3ـ الصراع الأيديولوجي:
الأيديولوجية تتشابه مع الدين فى أنها تتسبب فى تعقيد النزاعات ومفاقمتها ولكن لا تخلقها . وتتشابه معه أيضا فى أنها تشكل منظومة للقيم، ولكنها لا تدخل فى كل تفاصيل الحياة .
وبالنسبة إلى الذين ينظرون إلى مسائل الصراع الدولى نظرة واقعية فإن الأيديولوجية لا تهم كثيرا فالصراع بين الدول هو صراع حول المصالح، وكل دولة تسعى إلى تحقيق مصالحها بصرف النظر عن الأيديولوجية، وصراع الحرب الباردة كان منفصلا عن الأيديولوجية فقد كان صراعا على القوة أكثر من أى شيء آخر، حيث كانت الدول تغير استراتيجيتها وأهدافها لكى تحقق مصالحها. وكما قلنا من قبل فإن الاتحاد السوفيتى عقد حلفا مع هتلر ثم مع الحلفاء، وكذلك فإن الصين والاتحاد السوفيتى ـ اللتان تجمعهما الأيديولوجية الشيوعية ـ لم تبقيا حليفتين لفترة طويلة. والصين، التى كانت تنوى القيام بثورة تحرر العالم الثالث من ربقة الإمبريالية العالمية، استقبلت الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، رمز هذه الإمبريالية، لكى تتفق مع الولايات المتحدة على مصالح مشتركة .
وقد رأى جورج كينان ـ الذى عمل سفيرا للولايات المتحدة فى الاتحاد السوفيتى فى بداية أيام الحرب الباردة ـ إن السياسة الخارجية لا يمكن صياغتها على أساس أيديولوجي، وكان رأيه أن الهدف الرئيسى الذى يجب على الولايات المتحدة اتباعه هو احتواء الاتحاد السوفيتى وليس الأيديولوجية الشيوعية فهذا الاحتواء هو الذى يمكن أن يقود بالتدريج إلى انفجاره من الداخل .
والكثير من المحللين الأمريكيين يقولون بأن اتباع مثل هذه السياسة الواقعية المتحررة من التحيز الأيديولوجى كان من الممكن أن تجنب الولايات المتحدة التورط فى صراعات مكلفة مثل الحرب فى فيتنام .
والحقيقة أن الثورات التى تبشر بأيديولوجيات جديدة تعمل على زعزعة العلاقات بين الدول، وتزيد من احتمالات وقوع صراعات دولية على المدى القصير، إذ أنها تغير ميزان القوى وتغير التحالفات وتفتح مجالا واسعا للخطأ فى الحساب والتقدير.
ولكن بمرور الوقت تفقد الدول الثورية حماسها، وتتحول إلى دول عادية تسعى إلى تحقيق مصالحها القومية بنفس الطرق المتعارف عليها فى عالم الصراع الدولي. وقد كان تروتسكى اول وزير خارجية للاتحاد السوفيتى يقول بأنه سوف يطلق مجموعة من النداءات لعمال العالم، ثم يتوقف عن العمل لأنه لن يكون هناك ما يفعله، فالثورة الشيوعية ستجتاح العالم كله !
وما ينطبق على الثورة الشيوعية ينطبق على الثورة الإسلامية فى إيران التى أعلنت فى بدايتها أنها تهدف إلى تصدير الثورة الإسلامية إلى العالم كله، ولكن بعد مرور ما يزيد على العشرين عاما على الثورة خفتت هذه الحماسة، وتحولت إيران إلى دولة عادية تلعب ـ تقريبا ـ بنفس القواعد التى تعارفت الدول عليها .
وحتى فى خلال الحرب الباردة، التى تميزت بكونها فترة صراع أيديولوجى عنيف بين الرأسمالية والشيوعية، كان رأى بعض المحللين الأذكياء أن الكثير من الصراعات التى دارت رحاها فى هذه الفترة وأخذت صبغة أيديولوجية، لا علاقة لها بالأيديولوجية من قريب أو بعيد.
وعلى سبيل المثال، فقد قامت الولايات المتحدة فى الثمانينات بمساندة حركة يونيتا المعارضة للحكومة اليسارية فى أنجولا. وقد يبدو لأول وهلة أن الحرب الأهلية التى دارت فى هذه البلد تتعلق بالأيديولوجية، ولكن الحقيقة أن الحكومة كانت تتمسك بالخطاب الاشتراكى لكى تتلقى دعما من المتمردين الذين أعلنوا ـ بدورهم ـ عن تمسكهم بالمبادئ الديمقراطية لكى يحصلوا على الدعم الأمريكى. واذا تغيرت الظروف فقامت الحكومة بالاستعانة بالأمريكيين، فلا شك إن يونيتا ـ التى كانت تتلقى من قبل دعما من الصين ـ سوف تلجأ إلى الاتحاد السوفيتى !
وهناك تأثير آخر هام للأيديولوجية على الصراع الدولي، فهى قد تستخدم فى حشد الجماهير وراء هدف معين. وهذا ما فعله هتلر عندما تبنى حزبه ـ الحزب النازى ـ الأيديولوجية الفاشية، وسعى إلى الهاب حماس الجماهير ودفعهم إلى دخول الحرب العالمية الثانية. وقد أشار بريجنسكى ـ مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق ـ ذات مرة إلى إن اغلب ضحايا القرن الماضى راحوا بسبب الحماس الأعمى لما اسماه بـ ما وراء الأسطورة أى الاقتناع المطلق بالأيديولوجيات التى ساقت الناس إلى ابشع مصير .
وإذا اعتبرنا أن الديمقراطية أيديولوجية، فهى استثناء عن هذه القاعدة. فالمبادئ الديمقراطية صارت تظهر الآن وكأنها مبادئ دولية يجب على الجميع احترامها. وإذا استمرت موجة تحول مزيد من الدول إلى الديمقراطية فإن هذا سوف يقود ـ فى نظر البعض ـ إلى مزيد من الصراعات بين الدول الديمقراطية والدول غير الديمقراطية
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN13.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
288,196
ساحة النقاش