4 - وضع البرلمان فى نظام الحكم:
بالإضافة الى تطور البرلمان كمؤسسة نيابية ذات طابع جماهيرى عام، فقد اتسعت وظائفه وزادت سلطاته التى يتمتع بها، وازدهر دوره فى نظام الحكم وعملية صنع القرار.
فقد انتقل البرلمان من مرحلة كان فيها مجرد هيئة استشارية الى أن أصبح سلطة تشريعية، ورقابية، وسياسية، تفرز الحكومة ذاتها، أو تلعب دور الشريك فى صنع السياسات العامة للدولة، فضلا عن زيادة تأثيره فى المجال الدبلوماسى والدولى.
كما أن وضع البرلمان فى نظام الحكم، ولاسيما فى علاقته بالسلطة التنفيذية، هو الذى يحدد شكل الدولة ونوع نظامها السياسى ككل. وفى العالم المعاصر يوجد نوعان رئيسيان للنظم السياسية، هما النظام الرئاسى، والنظام البرلمانى، بالإضافة الى نظام الجمعية الوطنية، وهو محدود الانتشار (ومثله الحكومة السويسرية).
وليست المسألة مجرد اختلاف فى المسميات البرلمان فحسب، وإنما هناك اختلافات جوهرية فى هذه النظم السياسية، تبعا لتركيب البرلمان ووظيفته فى النظام السياسى أيضا.
ففى النظم الرئاسية ينتخب الشعب رئيس الدولة مباشرة، ويكون الرئيس هو المسئول عن السلطة التنفيذية، فيعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم، وبهذا يكون الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كبيرا.
وفى النظم البرلمانية (ومنها دول ملكية مثل بريطانيا، أو جمهورية مثل الهند) تتداخل السلطتان التشريعية والتنفيذية، فتكون الأولى منتخبة مباشرة من الشعب، أما السلطة التنفيذية فتتكون من قسمين، الأول هو رئيس الدولة (الذى قد يتولى منصبه بالوراثة كالملوك والأمراء، أو بالانتخاب كما هو الحال بالنسبة لرؤساء الجمهورية)، والثانى هو رئيس الوزارة. كما يغلب، فى النظم البرلمانية كالمملكة المتحدة وإيطاليا، أن يقوم الحزب أو الائتلاف صاحب الأغلبية البرلمانية بتشكيل الوزارة، وتكون الوزارة مسئولة أمام البرلمان، الذى يستطيع حجب الثقة عنها أو عن أحد أعضائها.
بعبارة أخرى، فإن وجود البرلمان هو الخطوة الأولى لتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث الرئيسية فى العملية السياسية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) حتى لا تستأثر إحداها بكل السلطات، وبحيث تقوم كل منها بموازنة ورقابة الأخرى، ومن أجل تحقيق درجة من التنسيق فيما بينها، لتوفير أكبر ضمانات ممكنة لنزاهة وسلامة صنع السياسة العامة للدولة واحترام الإرادة الشعبية.
وأهم ما يميز النظام البرلمانى أنه يوزع السلطة بين الهيئات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، دون أن يفصل بينهما بصفة مطلقة، وإنما يقيم تعاونا فى ممارسة بعض الاختصاصات، بما يجعل لكل هيئة تأثيرا على الأخرى، مع بقاء مبدأ المساواة والتعاون ولا سيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فالنظام البرلمانى، إذاً، يقيم الفصل بين السلطات على التوازن والتعاون أى الفصل المشوب بروح التعاون والرقابة المتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، سواء كان مطبقا فى الدول الجمهورية أو الملكية، فهو لا يفصل بينهما فصلا شبه مطلق يرجح كفة السلطة التنفيذية، كما فى النظام الرئاسى، ولا يجعل للهيئة التشريعية الهيمنة على الهيئة التنفيذية مثل حكومة الجمعية. وعلى ذلك يقوم النظام البرلمانى على توازن السلطتين التشريعية والتنفيذية والمساواة بينهما وتعاونهما معا بقدر أثر كل منهما فى الأخرى.
ولهذا، توجد ثلاث قواعد جوهرية للنظام البرلمانى، هى: برلمان منتخب من الشعب، ورئيس دولة مستقل عن البرلمان، ووزارة مسئولة أمام البرلمان.
وهكذا، أصبح البرلمان محور النظام النيابى، يميزه عن غيره من النظم السياسية. فحتى بالنسبة للنظام الرئاسى، كالولايات المتحدة الأمريكية، فإن دور الكونجرس يتمثل أساسا فى عملية التشريع، بينما نجد أن وظيفته فى النظام البرلمانى تتعدى ذلك الى محاسبة السلطة التنفيذية، وسحب الثقة منها، فى مقابل حق السلطة التنفيذية فى حل البرلمان أيضا.
أيضا، فإن النظام النيابى يتسم بما يعرف بازدواج السلطة التنفيذية، أى أنها تتكون من قسمين، الأول هو رئيس الدولة، الذى يكون رئيس السلطة التنفيذية فى ذات الوقت، والثانى هو رئيس الحكومة، أى رئيس مجلس الوزراء.
ولهذا السبب، فإن رئيس الدولة فى النظام البرلمانى يكون مستقلا عن البرلمان، ولا يخضع لمساءلته، على خلاف الحال بالنسبة لرئيس الوزراء والوزراء، الذين تنتقل إليهم السلطة التنفيذية الفعلية. ولهذا، يقال أن الملك فى النظام البرلمانى يملك ولا يحكم.
أما فى النظام الرئاسى فإن الرئيس هو الذى يختار الوزراء ويعزلهم بإرادته المنفردة، لدرجة أنهم يعتبرون فى الولايات المتحدة مساعد أو سكرتير الرئيس.
ويتسم النظام البرلمانى، أيضا، بقدرة رئيس الدولة على حل البرلمان، إذا أصبح التعاون بينه وبين الوزارة مستحيلا، وبهذا فإنه يكفل التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبدونه تصير الحكومة خاضعة لسيطرة البرلمان.
ولا يوجد حق الحل فى النظام الرئاسى، فلا يستطيع رئيس الدولة فى الولايات الأمريكية أن يحل الكونجرس، ولا يملك دعوته للانعقاد، كما لا يملك الكونجرس سلطة عزل الرئيس أو اختيار الوزراء أو مساءلتهم أو حجب الثقة عنهم، فيما يعرف بأسلوب الفصل شبه التام بين السلطات.

 

المصدر: دكتور على الصاوى موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN26.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 203 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,858