كلمة الدستور هى الترجمة العربية المعاصرة لكلمة CONSTITUTION باللغة الانجليزية. وقد اشار قاموس وبستر الى عدة معانى لهذه الكلمة منها بناء القانون ، أو نموذج تنظيم الدولة والمجتمع، خاصة فيما يتعلق بتوزيع القوة والسيادة ، أو مجموعة المبادئ والقوانين الأساسية التى تحدد قوة وواجبات الحكومة ، وتضمن حقوقا معينة للمواطنين فيها. وأخيراً يقول قاموس وبستر بأنها تعنى الوثيقة المكتوبة والتى تتضمن قواعد التنظيم الاجتماعى والسياسى 

وتشير قواميس اللغة العربية الى ان كلمة دستور تعنى الدفتر الذى تكتب فيه أسماء الجنود ومرتباتهم ، أو القاعدة التى يعمل بمقتضاها ، وهى فى القانون مجموعة القواعد الأساسية التى تبين شكل الدولة ، ونظام الحكم فيها ، ومدى سلطتها إزاء الأفراد 
ويذكر برنار لويس فى كتابه لغة السياسة فى الإسلام ان كلمة دستور هى كلمة فارسية استخدمها العرب والفرس والترك وتظهر فى اللغات الثلاث بمعنى المستشار ، بل تظهر أحيانا كلقب من ألقاب التشريف للصدر الأعظم ( رئيس الوزراء ) فى الدولة العثمانية. وفى العربية تستخدم بمعانى عديدة ، تشمل النمط والصيغة الجارية ، وقائمة الضرائب والسجل ، والمعنى الأكثر شيوعا هو القاعدة والنظام، وبخاصة قائمة القواعد والسلوك فى النقابات. وفى لغة البيروقراطية ( الإدارة ) العثمانية ، ظهرت صيغة دستور العمل ، كدلالة فى الغالب على كتاب القواعد أو الكتيب الذى يحتوى على أسلوب ممارسة قسم من أقسام الإدارة ويرى أنه استخدم فى هذا المعنى عندما استدعت الحاجة مرادفاً للمصطلح الأوروبى CONSTITUTION 
وأول من ترجم للدساتير فى اللغة العربية هو رفاعة رافع الطهطاوى، حيث ترجم الميثاق الـدستورى الفرنسى الصادر فى 4 يونيو سنه 1814 والذى أصدره الملك لويس الثامن عشر 
وفى كتابه تخليص الابريز يقول الطهطاوى : والقانون الذى يمشى عليه الفرنساوية الآن ويتخذونه أساسا لسياستهم هو القانون الذى ألفه لهم ملكهم المسمى بلويز الثامن عشر ولازال متبعا عندهم ومرضيا لهم ، والكتاب المذكور الذى فيه القانون يسمى الشرطة ، ومعناها فى اللغة اللاتينية ورقة ثم تسومح فيها وأطلقت على السجل المكتوب فيه الأحكام المقيدة 
ويعلق على هذا د محمود فهمى حجازى فى كتابه أصول الفكر العربى الحديث عند الطهطاوى بقوله : الشرطة المصطلح الذى نقله رفاعة عن كلمة CHARTE الفرنسية استخدم عنده للتعبير عن CHARTE CONSTITUTIONNELLE وترجمتها الميثاق أو العهد أو الوثيقة الدستورية ، وعلى هذا فما يعنيه الطهطاوى فى كتابه بالشرطة ، يتناول ما جاء فى الدستور الفرنسى الصادر فى 4 يونيه عام 1814 ، ولاعلاقة بين كلمة الشرطة بفتح الشين ، أو الشرطة بضمها بالكلمة التى استخدمها الطهطاوى فالكلمة التى استخدمها الطهطاوى هى النقل المباشر للكلمة اليونانية المتأخرة CHORTE عن الكلمة الأقدم COHORS بنفس المعنى وهو العهد أو الميثاق
أما كلمة الدستور وهى الكلمة المقابلة فى الاستخدام المعاصر لكلمة الشرطة عند الطهطاوى ، فقد كانت معروفة آنذاك بمعنى لائحة قانونية مثل دستور الأعمال الاقرباذينية لحكماء الديار المصرية .
والواقع انه يمكن القول بأن كلمة الدستور من المصطلحات السياسية التى يقترب فيها المدلول اللغوى من المدلول السياسى والقانونى الى حد كبير وهو ما سيتأكد فى موضع آخر من هذا الكتاب، إلا ان السؤال الذى نطرحه الآن يرتبط بالجانب التاريخى لمصطلح الدستور من حيث الاستخدام السياسى، ومن حيث ارتباطه بتطور النظم السياسية، وسنعرض لذلك أولا فى أوروبا ثم فى العالم الإسلامى والعربى 

أولا : تطور المفهوم السياسى لمصطلح الدستور فى العالم الغربى :
كان فلاسفة اليونان أول من تناول مصطلح الدستور بالمدلول السياسى ، وإن كان أبرزهم فى تأصيل الدستور كمفهوم من المفاهيم السياسية الهأمة هو أرسطو الذى أفرد فى كتابه السياسة شرحا مطولا للدساتير التى ظهرت فى دول المدينة اليونانية القديمة ،حيث يتناول كل دستور من هذه الدساتير بالشرح والتحليل مبينا مزايا وعيوب كل منها ومصنفا الدول تبعا لهذا التحليل. وقد قام ارسطو بدراسة حوالى 150 دستورا من دساتير المدن اليونانية ليصل فى النهاية الى نتائج هأمة تدور حول ما يمكن تطبيقه من قواعد وردت بهذه الدساتير وكأنه يقول للكافة انه ليس المهم ما تشتمل عليه الدساتير من مبادئ وقيم وقواعد للتنظيم السياسى فى المجتمع، وانما الأهم هو القدرة على التطبيق ، أو تطبيقها بالكفاءة المطلوبة لتحقيق الأهداف التى وضعت من اجل تحقيقها 0
وإذا كانت بداية استخدام مصطلح الدستور كمفهوم سياسى قد بدأت فى اليونان القديمة، الا ان الاستخدام الحديث والمعاصر لهذا المصطلح قد ارتبط بنظريات العقد الاجتماعى والتطور الديموقراطى الذى بدأ فى أوروبا. فلقد شهدت أوروبا منذ أوائل القرن الحادى عشر نضالا حاميا مثلث الأطراف بين البابوية والملكية والاقطاع ، ولم يكن الشعب طرفا فى هذا الصراع ولكنه كان أداته ، ولذلك استشعر قوته اذا جاءت الغلبة للفريق الذى ناصره ، وانتهى به الأمر الى فرض سيادته على السلطة السياسية تستمد منها شرعيتها بدلاً من المصدر الالهى للشرعية ، والشرعية تعنى بإيجاز الرضا والقبول من جانب المحكومين تجاه الحاكمين 
ويذكر د0 ضاهر غندور الباحث السياسى اللبنانى، فى دراسة له بعنوان جذور الديموقراطية الحديثة نشرها عام 1993، ان تباين التحالفات ادى الى نشوء سبيلين متباعدين قبل الوصول الى هذه النتيجة النهائية ، وهما : النهج النظرى الفرنسى الذى انبثق من احتضان الشعب للملكية واحتدام الجدل حول السيادة والنهج التجريبى الانجليزى الناتج عن تحالف الشعب مع النبلاء وتوسيع المشاركة فى الحكم بالتدرج فتكون البرلمان وترسخت سلطته حتى اكتمل النظام البرلمانى ، وعبر هذا الصراع الطويل صدر العديد من المواثيق والقوانين التى مثلت الاسس فى تحقيق التطور الدستورى وصولا الى النظم الديموقراطية الدستورية 

 

 

المصدر: د. محمد سعد ابو عامود - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN42.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 847 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

267,319