ولا يتوقف الأمر على هذه الأدوات الرئيسية التى سبق ذكرها ، فهناك وسائل أخرى متعددة ، تدير من خلالها الدول ، فى إطار سياسة منظمة أو أعمال تلقائية ، عملية التأثير ، منها :
أ - أدوات السياسة الداخلية ، فالتأييد الداخلى لأى نظام سياسى يمثل أحد أهم عناصر تأثيراته الخارجية. لذا توظف النظم أدوات مختلفة لكسبه أو تشكيله أو السيطرة عليه ، كما يمكن أن توظف النظم أدواتها التشريعية والتنظيمية وأوضاعها السياسية فى التعاملات الخارجية .
ب - الأدوات العلمية ـ التكنولوجية ، وترتبط باستخدام المعارف العلمية النظرية ، والتطبيقات العلمية المعملية كأدوات أساسية للتأثير ، كبرامج التبادل العلمى ، والمساعدة الفنية ، وبراءات الاختراعات ، وبرامج استكشاف الفضاء ، بأساليب مختلفة .
المهم فى ذلك ، أن هناك تقييمات مختلفة لأهمية كل أداة من الأدوات السابقة ، فمحللى المدرسة الواقعية يرون أن القوة العسكرية تمثل الأداة الرئيسية لقوة الدولة ، وينظرون إلى كل أدوات القوة القومية الأخرى (كالقدرات الإقتصادية ، أوالأدوات الدبلوماسية) ـ بل وموارد القوة كعدد السكان والمساحة الجغرافية ـ من زاوية دعمها أو إضعافها لقوة الدولة العسكرية، أى بالقدر الذى يمكن تحويلها بها أو عدم تحويلها إلى قوة عسكرية .
لكن مع ذلك ، فإن ثمة تيارا يشير إلى تقلص أهمية القوة العسكرية لصالح القدرات الإقتصادية فى مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة ، وتيار آخر متصاعد الأهمية يركز على تحول القوة من الاقتصاد (وريث القوة العسكرية) إلى المعرفة بأبعادها الثقافية ـ العلمية / التكنولوجية ، وتستند مثل هذه التيارات إلى مؤشرات مختلفة ذات أهمية بالفعل ، إلا أنها قد تثبت فى واقع الأمر أن أهمية القدرات الإقتصادية أو المعرفية قد تزايدت لتقترب من القوة العسكرية ، أو ربما تتفوق عليها فى مجالات معينة ، لكنها لا تثبت أن وزن القوة العسكرية قد تقلص .
وعلى أى حال ، فإنه أيا كانت أهمية أداة معينة نظريا ، فإن امتلاك الدولة لها عمليا يرتبط ـ كما سلفت الإشارة ـ بحجم ونوعية موارد القوة المتوافرة لكل دولة ، فموارد الولايات المتحدة تسمح لها بامتلاك مؤسسة عسكرية كالديناصور ، وصل متوسط النفقات (الدفاعية) المخصصة لها سنويا خلال التسعينات إلى 285 مليار دولار ، وهو رقم يزيد عما تنفقه كل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية (قارة أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى والكاريبى والمكسيك) ، وكذلك كندا ، ودول جنوب شرق آسيا واستراليا مجتمعة (245 مليار دولار) سنويا على جيوشها ، فهناك تفاوت واسع النطاق بين أحجام ونوعيات أدوات قوة الدول، تبعا لموارد كل دولة .
وفى الواقع ، فإن الولايات المتحدة حالة مضللة ، فكل دول العالم تقريبا تواجه العنصر الرئيسى من المشكلة الاقتصادية الأزلية ، وهو محدودية الموارد ، وبالتالى تجد نفسها فى مواجهة معضلة تخصيص الموارد فى اتجاه أو آخر . وتطرح هذه المسألة أحيانا فى إطار معادلات ثنائية العناصر ، كالإشارة إلى مشكلة الاختيار بين إمتلاك الدبابات (القوة العسكرية) أو حيازة الذهب (الموارد الإقتصادية) Tanks or Gold ، بما يثيره ذلك من إشكاليات ، فالدبابات أداة قوية فى تأثيراتها على المدى المباشر ، ويمثل عدم امتلاكها مصدر تهديد لأمن الدول ، بينما يعتبر الذهب أيضا موضع احترام عبر الزمن ، وقد تكون تأثيراته أقل ، فلن يمكنه ايقاف التهديدات على المدى القصير ، وقد تستولى الدبابات عليه ( كما تثير حالة غزو العراق للكويت عام 1990) ، إلا أنه يمكن تحويله على المدى الطويل إلى دبابات ، بينما لا يمكن تحويل الدبابات الى ذهب ببساطة . لكن على الرغم مما لمثل هذه التمارين الذهنية من انعكاسات عملية ، فإن كل دولة تحدد أولويات متدرجة فى أهميتها تبعا لظروفها الخاصة ، فى ظل عمليات مساومة داخلية حادة بين جماعات المصالح المختلفة عند إقرار الميزانية القومية.
إن ما هو معتاد هو أن كل دولة تمتلك عددا من قدرات القوة التى تتيحها لها مواردها ، فى ظل تعريف نخبتها السياسية لمصالحها وأهدافها القومية ، فموارد قطر على سبيل المثال لا تتيح لها إمتلاك قوة عسكرية ذات أهمية ، لكنها تتيح لها امتلاك قناة فضائية (أداة إعلامية) مؤثرة . وتقوم الدول ـ فى هذا الإطار ـ بتوظيف الأدوات المتاحة لها ، بأساليب مختلفة (كالضغط العسكرى ، والاتصالات الدبلوماسية ، والحصار الاقتصادى) فى وقت واحد ، لتحقيق أهدافها ، تبعا لأبعاد كل حالة . وقد أثبتت بعض الدراسات أن الأدوات الدبلوماسية هى بصفة عامة ، أكثر أدوات التأثير الخارجى استخداما من جانب الدول ، تتلوها الأدوات الاقتصادية، ثم الأدوات العسكرية التى ينظر إليها غالبا على أنها الملاذ الأخير .
لكن تعقيدات لجوء الدول إلى استخدام قدرات قوتها المختلفة لا تقف عند هذا الحد ، فقد أثبتت خبرة بعض فترات التاريخ ، بالنسبة لبعض الحالات، ما يلى :
أ - أن بعض الدول قد تتجه الى توظيف بعض أدوات القوة القومية أكثر من غيرها ، إذ أشارت بعض الدراسات إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما من أكثر الدول استخداما للأدوات العسكرية ، وأن الصين وكوبا (على سبيل المثال) من أكثر الدول استخداما للأدوات الدعائية خلال مرحلة الحرب الباردة ، وعادة ما يؤدى تكرارية استخدام أداة معينة إلى تشكيل صورة معينة حول سياسة الدولة التى تقوم بذلك ، كأن يشار إلى أنها تتبع سياسة قوة .
ب - أن توافر أداة قوة معينة لدى الدولة قد يغرى باستخدامها ـ أو بتكرارية اللجوء لاستخدامها ـ ضد الأطراف الأخرى . فالدول التى تمتلك جيوش كبيرة (فى ظل موازين قوى تتيح لها حرية حركة بالطبع) تميل الى استسهال التهديد باستخدامها فى التعامل مع مشاكلها ، فى حالة ما إذا كانت هناك إمكانية ( ولو ضئيلة) لتأثر التفاعلات المتصلة بتلك المشكلة بذلك ، كما كانت كوريا الشمالية والعراق تفعلان إزاء الدول المجاورة .
ومن المؤكد أن هناك علاقة بين امتلاك أدوات القوة والقدرة على التأثير فى سلوك الآخرين ، لكن مثل كل عمليات ممارسة القوة ، قد لا يكون وجود القدرات كافيا وحده للتمكن من التأثير على الآخرين ، فهناك عدة متغيرات وسيطة تحيط بذلك ، أهمها ـ بالإضافة الى قابلية أداة القوة ذاتها للاستخدام عمليا ـ ما يلى :
1 - الإرادة + الكفاءة لدى الطرف الفاعل فى استخدام أدوات القوة فى إطار المحددات المعقدة المحيطة بعملية التأثير، وبينها موازين القوى القائمة بين الطرفين . ففى أحيان كثيرة يرتبط النجاح أو الفشل فى التأثير بصلابة / ليونة الإرادة ، أو توافر / عدم توافر الكفاءة ، فالعوامل غير المادية ذات أهمية حيوية مكملة .
2 - إدراك الطرف الآخر لوجود عناصر القوة المحددة (المعبأة) لدى الدولة ، ووجود إرادة مؤكدة ومهارة متصورة بشأن استخدامها . فقد تتجاهل / أو لا تدرك الدولة الأخرى وجود ذلك ، مما يطرح احتمالات معقدة بشأن عملية التأثير برمتها ، فإدراك القوة يكون أحيانا بنفس درجة أهمية وجودها .
ولا يعنى ذلك أن القدرات قد تكون غير مؤثرة ، أو أنه يمكن الشك فى ذلك ، لكنه يعنى أن هناك محددات مختلفة تحيط بعملية التأثير ، وتؤثر فى نتائجها النهائية ، فامتلاك أدوات القوة لا يكفى وحده لتحقيق الأهداف ، ولكن بدون امتلاك تلك الادوات فإن أية دولة تصبح خارج اللعبة .
المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN64.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,885
ساحة النقاش