د ـ اللجان:
إعمالا لنص المادة 20 من الميثاق قرر مجلس رؤساء الدول إنشاء العديد من اللجان الفنية. وهذه اللجان تتكون من الوزراء المختصين أو غيرهم من الوزراء أو المفوضين الذين تقوم حكومات الدول بتعيينهم لهذا الغرض. ومن ابرز هذه اللجان:
(1) اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، وتهدف إلى تحقيق التعاون بين الدول الأفريقية وتنسيق هذا التعاون من أجل رفع مستوى المعيشة في الدول الأفريقية وتطورها الاقتصادي والاجتماعي.
(2) لجنة الدفاع : وتعمل على تنفيذ ما قد يعهد إليها به من قبل مؤتمر رؤساء الدول والحكومات فى حالة العدوان او التهديد بالعدوان، كما تدرس ما يحيله اليها المؤتمر وإصدار ما تراه من توصيات لتأمين الدول الأعضاء.
(3) لجنة القانونيين الأفارقة: وهي وليدة ما تبلور من أفكار في مؤتمر القانونيين الأفروآسيويين في مدينة كونا كري في 15 أكتوبر 1962 وقد صدر قرار باعتبارها لجنة تابعة للمنظمة وهي لجنة استشارية وليست متخصصة.
(4) لجنة التنسيق لتحرير أفريقيا: أنشئت هذه الجنة بموجب قرار من مؤتمر القمة الأول، دون ان ينص ميثاق منظمة الوحدة الافريقية على إنشائها . ومهمتها هي تنسيق المعونات المقدمة لحركات التحرر الوطني في البلاد الأفريقية. وكانت المساعدات تقدم الى حركات التحرير التى اعترفت بها المنظمة ، وهى: منظمة شعوب جنوب غرب أفريقيا(S W A P O) ، المؤتمر الوطنى الافريقى لزيمباوى ( A N C )،الجبهة الوطنية لتحرير ساحل الصومال (F L C S )، المؤتمر الوطنى الافريقى( جنوب افريقيا)، المؤتمر الافريقانى لجنوب افريقيا ( C P A )، حركة تحرير جيبوتى( M L D ). والجدير بالذكر هنا أن هذه الحركات قد تمتعت بصفة مراقب لدى المنظمة.
(5) لجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم ، وتعود أهميتها إلى طبيعة مشكلات القارة وتعددها. ووفقا للمادة التاسعة عشرة من الميثاق يلتزم الأعضاء بتسوية خلافاتها بالطرق السلمية. وقد حدد البروتوكول اللاحق الذى اعتبر جزءا لا يتجزأ من الميثاق، والذى تم توقيعه فى مؤتمر القاهرة عام 1964 شكل هذه اللجنة. وتتكون اللجنة من 21 عضوا ينتخبهم مؤتمر رؤساء الدول والحكومات كل خمس سنوات ، كما يعين المؤتمر من بين هؤلاء الأعضاء هيئة للمكتب تتكون من الرئيس ونائبى الرئيس، وكل أعضاء اللجنة وهيئة المكتب غير متفرغين.
والى جانب اللجان السابقة ، هناك عدد آخر من اللجان المتخصصة مثل لجنة التربية والثقافة ، ولجنة الصحة والرعاية الصحية والتغذية ، ولجنة الدفاع ، واللجنة العلمية والتقنية والأبحاث، وهناك ايضا اللجان الدائمة مثل اللجنة الاستشارية للميزانية والشئون الادارية، ومجلس المراجعين الخارجيين ، ولجنة اللاجئين. وهناك كذلك اللجان المؤقتة ذات المهام الخاصة، مثل اللجنة العسكرية، ولجنة خبراء قانون البحار، ولجنة الخبراء القانونيين، ولجنة خبراء الاعلام.
وبالاضافة الى هذه اللجان هناك تنظيمات فئوية مثل الحركة الافريقية للشبيبة التى تأسست عام 1962 ومنظمة الوحدة النقابية الافريقية الذى تأسس عام 1973، واتحاد البرلمانات الافريقية الذى تكون عام 1976، والاتحاد الافريقى للمحامين الذى تكون عام 1980.
4 ـ مصر ومنظمة الوحدة الافريقية:
لعبت مصر دورا أساسيا ومحوريا فى دعم فكرة بناء تكتل افريقى يجمع كافة الدول الافريقية المستقلة.وفى هذا الإطار انتهجت مصر سلوكا تضامنيا مع قضايا القارة الافريقية والانطلاق من قاعدة وحدة المصير الى إيجاد حالة من التوافق السياسى العام وخاصة تجاه قضية التحرر الوطنى. وقد استند التحرك المصرى لتحقيق هذا الهدف الى نشاط دبلوماسى مكثف على محورين اثنين هما : مناهضة الاستعمار والامبريالية، وتعزيز الافريقية او تعزيز الانتماء الافريقى لمصر.
ولذا لم يكن الدور المصرى المساند لقيام المنظمة وتحقيق الوحدة الافريقية، مرتبطا بتاريخ قيامها ولكنه كان محصلة لجهود سابقة، ارتبطت بالتحديد بمؤتمر أكرا عام 1958 ـ والذى عكس فيه الرئيس جمال عبد الناصر روح ومبادئ سياسة عدم الانحياز الذى سبقت الإشارة اليه ـ وحضورها مؤتمر الشعوب الافريقية الذى انعقد فى تونس فى الفترة من 25الى 31 يناير1960 والذى استضافت القاهرة مؤتمره الثالث فى العام التالى، وحضورها مؤتمر الدار البيضاء عام 1961.
واتساقا مع التحرك المؤسسى السابق من جانب القيادة المصرية، كان دورها الفاعل فى المؤتمر التمهيدى الذى جمع وزراء خارجية الدول الافريقية، والمؤتمر التأسيسى الذى تلاه وضم رؤساء الدول والحكومات الافريقية عام 1963 بإثيوبيا. فقد شاركت مصر فى اللجنة الخاصة ببحث المشكلات المرتبطة بالعلاقة بين القارة الافريقية والأمم المتحدة. كما شاركت فى اللجنة الخاصة بدراسة موضوع نزع السلاح. وقد نجحت مصر فى ترجيح كفة مبدأ عدم الانحياز كمبدأ عام لعمل المنظمة، وفى إضافة اللغة العربية كإحدى لغات المنظمة. كما نجحت فى التعامل مع الحساسيات الافريقية التى تولدت تجاه قضية فلسطين على جدول اعمال المؤتمر التأسيسى. كذلك سعت مصر لاستضافة عدد من الاجتماعات التحضيرية والتأسيسية فى اطار منظمة الوحدة الافريقية، فعلى سبيل المثال عقد بها مؤتمر وزراء العمل فى ديسمبر عام 1963 والذى تولى بحث الأوضاع فى جنوب افريقيا ، والحركات العمالية الوطنية، وكذلك تنسيق العمل فى المجال التشريعى والفنى والاجتماعى فيما يخص العمل والعمال فى افريقيا.
وقد كانت استضافة مصر مؤتمر القمة الأول (17ـ 21 يوليو 1964) تأكيدا على نجاح دورها وقبوله من جانب معظم الدول الافريقية، وخاصة انه يعد استكمالا لمؤتمر اثيوبيا التأسيسى. فقد نجح هذا المؤتمر في تثبيت دعائم العمل الأفريقي المشترك، من خلال إصداره لعدد من القرارات أهمها: تكوين أمانة عامة للمنظمة فى المقر الدائم بأديس ابابا، والتوقيع على بروتوكول لجنة الوساطة والتحكيم، وتدعيم لجنة التحرير، والتأكيد على القرارات السابقة الصادرة عن المؤتمر التأسيسى للمنظمة بأديس أبابا وبخاصة تلك المتعلقة بالموقف فى جنوب افريقيا وضرورة المقاطعة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية للنظام العنصرى فى جنوب افريقيا. كما شهدت هذه القمة انتخاب الرئيس جمال عبد الناصر كأول رئيس للمنظمة.
ومنذ توقيع مصر على ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963، حرصت على الحفاظ على روح هذا الميثاق، والمساهمة فى تحقيق أهدافه رغم صعوبة الظروف المحيطة بالقارة الافريقية.
فعلى مستوى تسوية المنازعات الافريقية، نجد ان الدور المصرى قد بدأ مع مرحلة إعداد مشروع بروتوكول لجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم، حيث ضمت اللجنة التى أوكل لها إعداد هذا البروتوكول كلا من مصر، وغانا، وليبيريا، ونيجيريا، والصومال، ومالى، وتنزانيا. كما شاركت مصر فى كافة المراحل التى تم خلالها تعديل عمل هذه اللجنة سواء عام 1975 او عام 1978. كذلك تنوعت جهود مصر على هذا المستوى لتشمل اتصالات مباشرة بأطراف النزاع، والتحرك الدبلوماسى الجماعى، والمشاركة فى قوات حفظ السلام.وقد برز هذا الدور بشكل واضح فى العديد من النزاعات مثل النزاع الاثيوبى الصومالى، وفى الحرب الأهلية فى الكونغو (فى فترة الستينات)، والحرب الأهلية فى نيجيريا( اقليم بيافرا) والحرب الأهلية فى الصومال ( فى التسعينيات)،والحرب الاهلية فى السودان، والنزاع الموريتانى السنغالى.
وإلى جانب الجهود الدبلوماسية المباشرة ، سعى التحرك المصرى للبحث عن أدوات اكثر فاعلية لتسوية المنازعات بشكل مؤسسى ، لذا فقد تقدمت بورقة عمل إلى القمة الـ 28 التى عقدت في السنغال في الفترة 29 يونية وحتى أول يوليو 1992 وتبنت الورقة الدعوة إلى إنشاء جهاز لتسوية المنازعات وحلها بين الأشقاء الأفارقة في مهدها ومنع وصولها إلى مرحلة الانفجار. وقد صدر عن القمة قرار باعتماد مبدأ إنشاء آلية لمنع وإدارة وحل المنازعات بين الدول الأفريقية في إطار المنظمة. وفى هذا السياق تم عقد دورات لتدريب الكوادر الأفريقية على أساليب حفظ السلام وتسوية المنازعات في جميع أنحاء القارة في شهر يونيو 1995. كما تضمنت مشاركة مصر في مؤتمر رؤساء الأركان الأفارقة بأديس أبابا في عام 1996 الدعوة لإنشاء مركز للعمليات والإنذار المبكر ضد المنازعات والحروب الأفريقية.
أما على مستوى محاربة التفرقة العنصرية، فقد استند الموقف المصرى على مجموعة من المبادئ الأساسية منها: رفض كل ما هو عنصرى، ورفض اعتبار التفرقة العنصرية مسألة داخلية، والربط بين الاستعمار والتفرقة العنصرية واعتبارهما شيئا واحدا قائما على الاستغلال، وأخيرا اعتبار هذا الموقف التزاما دوليا.
ولذا انتهجت السياسة المصرية خطا ثابتا فى رفضها لسياسة التفرقة التى أقامتها الدول الاستعمارية فى بعض الدول الافريقية مثل جنوب افريقيا ، وزيمبابوى، وناميبيا. ولجأت لمنهاج المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية للدول الاستعمارية والنظم العنصرية فى القارة، فقطعت العلاقات الدبلوماسية مع جنوب افريقيا عام 1961 وحكومة الأقلية البيضاء فى روديسيا عام 1965.
ساحة النقاش