authentication required

 

حتي سنة 1850 ، أي قبل قرن ونصف قرن فقط من الزمن، لم تكن هناك أحزاب سياسية إلا في الولايات المتحدة فقط. والمقصود هنا هو الأحزاب السياسية بالمعني العصري الذي سبقت الاشارة اليه، وليس بالمعني الذي يدل علي الفرق الدينية أو الجماعات الاجتماعية أو غيرها من التجمعات البشرية التي لم يكن هدفها الأساسي هو تقديم برامج لادارة شئون الدولة، وبالتالي السعي للوصول الي السلطة أو المشاركة فيها من أجل تنفيذ هذه البرامج .
وارتبطت نشأة الأحزاب السياسية - بهذا المعني العصري - بتطور النظام الديمقراطي. وكان العامل الرئيسي في هذا الصدد هو التوسع التدريجي الذي حدث في حق الاقتراع، أي حق المواطن في التصويت في الانتخابات .
فقد اتسع نطاق حق الاقتراع أو التصويت بشكل تدريجي في الدول الأوروبية التي أخذت بالنظام الديمقراطي اعتبارا من القرن الثامن عشر، ثم في غيرها من الدول.
فكان هذا الحق محصورا- في البداية - في فئة محدودة وهم أصحاب الملكيات والحرفيون والمهنيون الذين يدفعون ضرائب حدد القانون قيمتها في كل بلد من البلاد التي أخذت بالانتخابات كآلية لاختيار المجالس النيابية والحكومات . ويعني ذلك ان حق الاقتراع أو التصويت كان مقيدا بنصاب مالي معين في البداية ، كما كان مقصورا علي الذكور دون الاناث من ناحية اخري حتي بدأ تعميمه للنساء اعتبارا من مطلع القرن العشرين.
وهكذا حدث التطور في النظام الديمقراطي بشكل تدريجي . ففي البداية ، عندما كان حق المشاركة في الانتخابات محصورا في الفئات الاجتماعية العليا، لم تظهر حاجة ماسة الي تكوين أحزاب سياسية . فكان الفاعلون في الحياة السياسية محدودين. ولكن مع اتساع نطاق المشاركة ، بفعل التوسع في حق الاقتراع أو التصويت ، ظهرت الحاجة الي إيجاد هياكل سياسية أطلق عليها الأحزاب.
واقترن بذلك ايضا تدعيم دور المجالس النيابية وتطور وظائفها وزيادة استقلالها عن الحكومات . وكان من الطبيعي أن يشعر اعضاء هذه المجالس بالحاجة الي إقامة تكتلات يضم كل منها الأعضاء المثقفين مع بعضهم البعض والمتجانسين سياسيا وفكريا .
كما أن أعضاء المجالس النيابية - الذين كانوا يسعون الي إعادة انتخابهم مرة أخري - شعروا بأهمية العمل الجماعي كلما اتسع نطاق حق التصويت. فهذا الاتساع يعني بالضرورة زيادة أعداد الناخبين الذين يملكون حق التصويت في الانتخابات . وعندما كان عدد هؤلاء الناخبين محدودا ، كان في امكان المرشح أن يخوض الانتخابات منفردا ومعتمدا علي جهده الفردي. ولكن كلما زاد عدد الناخبين، أصبح من الصعب علي المرشح أن يفعل ذلك بمفرده. وصار لزاما عليه أن ينسق جهوده مع مرشحين آخرين. ومن الطبيعي أن يختار التنسيق مع المرشحين الذين يتفقون معه في الاتجاهات والآراء والمواقف السياسية والفكرية. ومن خلال هذا التنسيق، وبفعل توافر الاتفاق وما يستتبعه من تفاهم، حدث الالتقاء علي أرضية مشتركة. وكان هذا الالتقاء علي اساس انتخابي يمهد في كثير من الأحيان لتكوين أحزاب سياسية.
وعلي هذا النحو، ارتبطت نشأة الأحزاب في البلاد الأوروبية بالانتخابات والعمل البرلماني في معظم الأحوال. ولكن هذا لم يمنع نشوء أحزاب سياسية خارج هذا الاطار الانتخابي والبرلماني.
ولذلك سنتناول هنا هاتين الطريقتين لنشأة الأحزاب ونميز بينهما .

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 93 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

267,611