ثانيا : أبعاد مفهوم حقوق الإنسان:
مفهوم حقوق الإنسان هو أحد المفاهيم التى تتسم بالغموض والوضوح فى نفس الوقت، فهو مفهوم جد معقد. فمن ناحية، يمكن النظر إليه على أنه واضح وأن كل ما يمس الإنسان ويضره يعتبر مساسا بحقوقه. ولكن، من ناحية أخرى، فإن هذا المفهوم المبسط هو فى غاية التعقيد لأكثر من اعتبار:
1- إن ما يمس أنسانا ما، أو يعد ضارا به قد يعد ذا فائدة لآخرين. فالظاهرة الاستعمارية أفادت الدول الأوروبية وأضرت بالشعوب فى آسيا وأفريقيا. والتنقية العرقية فى البوسنة كانت موضع ترحيب الصرب والكروات ولكنها إبادة للمسلمين هناك وهكذا.
2- هناك التصور العام لمفهوم حقوق الإنسان الذى يحصرها فى حق الانتخاب وحق التعبير عن الرأى، أى فى البعد السياسى الفردى لحقوق الإنسان، وهذا ليس كافيا إذ أنه مفهوم جزئى وقاصر.
3- إن الإنسان فى ذاته كائن معقد التركيب ومعقد فى منطق التفكير. والتعقيد Complex هو عكس التبسيط، أى أن الإنسان يحتوى على عناصر عدة متواصلة فى علاقاتها ومتشابكة. وهذا ينعكس بدوره على مفهوم حقوق الإنسان.
وبناء على ذلك، فإنه يجب النظر إلى مفهوم حقوق الإنسان فى شموله وكلياته من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية:
1- البعد الجمعي لحقوق الإنسان:
هذا البعد يعد أهم هذه الأبعاد لأنه نقطة البداية. فالإنسان يعيش فى مجتمع ويستمد من هذا المجتمع الاعتراف بحقوقه ويستند لهذا المجتمع فى حماية هذه الحقوق. وقد أوضحت هذا المعني بجلاء المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقولها على كل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل. ويبرز البعد الجمعي لحقوق الإنسان فى ثلاثة مظاهر رئيسية هي:
أ- حق تقرير المصير:
لقد أوضح ميثاق الأمم المتحدة فى الفقرة الثانية من المادة الأولى أن من مقاصد الهيئة -أي المنظمة الدولية- إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية فى الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها. إلا أن الميثاق لم يطور مفهوم تقرير المصير ولم يجعله حقا إلا فى عام 1960، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها رقم 1541 المؤرخ فى 14 ديسمبر 1960، إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. إذ نصت الفقرة العامة الثانية من القرار المذكور على ما يلي لجميع الشعوب الحق فى تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتلى ذلك مزيد من التأكيد على حق تقرير المصير فى العهدين الدوليين لحقوق الإنسان.
ويرتبط بحق تقرير المصير حق الدولة فى السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية، وهو ما أكده قرار الجمعية العامة رقم 1803 بتاريخ 14/12/1962 وجعل السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية ركنا أساسيا من أركان حق تقرير المصير.
ب- حق الشعب فى اختيار نظامه السياسي والاقتصادي:
ربط ميثاق الأمم المتحدة فى المادة 55 بين التعاون الاقتصادي وبين حق تقرير المصير وبين السلام الدولي. وهذا الربط يعني حق كل شعب فى اختيار نظامه السياسي والاقتصادي لأن المساواة بين الشعوب لا تجعل لشعب سلطة فرض نظامه على آخر، إذ أن ذلك لن يؤدي إلى علاقات سليمة وودية بين الأمم.
ج- القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري:
أكد ميثاق الأمم المتحدة على المساواة وعدم التفرقة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين. وبعد مضي عدة سنوات وضعت المبادئ العامة هذه فى إطار أكثر تفصيلا. فصدر إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري واعتمدته الجمعية العامة بقرارها 1904 بتاريخ 20 نوفمبر 1963، ثم اعتمدت الجمعية العامة فى 21 ديسمبر 1965 بقرارها رقم 2106 الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والتي دخلت حيز النفاذ فى 4 يناير 1969. وقد سبق ذلك عدة اتفاقيات قطاعية مثل اتفاقية منع التمييز فى مجال الاستخدام والمهنة والتي أصدرتها منظمة العمل الدولية والتي اعتمدت فى عام 1958 ودخلت حيز النفاذ فى 15 يونية 1960، واتفاقية مكافحة التمييز فى مجال التعليم والتي اعتمدتها اليونسكو فى 14 ديسمبر 1960 ودخلت حيز النفاذ فى مايو 1962.
2- البعد الاجتماعي والاقتصادي:
عالجت مواثيق حقوق الإنسان هذا البعد فى عدة وثائق منها:
أ- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي وضع العديد من المبادئ ونص على مختلف الحقوق والحريات فى هذا الصدد، وأنشأ لجنة متابعة لفحص مدى التزام الدول الأطراف فى هذا العهد بنصوصه.
ب- إعلانات واتفاقيات دولية تفصيلية مثل إعلان مبادئ التعاون الثقافى الدولي، والإعلانات والاتفاقيات الخاصة بالطفل والزواج والأسرة والنساء والشباب، وإعلان الحق فى التنمية.
ج- الاتفاقيات الخاصة بالعمل والحقوق النقابية مثل اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، واتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، والاتفاقية الخاصة بممثلي العمال، واتفاقية علاقات العمل ونحو ذلك.
3- البعد السياسى والمدنى :
وقد تناولتهما مختلف المواثيق الدولية من ثلاث زوايا:
الأولى: تفصيل مختلف الحقوق فى الإطار العام للإنسان بوصفه كذلك، كما فى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة به، وغيرها من المواثيق ذات الصبغة العامة.
الثانية: تفصيل الحقوق الخاصة بقطاعات معينة من المجتمع اعتبرت قطاعات معرضة أو ضعيفةVulnerable مثل اتفاقية منع التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة، والمعاهدة الخاصة بالسكان الأصليين، والإعلان الخاص بالمعوقين، والإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا، والبروتوكول الخاص باللاجئين. والاتفاقية الخاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية ونحو ذلك.
الثالثة: توضيح حقوق المجتمعات والشعوب فى الظروف الطارئة مثل اتفاقية جنيف الرابعة بوضع المدنيين فى حالة الحرب ونحو ذلك من الاتفاقيات.
المصدر: أ. احمد منيسي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN71.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,883
ساحة النقاش