أولا : الأساس الفكري لتعدد الأحزاب :
وقد وجد تعدد الأحزاب سندا قويا في المفاهيم الأساسية التي قامت عليها الديمقراطية الغربية، أو ما يعبر عنه أحيانا بالأساس الفلسفي لليبرالية والذي يقوم علي عدد من المفاهيم الأساسية أهمها :
1 -
مفهوم سيادة الأمة : ووفقا لهذا المفهوم ، فإن المحكومين هم أنفسهم أصحاب القرار النهائي فيما يهمهم من أمور ، أو ما يعبر عنه بأنهم المحكومون والحاكمون في آن واحد. وكان بزوغ هذا المفهوم ، تعبيرا عن الرغبة في الحد من السلطات المطلقة للملوك، وذلك بالقول بأن للأمة شخصية تختلف عن شخصية الأفراد ، وأن لها إرادة تعلو إرادتهم. وعلي أساس هذا المفهوم ، صيغت دساتير أوروبا بعد الثورة الفرنسية تأثرا بأفكار جان جاك روسو (الفيلسوف الفرنسي) في الارادة العامة .
2 -
مفهوم إرادة الاغلبية : وظهر هذا المفهوم انعكاسا لحقيقة أنه لا إجماع علي شئ ، وأن مجموع المواطنين لا يتخذون نفس الموقف ، وإنما ينقسمون غالبا الي اغلبية وأقلية. ولذلك جري العمل علي أن ارادة الاغلبية ، هي التي تمثل إرادة الأمة ، وعلي الاقلية أن تقبل بذلك .
3 -
مفهوم حرية المعارضة : برز هذا المفهوم لمواجهة مشكلة أن مفهوم إرادة الاغلبية، لا يحل التناقض بين قضية السلطة وقضية الحرية بالنسبة للأقلية . ولذلك يجب الاعتراف لهذه الأقلية بحق المعارضة ، أي حرية نقد رأي الاغلبية والدعوة الي تغييره عن طريق كسب الرأي العام الي صفها . والمقصود بالمعارضة هنا المعارضة السلمية التي تعتمد علي الرأي والاقناع .
4 -
مبدأ الفردية : المستمد من المذهب الفردي الذي يعد حجر الزاوية في الفكر الليبرالي، ويقوم علي افتراض أساسي مؤداه ان الانسان الفرد هو الحقيقة الأولي في الاجتماع الانساني ، وأن ذلك الفرد يتمتع -بحكم الطبيعة نفسها- وقبل وجود الدولة وسلطتها بحقوق وحريات طبيعية ، وأن واجب الدولة وغايتها حماية تلك الحقوق والحريات، وأن مجموع المصالح الفردية يحقق في النهاية مصلحة الجماعة دون تدخل واسع النطاق من الدولة . وترتب علي اعتبار الليبرالية أن الفرد حجر الزاوية في الفكر والمجتمع نتائج أهمها اعتبار الفرد أسبق من المجتمع، وأن الفرد غاية في ذاته ، وأن المبادأة الفردية تحمل في ثناياها بذرة ضرورية للخير الاجتماعي.
5 -
مفهوم الدولة الحارسة : وهو الامتداد الطبيعي للمذهب الفردي، إذ يجب علي الدولة أن تمتنع أعلي مؤسساتها السياسية، وهي الحكومة، عن التدخل في شئون الافراد ، بحيث تقتصر وظيفتها علي حراسة المجتمع ومراقبة الحريات. ويجدر التنوية بأن هذا المفهوم أخلي الطريق بعد ذلك لمفهوم دولة الرفاهية ، بعد أن ازداد تدخل الدولة في تنظيم المجتمع تدريجيا، وخاصة منذ ثلاثينات القرن العشرين.
6 -
مفهوم الحريات العامة : وهو التطبيق العملي لمبدأ الفردية، وتشمل هذه الحريات حقوقا شخصية مثل حق الملكية وحق الانتقال والحق في حياد القضاة ، وحقوقا معنوية مثل الحرية الدينية وحرية إبداء الرأي وحرية الصحافة والنشر والتعبير ، وحقوقا سياسية مثل حق الانتخاب والتصويت وتكوين الجمعيات والانضمام اليها والمشاركة في الانشطة السياسية، وحقوقا نقابية مثل حق تكوين النقابات والأحزاب وحق اختيار المهنة .
7 -
مفهوم المساواة المدنية أو المساواة أمام القانون: بمعني تطبيق القانون علي الجميع بلا تمييز بين الافراد بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو اللغة أو المركز الاجتماعي وهو صدي لما كان قد أعلنه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في عقده الاجتماعي، من أن القانون إنما هو قواعد عأمة مجردة غير منحازة. وقد تصدرت بيان الثورة الفرنسية لاعلان الحقوق عام 1789 عبارة أن (الناس يولدون أحرارا، وهم متساوون في الحقوق. والميزات الاجتماعية لا يمكن أن تقوم إلا للمصلحة العامة) .
وخلاصة هذه المفاهيم، أن تعدد الأحزاب يرتبط ارتباطا وثيقا بالديمقراطية التي تقوم علي اساس المذهب الفردي وما ينبني عليه من نظرية للحقوق والحريات الطبيعية للأفراد ، والتي تحقق فكرة سيادة الأمة من الناحية القانونية ، ويترجم ذلك في صورة حكومات أغلبية، لا تصادر حق الاقلية في إبداء رأيها والدفاع عنه. وهذه الحكومات مقيدة وليست مطلقة ، ذلك أن سلطتها تقف عند حد الحقوق والحريات الطبيعية ولا تستطيع أن تتجاوزها . وبمعني آخر فقد وضعت الليبرالية نظاما للحقوق الاساسية لا تستطيع الدولة أن تقتحمه ، وذلك في نفس الوقت الذي تحرص علي الاحتفاظ بحق إقرار النظام العام.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 128 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,964