5 -
عنصريــة اللـــون :
تعتبر الكراهية المرتبطة باختلاف لون البشرة وملامح الوجه من أقدم أسباب الصراع وأكثرها سخفا وتهافتا. ومن أمثلة ذلك ما جرى لإخوتنا من البشر ذوي البشرة السوداء. فمنذ القدم تكونت لدى شعوب مختلفة مشاعر احتقار للسود باعتبارهم ينتمون لجنس أدنى وأقل أهلية وذكاء. وظهرت نظريات تعتبر البشرة السوداء نوع من العقاب الإلهي لهؤلاء من البشر الذين عصوا أمر الله، وأنه من المقبول بالتالي أن يتم التمييز ضد السود أو حتى استعبادهم، لأنهم في مرتبة أدنى من ذوي البشرة الفاتحة، وكنوع من تنفيذ العقاب الإلهي الموقع عليهم. وقد سادت هذه المشاعر لفترة طويلة من التاريخ بسبب نقص المعرفة عن المعنى العلمي لسواد البشرة، وبسبب الجهل بغياب أي فروق تشريحية أو وراثية ذات مغزى بين السود وغيرهم.
ففي جنوب أفريقيا، ومنذ مطلع القرن السابع عشر، ارتبط غزو الشعوب البيضاء من هولندا وانجلترا وألمانيا بممارسة الاستعباد والتمييز ضد السكان الأصليين من السود الأفارقة. وبالرغم من أن العبودية في جنوب أفريقيا قد ألغيت منذ عام 1811، بسبب تبعية جنوب أفريقيا للإمبراطورية البريطانية التي أصدرت حكومتها في ذلك العام قانونا يلغي العبودية، إلا أن الممارسات التمييزية ضد السود لم تتوقف، حيث تم إقصاؤهم عن المشاركة في الحكم، وحيث استأثر البيض بثروات البلاد.
وقد تحولت سياسة التمييز ضد السود إلى سياسة رسمية للحكومة في جنوب أفريقيا منذ عام 1948. ففي ذلك العام وصل الحزب الوطني ذو الميول العنصرية للحكم، فقام بتطبيق فلسفته التي قالت بأن الطريقة الوحيدة للتعايش بين الجماعات المنتمية إلى أصول عرقية مختلفة هو الفصل بينها. فتم تقسيم سكان البلاد إلى أربع جماعات عرقية هي السود -الذين يمثلون 75% من سكان البلاد- والبيض والآسيويون والمخلطون الناتجون عن الزيجات المختلطة، وصدرت القوانين التي تحرم اختلاط الأعراق المختلفة في الأحياء السكنية والمدارس وأماكن العمل ووسائل المواصلات والمرافق العامة، ومُنع السود من الدخول إلى الأحياء والمقاطعات المخصصة للبيض، وفُرض على السود العيش في الأقاليم الفقيرة، كما حُرموا من الاستفادة من الموارد الاقتصادية الغنية في البلاد، وتم إقصاؤهم نهائيا عن المشاركة في الحكومة التي احتكرها البيض.
وفي كل الأحوال، فإن الانشغال بتوزيع الناس بين جماعات عرقية ودينية وثقافية ولغوية، وخاصة الاستناد إلى ذلك التقسيم في التمييز بين الأفراد، فيما يتعلق بالحقوق التي لهم أن يتمتعوا بها والواجبات التي عليهم القيام بها، ينطوي على درجة كبيرة من العشوائية والتحكمية. بل إن النظم والمجتمعات التي تأخذ بمثل هذا الأسلوب، وخاصة عندما تبالغ فيه، فإنها تجد نفسها بعد حين مضطرة لارتكاب تصرفات حمقاء تبعث على الاستغراب والضحك في آن معا. وقد كان ذلك واضحا بشكل خاص في جمهورية جنوب أفريقيا في حقبة التمييز العنصري. فقد كان لون البشرة هو المعيار الأساسي للتمييز بين الأفراد، ولم يكن نادرا في ظل هذا النظام أن نجد أخين وقد صنف كل منهما ضمن جماعة عرقية مختلفة بحكم اختلاف لون بشرتهما. ولأن النظام العنصري في جنوب أفريقيا كان يمنع اختلاط الأفراد المنحدرين من أصول عرقية مختلفة من الاختلاط، فإنه كان من الصعب على مثل هذين الأخوين أن يظهرا سويا في الأماكن العامة وإلا تعرضا للملاحقة القانونية.
ومن المفارقات الغريبة المضحكة الأخرى التي وجد النظام العنصري في جنوب أفريقيا نفسه مضطرا لها، الطريقة التي تعامل بها مع رجال الأعمال والسياح اليابانيين. فمنذ الستينيات عادت اليابان للظهور كقوة اقتصادية مؤثرة، وظهر رجال الأعمال والسياح اليابانيون في عواصم ومطارات العالم، وبسبب الأهمية الاقتصادية المتزايدة لليابان، كان من الصعب على أي دولة أن تتجاهلهم أو ترفضهم. وفي جنوب أفريقيا، فإن الملامح الآسيوية لليابانيين لم تكن تؤهلهم سوى لمعاملة تخلو من الاحترام مثلهم في ذلك مثل الآسيوين من أهل البلاد، ولم يكن هذا الوضع ليشجع اليابانيين على السفر إلى جنوب أفريقيا للاستثمار والتجارة. وفي محاولة من الحكومة العنصرية هناك للالتفاف حول هذا الوضع، فإنها اضطرت لتصنيف اليابانيين باعتبارهم من الأوروبيين، حتى يمكنهم التمتع بالحقوق المميزة للأوروبيين من أهل جنوب أفريقيا.
وبالطبع فإن الأغلبية السوداء في جنوب أفريقيا لم تستسلم لهذا الوضع المهين، وقاومت منذ اللحظة الأولى النظام العنصري الحاكم، وساندها في ذلك رأي عام دولي قوي معادٍ للعنصرية. وقد أجبرت هذه المقاومة الحكومة العنصرية على إدخال بعض الإصلاحات الشكلية منذ السبعينيات، إلا أن أسس النظام العنصري قد استمرت حتى تم إسقاطها نهائيا في عام 1991. وفي عام 1994 تم انتخاب نيلسون مانديلا، زعيم المؤتمر الوطني الأفريقي أكبر أحزاب جنوب أفريقيا المعادية للعنصرية، كأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، بعد فوز حزبه بالأغلبية في أول انتخابات يُتاح فيها للسود حق التصويت، وذلك بعد أن قضى مانديلا في السجن -بسبب معارضته للتفرقة العنصرية- 28 عاما تحول خلالها إلى رمز للكفاح ضد العنصرية.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 84 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

276,058