ثانيا - منظمة الوحدة الافريقية
فى الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1963 ، وقعت اثنتان وثلاثون دولة على ميثاق منظمة الوحدة الافريقية. وكان لهذا التاريخ موقعه فى وجدان الدول الافريقية الموقعة على الميثاق ، فمن ناحية جسد هذا التاريخ شهادة ميلاد لأول منظمة اقليمية تضم كافة الدول الافريقية المستقلة، ومن ناحية ثانية بدت المنظمة كمحاولة جادة للتغلب عما فشلت فيه باقى التجمعات الافريقية القائمة فى ذلك الوقت بين دول القارة مثل مجموعة الدار البيضاء ومجموعة برازفيل ومجموعة مونروفيا وخاصة فيما يتعلق بالخلاف على الحدود القائمة بين هذه الدول. فمن المعروف أن سياسات الاستعمار الخاطئة فى رسم الحدود وعدم مراعاته للفروق الاثنية والعرقية للشعوب الأفريقية، أدى إلى نشوب العديد من الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة.
لذا فقد اعتبرت منظمة الوحدة الأفريقية منبرا افريقيا لتسوية الخلافات بالطرق السلمية بين دول القارة من ناحية، وقناة اتصال لتدعيم الحوار والتعاون بين دول نامية حصل معظمها حديثا على الاستقلال من ناحية ثانية. بالإضافة لتواكبها كتكتل افريقى مع التطورات الدولية فى تلك الفترة. وفى هذا الاطار، تبنت منظمة الوحدة الأفريقية بعض الشروط الإجرائية البسيطة لاكتساب العضوية فيها، الأمر الذى أدى لاتساع عضويتها ليشمل كافة دول القارة الـ 53، وكان آخر المنضمين لعضويتها اريتريا بعد استقلالها عام 1993.
أما على صعيد التحرك المصرى ودوره فى المساهمة فى قيام منظمة الوحدة الافريقية، فمن الملاحظ انه اتسم بالديناميكية والرؤية القائمة على السعى نحو بناء شبكة علاقات دولية جديدة تعمل على تحقيق هدف التحرر الوطنى، وتجعل من مصر قاعدة انطلاق لحركات التحرر الوطنى فى العالم الثالث. ولذا احتلت القارة الافريقية المجال الثانى ( بعد المجال العربى) فى ترتيب أولويات التحرك المصرى على المسرح الدولى، وحرصت مصر على التوافق مع حركة الوحدة الافريقية ( رغم تباين اتجاهاتها واختلاف أشكالها وغياب التوحد الايديولوجى)، والمشاركة الفاعلة فى بناء تجمع افريقى بدءا من مؤتمر أكرا عام 1958 والذى عقد بدعوة من الرئيس نكروما ، وضم ثماني دول افريقية هى : مصر، غانا، ليبيا، تونس، المغرب، السودان، اثيوبيا، ليبيريا. ويعد هذا المؤتمر اول مؤتمر يجمع رؤساء الدول الافريقية المستقلة ، وهو ما انعكس على مجمل قراراته وسيادة روح الفكر التحررى حيث أدان سياسية التفرقة العنصرية ، واعترف بحق الشعب الجزائرى فى الاستقلال و تقرير مصيره، وأكد على أهمية احترام السيادة السياسية والوحدة الإقليمية للدول الافريقية ، وضرورة تسوية المنازعات فى إطار افريقى بالوساطة والتوفيق.
1ـ قيام المنظمة:
عقد المؤتمر التأسيسى لمنظمة الوحدة الافريقية فى أديس ابابا عاصمة اثيوبيا فى الفترة مابين 15ـ 23 مايو 1963 بحضور وزراء خارجية ثلاثين دولة بهدف الإعداد لمشروع ميثاق للمنظمة الجديدة وترتيب مؤتمر قمة لرؤساء الدول في الفترة من 23ـ 28 مايو 1963 في أديس أبابا، وهو المؤتمر الذي أقر ميثاق اديس ابابا المنشئ للمنظمة. وقد حضر هذا المؤتمر رؤساء دول وحكومات 31 دولة افريقية، هي: الجزائر، وبوروندى، والكاميرون، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، والكونغو( برازافيل)، والكونغو (اليوبولدفيل)، وداهومي (ناميبيا)، واثيوبيا، والجابون، وغانا، وغينيا، وساحل العاج، وليبيريا، وليبيا، ومدغشقر، ومالى، وموريتانيا، والنيجير، ونيجيريا، ورواندا، والسنغال، وسيراليون، والصومال، والسودان، وتنجانيقا (تنزانيا)، وتوجو، وتونس، وأوغندا، والجمهورية العربية المتحدة، وفولتا العليا.
وقد أبرز مؤتمر القمة الأول أربعة اتجاهات متباينة حول مفهوم الوحدة والمنظمة، يمكن رصدها فى التالى:
ـ الاتجاه الأول يرى العمل على إقامة تنظيم أفريقى يصدر عنه ميثاق يرتبط بالمجموعات الافريقية القائمة او أن يماثل ميثاق حلف الأطلنطى. وقد بدأ هذا الاتجاه غير واقعى نظرا لتماثل توجهات دول الحلف فى وقت لا تتوافر هذه السمة لدى الدول الافريقية.
ـ الاتجاه الثانى دعا لإعلان مبادئ عامة تحظى بموافقة الجميع وأن تكون المنظمة الجديدة اقرب لنموذج منظمة الدول الأمريكية.
ـ الاتجاه الثالث حرص على تغليب الطابع الاقتصادى كإطار لعلاقات التعاون بين دول المنظمة وخاصة فى مجالات النقل والمواصلات والخبرة الفنية.
ـ الاتجاه الرابع والأخير كان الأكثر طموحا فى الدعوة لتحقيق وحدة فيدرالية، ولكنه لاقى مخاوف عديدة من غالبية الدول .
ومابين الاتجاهات السابقة ، انتهت اعمال المؤتمر بقيام منظمة الوحدة الافريقية بموجب الميثاق الذى وقعته الدول المؤسسة. وقد جاء الميثاق بمواده الـ 23 ولغاته الأربع الرسمية (اللغة العربية والأمهرية والانجليزية والفرنسية) معبرا عن صيغة وسيطة بين انصار الوحدة وبين الرافضين لها، ولذا فهو يستند الى مجموعة من الأحكام غير الملزمة او المقيدة للدول الاعضاء وينطلق من كون المنظمة أداة للتنسيق والتعاون بين الدول الافريقية. وبالتالى فهو يدعم فكرة التعاون الافريقى ولكنه لا يصل بها الى حد تطبيق فكرة الحكومة الافريقية.
وإلى جانب الدول المؤسسة أخذت باقى الدول الافريقية فى الانضمام الى المنظمة كل بعد استقلاله، ولم يخرج عن هذه القاعدة سوى المغرب وتوجو اللتين انضمتا للمنظمة فى عام 1964، فقد رفضت المغرب المشاركة فى المؤتمر الأول احتجاجا على مشاركة موريتانيا حيث اعتبرتها جزءا من الأرض المغربية، فى حين كان تحفظ الكثير من الدول الأعضاء على النظام الحاكم فى توجو سببا فى عدم حضورها. وفى هذا السياق، ترك الميثاق باب العضوية مفتوحا كحق تمارسه كل دولة أفريقية ذات سيادة.
وقد دارت عجلة التعاون سريعا من خلال الاتفاق على آليات عمل موحدة. فعلى المستوى السياسى نجد ان قضية التحرر الوطنى التى مثلت الشغل الشاغل لكافة دول القارة قد استحوذت على الاهتمام الاكبر من جهود العمل المشترك. فقد تم الاتفاق فى نفس العام (عام 1963) على إنشاء لجنة التنسيق لتحرير أفريقيا كإحدى لجان المنظمة، وهى لجنة ذات صبغة عسكرية اهتمت بدعم وتنشيط حركات التحرير الافريقية ضد الاستعمار. كما يلاحظ ان المنظمة سعت دائما للوساطة فى اى نزاع ينشب بين أعضائها. ورغم عدم نجاح هذه الجهود فى الكثير من الأحوال، الا أنها سعت دائما الى ترسيخ قاعدة الحوار واللجوء الى الطرق السلمية وقدسية الحدود القائمة، كمنهاج حاكم لكافة تحركاتها.
أما على مستوى قضايا التنمية، فقد احتلت مسألة الديون الافريقية حيزا كبيرا من جملة الاجتماعات واللقاءات المشتركة التى جمعت الدول الاعضاء فى المنظمة، وخاصة فى أواخر السبعينات، حيث دعا مجلس وزراء المنظمة في الدورة العامة الثلاثين في طرابلس من 20 الى 28 فبراير 1978 حكومات البلدان المتقدمة الى قبول مقترحات الدول النامية بشأن إجراءات تخفيض الديون المتراكمة.
وفي 28 - 29 أبريل 1980 أقر أول مؤتمر قمة اقتصادي تابع لمنظمة الوحدة الافريقية الخطة المعروفة بـ خطة لاجوس والتي تركزت على عدة نقاط أهمها التعاون في مجالات الغذاء والزراعة وتنمية الموارد البشرية والتجارة. وفي 3 يونيو 1991 وقع رؤساء الدول الأفريقية على المعاهدة المؤسسة للجماعة الاقتصادية الأفريقية في ابوجا والتي تنص على التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء من خلال التضامن على ان يتم ذلك بصفة تدريجية خلال فترة انتقالية أقصاها أربعة وثلاثين عاما مقسمة إلى مراحل .
ساحة النقاش