ثانيا: صــراع القيم
إن كل الصراعات التى تناولناها فى الجزء السابق تدور حول مسائل ملموسة (ارض، حكومة، مصالح اقتصادية) وبالتالى يمكن حلها، ولكن الأصعب هو تلك الصرعات التى لا تدور حول مسائل مادية وانما يلعب فيها الحماس الدينى والكراهية العرقية والأيديولوجية دورا أساسيا .
1ـ الصراع العرقي:
الصراع العرقى هو الصورة الغالبة على خريطة الصراعات الدولية فى عالم اليوم، والجماعة العرقية هى جماعة كبيرة من الناس تشترك فى روابط تاريخية( يعود اصلهم إلى عرق واحد) وثقافية ولغوية، إضافة إلى تميز هذه الجماعة بهوية يعرفون انفسهم بالانتماء اليها .
وبالرغم من أن الصراع العرقى يكون له دائما جانب مادى (صراع على حدود او على السيطرة على الحكومة)، فإنه ينبع فى الأساس من الكراهية التى تكنها جماعة عرقية لجماعة عرقية أخرى. انه صراع لا يعتمد على ما يفعله الشخص ، ولكن على من يكون .
والجماعة العرقية تشكل أساسا لشعور بالحاجة إلى دولةـ أمة تجمعها، أى أنها تشكل أساسا لشعور قومي. ولكن، ليست كل الجماعات العرقية تعرف نفسها على أنها امم قومية، ففى الولايات المتحدة يتعايش ـ وان كان ذلك جاء عبر تطور تاريخى بطيء وحتى اليوم فإنه يتم بصعوبة ـ كل من البيض والسود والآسيويين والهسبانك تحت لواء الأمة الأمريكية ويعرفون أنفسهم على انهم أمريكيون .
ولكن فى أماكن أخرى من العالم تسعى الكثير من الجماعات العرقية إلى أن يكون لها دولة مستقلة. والحدود الدولية قد لا تتقاطع بالضرورة مع المناطق التى تقطنها الجماعات العرقية المختلفة، كما هو الحال فى أفريقيا التى يقال دائما إن حدودها مصطنعة لأن الاستعمار الأوروبى فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين هو الذى قام برسم هذه الحدود .
وفى الغالب نجد أنفسنا أمام الموقف الخطير التالى: جزء من الجماعة العرقية يعيش فى دولة، وجزء منها يعيش كأقلية فى منطقة مجاورة تقع فى دولة أخرى تسيطر عليها جماعة عرقية مناوئة. ما خطورة هذا الموقف؟. خطورته تنبع من الأقليات تتعرض غالبا للتمييز والاضطهاد مما يدعو الدولة الأم التى تقطنها الجماعة العرقية الأصلية إلى الهبوب لنجدة اخوانهم فى الدولة الأخرى، والتدخل لإنقاذهم والدفاع عنهم والانتقام لهم. وعلى سبيل المثال فإن البانيا تشعر بالقلق تجاه مصير الألبان الذين يمثلون أغلبية فى اقليم كوسفو الذى يسيطر عليه الصرب. وحين تعرض الألبان لمذابح بشعة على يد الصرب تدخل حلف الناتو لإنقاذهم فى عام 1999، ولكن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تشأ أن تعطى اقليم كوسفو استقلالا كاملا. لماذا؟ لأن هذا سوف يخلق مشكلة أخرى تتعلق بالصرب الذين سيصبحون اقلية فى هذا الإقليم .
وقد شهدت سنوات التسعينات انفجارا للعنف العرقى فى مناطق كثيرة من العالم. وبلغت حدة الصراعات العرقية درجة لا مثيل لها من حيث عدد الضحايا ومدى الوحشية. وعلى سبيل المثال ففى عام 1994 قامت الهوتو (وهى جماعة عرقية تشكل اغلبية وتسيطر على الحكومة فى رواندا) بذبح نحو نصف مليون من التوتسى (جماعة عرقية أخرى تشكل الأقلية، ولكنها كانت تتمتع بامتيازات كبيرة من أيام الاستعمار البلجيكى لرواندا) فى أسبوع واحد على مرأى ومسمع من العالم كله الذى لم يحرك ساكنا، بالرغم من أن الكثير من المعلقين رأوا أن تدخلا دوليا بسيطا فى وقته كان يمكن أن يحول دون حدوث هذه المذبحة البشعة .
وفى مواجهة المذابح البشعة التى ترتكبها الجماعات العرقية فى حق بعضها البعض، حاول العالم أن يطور مبدأً جديدا سمى بمبدأ التدخل الإنسانى وهو مبدأ يدعو إلى جواز التدخل ـ من جانب المجتمع الدولى ـ بالقوة العسكرية لإنقاذ أناس يتعرضون لإبادة جماعية وتطهير عرقي. وقد شهد عام 1999 اول تطبيق لهذا المبدأ بالحرب الجوية التى شنها الناتو على صربيا فى أعقاب المذابح التى تعرض لها الألبان المسلمون على يد الصرب. وفى أواخر عام 1999 كان هناك تدخل آخر ـ من جانب الأمم المتحدة هذه المرة ـ لإنقاذ إقليم تيمور الشرقية الذى يسعى إلى الانفصال عن إندونيسيا من الانتهاكات التى كان يرتكبها الجيش الإندونيسى فى حق أهالى هذا الإقليم .
ويقول الخبراء فى الاجتماع السياسى انه على الرغم من أن الصراع العرقى يعود فى الغالب إلى خلفية تاريخية من الصراع حول إقليم معين او موارد طبيعية، فإنه يتطور ليصير له منطقه الخاص بعيدا عن الأسباب التى أدت إليه، فهذه الأسباب تتوارى لتحل محلها الكراهية العرقية التى تصبح الوقود الذى يؤدى إلى استمرار الصراع. وتتميز هذه الكراهية العرقية بنزعة إلى التعصب الشديد ضد الآخرين، واضطهادهم ونزع الصفات الإنسانية عنهم، فيشار إليهم بصفات الحيوانات: كلاب. خنازير .. الخ. وعلى سبيل المثال فإن الدعاية الأمريكية فى أيام الحرب العالمية الثانية كانت تصف اليابانيين بالقرود .
وتشير تجربة أوروبا الغربية إلى إمكانية تجاوز الكراهية بين الأعراق والقوميات المختلفة التى تحمل عداء لبعضها البعض، مثل الفرنسيين والألمان، عن طريق التربية طويلة المدي. وقد تبنت أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية مشروعا لإعادة صياغة الكتب المدرسية بحيث تحذف منها الأجزاء التى تحض على كراهية الأعراق الأخرى واحتقار تاريخها ومنجزاتها الحضارية، وقد نجح هذا المشروع ومهد لقيام الوحدة الأوروبية بعد ذلك بعقود .
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN13.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,888
ساحة النقاش