أولاً: الحضارة الصينية، بالرغم من ادعاء عدد من المؤرخين والمحللين الغربيين المتحيزين بأن للحضارة الصينية رافدين أحدهما كونفوشى والآخر مسيحى، فإن الثابت تاريخياً أن الحضارة الصينية هى نتاج اساسى للاسهام الكونفوشى، وبالتالى نميل إلى القول بوجود حضارة صينية متميزة واحدة ترجع إما إلى 1500 سنة أو 2500 سنة قبل الميلاد بدلا من القول بوجود حضارتين احداهما كونفوشية التأثير وأخرى مسيحية التأثير تلت كل منهما الاخرى. وتجدر الاشارة إلى ان الحضارة الصينية تتجاوز حدود الصين بحدودها الحالية، حتى لو ضممنا إليها جزيرة تايوان، فهى تشمل دولاً تضم غالبية صينية مثل سنغافورة، وكذلك اقليات ومجتمعات صينية هامة فى بقية دول جنوب شرق آسيا وكذلك فى مناطق أخرى من العالم، كذلك استخدم بعض المؤرخين تعبير الحضارة الصينية لوصف الثقافات ذات الصلة، خاصة فى فيتنام وكمبوديا ولاوس، بل وذهب البعض إلى ربطها بالثقافة الكورية.
ثانياً:الحضارة اليابانية، يجمع بعض المؤرخين الحضارتين الصينية واليابانية فى إطار حضارة واحدة، بينما يميل اغلبهم إلى القول بأن الحضارة اليابانية تمثل حضارة منفصلة ومتميزة وقائمة بذاتها وإن نسبوها إلى الحضارة الصينية باعتبارها أحد فروعها. وبينما يرجع اليابانيون وعلماؤهم حضارتهم تلك إلى ما قبل الميلاد، فإن المؤرخين الغربيين تراوحت تقديراتهم فى ارجاع تلك الحضارة إلى ما بين عام 100 وعام 400 بعد ميلاد السيد المسيح.
ثالثا:الحضارة الهندية، وكما هو الحال بالنسبة للحضارة الصينية فتوجد هنا نظريتان، الأولى تقول بوجود حضارة هندية واحدة، والأخرى تقول بوجود حضارات متتالية وتأثيرات متعددة. وفى كل الأحوال تعود نشأة حضارة فى شبه الجزيرة الهندية إلى حوالى عام 1500 قبل الميلاد. وتتجاوز الحضارة الهندية كونها ديانة أو نظاماً اجتماعياً، ولذا نميل هنا إلى القول بوجود موجات حضارية متتالية فى شبه الجزيرة الهندية ذات تأثيرات مختلفة، ويدعم هذا الرأى التأثير المهم الذى لعبته الحضارة الإسلامية خلال قرون طويلة على الحضارة الهندية وتفاعلهما معا والاختلاط الذى قام بينهما ووجود وبقاء نسبة مرتفعة من المسلمين ضمن سكان شبه الجزيرة الهندية إلى يومنا هذا. وكما هو الحال مع الحضارة الصينية، فإن إتباع الحضارة الهندية وعلماءها يرفضون قصرها على دولة بعينها هى الهند ويرون امتدادها لتشمل المجتمعات الهندية المقيمة بالخارج خاصة على طول الساحل الشرقى لأفريقيا وفى منطقة الخليج.
رابعاً:الحضارة الإسلامية، وهى تلك الحضارة التى نشأت فى شبه الجزيرة العربية فى القرن السابع الميلادى وامتدت فى كل الاتجاهات بامتداد الدين الاسلامى واللغة العربية فى شمال افريقيا وشبه جزيرة ايبيريا غربا، وغطت اليمن وعمان وحتى اواسط افريقيا جنوبا، وضمت بلاد الشام وما بين النهرين وتركيا والبلقان وآسيا الوسطى شمالا، ووصلت إلى حدود الصين والهند وشملت جزءاً مهماً من جنوب شرق آسيا شرقا. وقد اختلف المؤرخون فى وصفها حيث وصفها البعض بالحضارة العربية أو الحضارة العربية الإسلامية بالنظر إلى نشأتها العربية وفضل العرب فى نشرها وقيادتهم لها لزمن طويل ولكون منجزات تلك الحضارة كانت لقرون باللغة العربية اساسا. إلا أن الاغلبية من المحللين والعلماء اجتمعت على وصفها بالحضارة الإسلامية نظراً لأنها ارتكزت على رابطة دينية وليس عرقية أو لغوية أو قومية، كما فعلوا ذلك أيضاً فى ضوء اسهام غير العرب الضخم والمتراكم عبر الأزمنة والمتزايد فى منجزات هذه الحضارة، خاصة الفرس والبربر وغيرهما، وكذلك الاستخدام اللاحق للغات غير العربية فى التعبير عن منجزات هذه الحضارة مثل الفارسية والأوردية والحسنية والسواحيلية وغيرها. ومن المهم أيضاً ان نشير إلى أن الحديث عن الحضارة الإسلامية يشمل عادة اسهامات غير المسلمين ممن عاشوا فى كنف هذه الحضارة وتشبعوا بثقافتها وشعروا بالانتماء اليها سواء كانوا من أهل الكتاب بمعناه التقليدى وهم اليهود والمسيحيين أم شمل ذلك الهندوس والزرادشت وغيرهم من أتباع ديانات شملهم تعريف أهل الكتاب فى المراحل التاريخية التى ساد فيها التسامح الإمبراطوريات الإسلامية وهى القاعدة فى التاريخ الطويل لهذه الحضارة دون إنكار وجود استثناءات زمانية أو مكانية، كما ان العديد من المتخصصين فى الحضارات يشيرون إلى وجود حضارات فرعية أو حتى يذهب بعضهم إلى القول بوجود ثقافات منفصلة فى داخل حدود الحضارة الإسلامية، سواء كانت معايير التقسيم مذهبية ما بين سنية وشيعية وأباضية وغير ذلك، أو كانت المعايير قومية أو عرقية أو لغوية مثل ما بين عرب وفرس وأتراك وسند ومالاى وبربر وما إلى ذلك.
خامساً:الحضارة الأرثوذكسية، والمقصود هنا الأرثوذكسية الأوروبية، وخاصة الروسية، وليس الأرثوذكسية الشرقية، سواء المصرية أو الإثيوبية أو غيرهما. ويفصل البعض بين تلك الحضارة الأرثوذكسية وبين مجمل الحضارة الغربية بالرغم من عامل الإرث اليهودى/ المسيحى المشترك فى ضوء ليس فقط التباين المذهبى، وإنما أيضاً النسب البيزنطى المختلف ثقافياً وقيمياً، بالاضافة إلى خصوصية الخضوع للحكم التترى لأكثر من قرنين من الزمان، وطول فترة حكم سياسى جمعت صيغته بين الاستبداد والبيروقراطية، وأخيرا لمحدودية تعرض وتأثر الأرثوذكسية الأوروبية للنهضة والاصلاح الدينى والتنوير وغيرها من التجارب المركزية فى تاريخ تطور الحضارة الغربية، وأيضا تأخر هذا التعرض والتأثر فى بعض الأحوال. ويجب ان نأخذ فى الاعتبار ان الحضارة الأرثوذكسية المقصودة هنا تشمل أيضاً الشعوب السلافية فى شرق ووسط أوروبا والبلقان وجنوب أوروبا، وقد تشمل أيضاً ارمينيا وانطاكية وغيرهما.
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN16.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,862
ساحة النقاش