العولمة - فى حد ذاتها - ليس لها انتماء قومى أو دينى، وبالتالى فهى ليست موجهة ضد أحد، وإنما تتيح لجميع الأفكار والمعتقدات والأديان التعبير عن نفسها بحرية. ولكن فرص التفاعل الثقافى التى تتيحها العولمة مرتبطة باستخدام آليات العصر، وتطوير وسائل التعبير عن الذات للحفاظ على الهوية الثقافية مع القبول بالمبادئ العامة للإنسانية.

وعلى ذلك، فإن رفض العولمة باعتبارها تهديدا للقيم الإسلامية هو فى كثير من الأحيان من قبيل الخوف من المجهول، أو التردد فى تطوير الأساليب اللازمة لمواكبة الظروف المتغيرة.
ومع ذلك فهناك العديد من المحاولات الساعية للتعبير عن الإسلام بلغة العصر، وتظهر على صفحات الإنترنت العديد من المواقع التى تعرف بالدين الإسلامى وتفسر القرآن الكريم.
والأمر نفسه ينطبق على البث المباشر والفضائيات، فالبعض كان يتحدث عن الدش باعتباره مفسدة للأخلاق فى بداية انتشاره فى الدول العربية والإسلامية، ولكن ما لبثت أن ظهر العديد من القنوات العربية الفضائية التى تلائم احتياجات مجتمعاتها، وبعض تلك القنوات مخصص لتوضيح تعاليم الإسلام ومنها برامج دينية إسلامية باللغة الإنجليزية، مثل محطة إقرأ على سبيل المثال.
وأخيرا، تلعب مؤسسات المجتمع الأولية فى كل المجتمعات، وأهمها الأسرة والمدرسة، دورا بارزا فى حماية ثقافة وقيم المجتمع الأساسية الدينية منها أو القومية، كما تلعب دور المصفاة لاختيار ما يناسب كل مجتمع من الوافد الجديد واستبعاد أو تحييد التأثيرات غير المواتية. فالمجتمعات الآسيوية مثلا هى من أكثر المجتمعات فى العالم الثالث اندماجا فى مضمار العولمة، وهى تحافظ فى نفس الوقت على طابعها القومى وقيمها الأساسية، وعلى رأسها احترام الأسرة، والجماعة.


الخــــاتـــمـة

إن الحديث عن العولمة يثير تناقضات لا حصر لها ما بين أسلوب الحياة الذى اعتدناه، والتغيرات الجديدة التى تفرضها العولمة يوما بعد يوم، سواء المواجهة بين الثقافة المحلية والثقافة الوافدة، أو بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة، أو بين الوطنية والعولمة. وكل تلك القضايا الجديدة التى تثيرها العولمة هى قضايا مفتوحة للحلول والإبداعات الإنسانية. فالعولمة واقع جديد يفرض التحديات التى تحتاج إلى إعمال العقل لتشكيل الأساليب الجديدة والملائمة للاستفادة من الفرص التى تتيحها وتجنب ما تحتوى عليه من مخاطر.
ومسيرة العولمة ليست بمعزل عن إرادة البشر، والجماعات، والدول. بل إن العولمة نفسها -كما رأينا- تتيح قدرا كبيرا من إمكانيات التأثير لمراجعة أهدافها المبدئية، وتعديل مساراتها بشكل مستمر.
والعولمة فى اللحظة الراهنة هى عالم لا نهائى من التناقضات، فهى تعنى تلاشى المسافات وانكماش العالم واندماجه من خلال البث الفضائى، الإنترنت، والفاكس، ومع ذلك يتزايد الشعور بالانقسام بين دول متقدمة ودول متأخرة، وأغنياء وفقراء داخل الدول. وفى الوقت الذى تتيح فيه العولمة فرصا متزايدة لتحقيق النمو الاقتصادى، فهى تفرض صعوبات متزايدة أمام بعض الدول النامية وخصوصا الدول الأقل نموا.
وفى الوقت الذى تتيح فيه العولمة اهتماما غير مسبوق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن بعض الدول الكبرى قد تسيئ استخدام هذه المبادئ للتدخل فى شؤون بعض الدول. وفى نفس الوقت قد ترفض بعض الدول، خاصة فى العالم الثالث الالتزام بهذه المبادئ العالمية، بحجة أنها لا تناسب خصوصيتها الثقافية لتتهرب من الالتزام ببعض الحقوق الأساسية لمواطنيها مثل الحق فى محاكمة عادلة، واتفاقيات منع تعذيب المسجونين والمتهمين.
والعولمة وهى تتيح فرصا هائلة للتفاعل الثقافى العالمى، فهى تقصره على القلة التى تتحدث الإنجليزية وتستطيع الاتصال بشبكة الإنترنت. والعولمة وهى تخلق نزعات استهلاكية متزايدة من خلال نشر أنماط استهلاك معينة عبر فئات أكبر من البشر، تفرض فى نفس الوقت ظروفا أصعب على معيشة أعداد متزايدة من البشر، وإمكانهم الوفاء بالحاجات الأساسية فضلا عن الاستهلاك المبالغ فيه.
وأخيرا، فإن مكان وقوع الدولة أو الفرد على أحد طرفى النقيض، يعتمد إلى حد بعيد على بناء القدرات الذاتية، فالعولمة تضع الفرد فى حالة تحدٍ دائم مع بيئته بحيث يحاول استغلال الفرص التى تتيحها وتجنب المخاطر التى تنطوى عليها، وتحدد استجابته هذه، موقعه فى عالم العولمة.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN58.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 107 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

271,287