتصادى العربى المشترك، وميثاق العمل القومى الاقتصادى، ومشروع عقد التنمية المشتركة والاتفاقية الموحدة للاستثمار.

وتكرر ذلك بعد كارثة الخليج الثانية عندما اتخذت أول قمة تعقد بالقاهرة بعد ست سنوات من تاريخ الغزو أى فى عام 1996 قرارا بتكليف المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالاسراع بإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وقام المجلس بالفعل بوضع برنامج تنفيذى لإنشاء المنطقة على مدار عشر سنوات تبدأ فى 1/1/1998. كما أطلق على قمة عمان فى عام 2001 -وهى أول قمة دورية تنعقد إعمالا لقرار قمة القاهرة فى عام 2000- وصف "القمة الاقتصادية" وتبنت هذه القمة المبادرة المصرية الخاصة بعقد أول مؤتمر اقتصادى عربى بالقاهرة فى نوفمبر /تشرين الثانى 2001 تحت شعار "الارتقاء بأداء الاقتصادات العربية".

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 188 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

271,281