authentication required

 

-3.  تجدد الاهتمام بالحياة البرلمانية :
يشهد العالم مزيدا من التحولات نحو الديمقراطية السياسية والتعددية الحزبية، وبالتالى يزداد النقاش حول دور البرلمان فى هذا التطور الديمقراطى، كما يزداد الاهتمام بمعرفة قواعد العمل البرلمانى أيضا.
ويعتبر دور البرلمان فى هذا التحول الديمقراطى جوهريا إذا أدركنا أنه أداة هذا التحول، وهو هدفها أيضا، أى أنه فاعل ومفعول به فى نفس الوقت. فلا يمكن تحقيق ديمقراطية بلا برلمان، يمثل المواطنين ويعبر عن مصالحهم وتطلعاتهم، كما لا يمكن أن يكون هذا البرلمان عنصر قوة للديمقراطية إلا إذا كان نتيجة انتخابات نزيهة. وبالتالى، فإن الديمقراطية تهدف الى إنشاء برلمان سليم، كما أنها تعتمد على وجود برلمان قوى فى نفس الوقت.
وقد تغيرت نظرة العالم الى البرلمان خلال المراحل التاريخية المختلفة، فكانت نظرة إيجابية أحيانا، وسلبية فى أحيان أخرى، بسبب دور البرلمان فى الحياة السياسية ومدى تأثيره على التطور الاقتصادى والاجتماعى والنهضة الشاملة للمجتمع.
ففى بداية ظهور البرلمانات منذ حوالى قرنين من الزمان، كانت النظرة السائدة هى أن نظام الحكم الديمقراطى هو الذى يرتكز على فكرة النيابة والتمثيل والحكم الصالح، الذى يمكّن جميع الأفراد من الدفاع عن مصالحهم، ويتيح للجميع المشاركة فى صنع السياسة من خلال نوابهم، ويساعد على تنوير الرأى العام ويعرض أمامه أفضل الآراء والحلول لمشكلاته من خلال المناقشات البرلمانية، ويمكّنهم من المراقبة والسيطرة على هؤلاء النواب المنتخبين دوريا.
وبعد ازدهار تلك الأفكار حتى أوائل القرن العشرين، بدأت موجة إحباط واسعة تسود بين المثقفين والجماهير من أداء البرلمانات، بل والشك فى فكرة التمثيل الحقيقى للأفراد فى عملية صنع القرار من خلال المؤسسات السياسية القائمة (البرلمانات والأحزاب..)، وأن هذه الديمقراطية النيابية ما هى فى الواقع إلا ديمقراطية نخبوية، ينتشر فيها الفساد وتحقيق المصالح الشخصية، وأن تأثير الناخبين فى عمل البرلمان ما هو إلا محض خداع، وأن البرلمانات ذاتها أصبحت ذراعا طويلة للحكومة، أى السلطة التنفيذية.
وربما كان السبب الرئيسى فى تلك النظرة السلبية هو ظهور مجموعة من النظم الشمولية تقوم على سيطرة الدولة على كل شئ، وذلك خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، مثل الفاشية فى إيطاليا والنازية فى ألمانيا.
وفى الوقت نفسه، فقد انتشر نوع جديد من النظم الشمولية، مثل الشيوعية فى الاتحاد السوفيتى، وبالتالى تراجع الحديث عن الحكومة التمثيلية والديمقراطية النيابية.
باختصار، لم يعد الناخبون راضين عن تعبير نوابهم عن مصالحهم، وأصبح أغلب الجمهور غير قادر على فهم السياسات العامة والمشاركة فيها، أو متابعة ما يجرى فى البرلمانات فى الدول الديمقراطية، كما لم تعد البرلمانات قادرة على ممارسة تأثير حقيقى فى الحياة السياسية فى النظم الشمولية إلا تأييد الحاكم المطلق، وأصبح الناس غير مهتمين بالسياسة عموما إلا فيما ندر.
وأصبح الأمر أكثر تدهورا فى العديد من البلدان النامية، حيث انعدمت فى بعضها أية مؤسسات نيابية أو برلمانات منتخبة أصلا عند استقلالها، أو تحول الكثير منها الى أدوات لدعم الحاكم الذى يقبض على زمام الحكم، أيا كانت طريقة وصوله إليه، الى الحد الذى دفع البعض الى القول بأن البرلمانات أصبحت عقبة فى طريق الديمقراطية، وليست أداة لتحقيقها، كما يفترض أن تكون.
وفى الحقيقة، كانت أوضاع البرلمان فى الكثير من الدول النامية فى تلك الفترة متدهورة للغاية، تباينت حدتها من دولة الى أخرى، لكنها اتسمت عموما بما يلى:
·
أنه قد لا توجد برلمانات أصلا.
·
قد تنشأ البرلمانات بقرار من الحاكم، ويلغيها فى أى وقت يشاء.
·
منع إنشاء الأحزاب السياسية المستقلة، ومنع أى دور للمعارضة.
·
هيمنة الحكومة على البرلمان، وعملية التشريع.
·
محدودية الوعى السياسى وضعف القدرة البرلمانية للأعضاء.
·
مشكلات العملية الانتخابية، ما بين سيطرة حزب واحد يهيمن عليه الحاكم، أو تزييف الانتخابات، أو انتشار العنف بين المرشحين.
·
سوء استخدام نواب البرلمان للحصانة البرلمانية.

بعبارة أخرى، فقد أصبحت البرلمانات مؤسسات ضعيفة، إن وجدت أصلا، وتوارى عنها العصر الذهبى، وأنها لن تستطيع استعادة قوتها التى فقدتها أمام سيطرة الحاكم الفرد، وبالتالى أصبح دورها فى عملية صنع القوانين والتشريعات شكليا، أو تحولت الى بصمجى يوقع على ما يريده الحاكم. وحتى إذا كانت هناك انتخابات لهذه البرلمانات فإنها غالبا لا تعبر عن المواطنين، الذين انصرفوا بدورهم عن المشاركة فيها، وأصبحت تلك الانتخابات تتسم بالعصبية والفساد، وفقدت البرلمانات ثقة الشعوب فيها.
وربما كانت هذه النظرة السلبية لدور البرلمانات فى الحياة السياسية هى التى تفسر البحث عن وسائل أخرى للتعبير عن المواطنين والتأثير فى الحكومة، وفى مقدمتها ما يسمى منظمات المجتمع المدنى، مثل النقابات والجمعيات الأهلية.
ثم بدأت هذه الصورة السلبية تتغير تدريجيا منذ أوائل السبعينات، حيث سقطت العديد من الحكومات الاستبدادية وانهارت الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتى، كما بدأت معظم الدول النامية تدخل مرحلة جديدة من التغير السياسى، فيما أصبح يسمى موجة التحول الديمقراطى فى العالم.
فخلال الفترة ما بين عام 1974 وعام 1990 ظهرت حوالى ثلاثين حكومة ديمقراطية جديدة فى الدول النامية، ترتكز على وجود برلمان فعال، كما زادت نسبة النظم الديمقراطية فى العالم المعاصر بشكل واضح منذ عام 1992، وأصبحت البرلمانات فى عقد التسعينات أقوى مما كانت عليه من قبل.
وتحت تأثير ثورة الاتصالات وبروز نظام اقتصادى عالمى مغاير، وتلاشى سحب الحرب الباردة، تأثرت قوة الحياة البرلمانية منذ تلك الفترة بأمرين، الأول هو تأسيس مجالس برلمانية جديدة أو إعادة تنشيط المجالس القديمة والسماح بالتعددية الحزبية، والثانى أن البرلمانات أصبحت تمارس الوظيفة التشريعية بقوة أكبر.
وفى كل الأحوال، فقد اتضح للعالم أن التحول الديمقراطى فى حاجة الى برلمان قوى، وأن دور البرلمانات فى الحياة السياسية يتزايد مرة أخرى، الى درجة أن البعض يؤكد أننا نعيش اليوم عصر البرلمانات. فقد أصبح واضحا للجميع أن البرلمانات هى المؤسسات السياسية الرئيسية فى النظام الديمقراطى، لأنها تلعب دورا حيويا فى عملية التحول الديمقراطى، سواء من حيث تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، أو دورها فى التعبير عن مطالب المجتمع، أو مراقبة أعمال الحكومة.
وبدأت الدول تعيد النظر فى شكل البرلمان، وسلطاته، وتهتم بإجراء انتخابات دورية ونزيهة، وتتيح للرأى العام متابعة أعمال البرلمان بطرق متعددة، مثل نقل جلساته عبر وسائل الإعلام، والاهتمام بمتابعة أنشطته وتقييم أداء الأعضاء فى الصحافة، وفى الوقت نفسه تزويد الأعضاء بالمعلومات والمعارف القانونية والبرلمانية اللازمة لممارسة مهامهم.
وبعد فترة طويلة من تدهور مكانة البرلمان فى نظر المجتمع، يزداد اليوم الاعتقاد بأن التقدم نحو الحكم الديمقراطى يعتمد على وجود برلمان قوى. ولم يعد السؤال هو: هل نحتاج الى برلمان لكى نحقق الديمقراطية؟، وإنما أصبح كيف يكون البرلمان قويا ليدعم تحقيق الديمقراطية؟.

 

المصدر: دكتور على الصاوى - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN25.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 238 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,859