منظمة الجيش السرّي الفرنسية OAS ;جرائمها الإرهابية
مكث الاستعمار الفرنسي في بلادنا 132 سنة، كانت كلها بطشا وتجهيلا وحربا على جميع الأصعدة، ولكن الشب الجزائري لم يستسلم فكانت ثورة نوفمبر الخالدة التي انتهت باتفاق المتقاوضين بعد جولات شاقة ومضنية من المفاوضات انتهت بالتوقيع على وقف القتال ابتداي من 19 مارس1962م.
لكن هيهات؟ ففي ديوم 19 مارس 1962، أعلن الجنرال راؤول صالون، وهو أحد قادة منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس'' عن شروع أنصار الجزائر الفرنسية في ''عملية المدينة الميتة''، كتكملة لسياسة ''الأرض المحروقة'' التي دعا إليها الرجل الثاني في المنظمة الإرهابية جان- جاك سوزيني. وبالفعل قام إرهابيو ''أو. آ. آس'' باغتيال مئات الجزائريين، والأوروبيين الذين ساندوا استقلال الجزائر. وقد ولدت منظمة الجيش السري رسميا سنة 1961 في مدريد التي فر إليها عناصر مناهضة للرئيس شارل ديغول، وعلى رأسهم النائب بيار لاغايرد. وتعتبر هذه المنظمة حركة متمردة وإرهابية أرادت الاحتفاظ بالجزائر الفرنسية، أسّسها قادة عسكريون فشلوا في الانقلاب على ديغول في أفريل .1961 ومن زعمائها الجنرال راؤول صالون، بيار لاغايرد، جان جاك سوزيني والجنرال جوهو، والعقيد غودار. ويحاول هذا الملف إبراز حجم جرائم هذه المنظمة الإرهابية التي بقيت دون عقاب وحظي زعمائها بعفو من ديغول سنة 1968، بينما أقدمت بعض البلديات التي تنتمي إلى اليمين المتطرف مؤخرا بتشييد نصب تذكاري لبعضهم. ورفض الجانب الجزائري كتابة تاريخ هذه المرحلة لأسباب سياسية يتحدث عنها الرائد عز الدين في حواره مع ''الخبر''.
كانوا من قادة منظمة الجيش السري
جرائم ''طاسو'' اليوناني و''بن إيشو'' الإسرائيلي في وهران
شكّلت عملية اغتيال 15 عاملة نظافة جزائرية في 11 ماي 1962 ذروة وحشية منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس'' في إطار سياسة الأرض المحروقة لفرض منطق ''الجزائر الفرنسية'' بالتفجيرات والسطو على البنوك واغتيالات حصدت أرواح 410 جزائري و487 جريح، من 19 مارس تاريخ وقف إطلاق النار لغاية الفاتح من جويلية .1962 وترسّخ مشهد يد الطفلة خديجة جياري في يد والدها عبد القادر، التي عثر عليها ضمن بقايا الضحيتين إثر التفجير الإجرامي بساحة ''طحطاحة'' بوهران في 28 فيفري ,1962 نهائيا في مخيلة كل من عايشوا هذه الحقبة الدموية تحت إمضاء منظمة الجيش السري، بقيادة دمويين، كاليهودي ''ياية بن إيشو''، الغجري'' بانشو''، أتناز اليوناني صاحب مقهى ''كافي ريش'' (تيمفاد حاليا) وميشيليتي وآخرون، الذين شكّلوا ''نقابة إجرام'' كما سماها جون فرانسوا غافوري. ومن سخرية التاريخ أن يجد الدموي أتناز جيورجيوبولس ''طاسو'' نفسه عضوا في لجنة التعويض، كممثل المرحلين أو نشطاء منظمة الجيش السري بناءا على مرسوم أمضاه جون بيبير رافاران بمقتضى المادة 13 من قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار الفرنسي. للتذكير، فإن ''طاسو'' هو مؤسس المنطقة الثالثة لمنظمة الجيش السري بوهران وهو من استقبل الجنرال إيدمون جوهو خلال هروبه إلى وهران. وألقت فرق الموت بكل قواها في ''معركة وهران'' من أجل فرض سيناريوهات ''واهية'' للحفاظ على المنطقة الغربية تحت لواء ''الجزائر الفرنسية'' ووهران كعاصمة لها، وهو ما يفسر مواصلة المنظمة لعملياتها الإجرامية رغم اتفاق 18 مارس بين ممثلي الأفالان وجان جاك سوزيني أحد قادة ''أو. آ. آس'' القاضي بوقف القتال نهائيا وتوقيف الجنرال ''جوهو'' ومساعده ''كاملان'' في 20 مارس بوهران من طرف الجنرال ''جوزيف كاتز''. هذا الأخير اعترف في كتابه ''شرف جنرال'' بأنه ''كان يخفي الحصيلة الحقيقية لضحايا منظمة الجيش السري في وهران بعد اتفاقيات إيفيان خوفا من خرق اتفاق وقف إطلاق النار''. لكن خلال محاكمة الجنرال جوهو في 12 أفريل 1962 كشف الجنرال ''أرتيس'' في شهادته عن السجل الدموي للمنظمة، وتحدث عن وجود 1190 عملية تفجيرية، 109 هجوم مسلح أسفر عن 137 قتيل من بينهم 15 عاملة نظافة بالمسدس والخنجر و385 جريح''.
من جهتها، أحصت مصالح الشرطة بين الفترة الممتدة بين 19 مارس تاريخ وقف إطلاق النار لغاية الفاتح من جويلية 1962 ''66 قتيلا وسط السكان الأوروبيين، من بينهم ضباط سامين في الجيش الفرنسي و36 جريح و 410 قتيل و487 جريح بين الجزائريين''.
وهران: جعفر بن صالح
تصريح مثير لجان جاك سوزيني
''الدولة الفرنسية تعاونت مع منظمة الجيش السري''
نادم على اغتيال الروائي مولود فرعون
جاء في الكتاب الذي أعدّه الصحفي الفرنسي برتران لوجوندر مع جان جاك سوزيني، أحد العقول المدبرة لمنظمة ''أو. آ. آس'' الإرهابية، والذي نشرت صحيفة ''ليبراسيون'' بعض من صفحاته، أن الدولة الفرنسية التي كان من الواجب عليها ''ضرب معاقل منظمة الجيش السري ومحاربتها''، كانت تعمل وتتواطأ معها من أجل تصفية عدد من المناضلين الجزائريين سواء كانوا منخرطين في جبهة التحرير الوطني أو مجرد متعاونين معها.
وقال سوزيني صراحة في رده على أسئلة لوجوندر: ''وصلتنا معلومات عن أعدائنا وهم المتعاطفين مع جبهة التحرير الوطني سواء كانوا مسلمين أو أوروبيين، من قبل مصالح الشرطة الفرنسية في الجزائر''.
وعن سؤال حول ما إذا كانت منظمة الجيش السري بمثابة متعاون فرعي لمصالح الشرطة للقيام بالمهام القذرة، قال سوزيني: ''حين تتمكن القوى النظامية من إلقاء القبض على عميل تابع للأفالان ولا تعثر بشأنه على ما يجعله يمثل أمام المحكمة، لا بد أن يتكفل طرف معيّن بإعدامه''، في إشارة ضمنية إلى أن المنظمة الإرهابية تكفلت بتصفية عدد من الجزائريين دون محاكمتهم. وأضاف الرجل الثاني في منظمة ''أو. آ. آس'' أن مصالح الشرطة الفرنسية كانت ترسل لهم أسماء لمتعاطفين مع الثورة لتصفيتهم، رغم أنها كانت مكلفة في الواقع بمحاربتها. وقال: ''قد يبدو هذا عبارة عن مفارقة، لكن بالنسبة إليهم كان الأمر يعتبر من بين الحلول الممكنة لضرب عدو مشترك''. وذكر سوزيني أن التعاون بين أنصار الجناح العسكري لتيار الجزائر الفرنسية، ومصالح الشرطة الفرنسية يعود إلى معركة الجزائر، واعتبر أن عناصر موالية للشرطة كانت ترسل لهم قوائم بأسماء فدائيين يجب تصفيتهم. وأضاف: ''منذ أن عجزت الدولة الفرنسية عن تنفيذ الحلول الراديكالية المطروحة، كان لزاما علينا أن نحل محل الدولة، فكل حروب المقاومة مرت على هذه المرحلة''. يذكر أن جان جاك سوزيني ولد بالجزائر العاصمة سنة 1933، وهو مناضل يميني متطرف، شغل منصب رئيس الجمعية العامة للطلبة الجزائريين، فر إلى اسبانيا بعد إخفاق انقلاب الجنرالات الفرنسيين على الجنرال ديغول سنة,1961 وهناك أسّس رفقة الجنرال راؤول صالون وبيار لاغايارد وجوزيف أورتيز منظمة الجيش السري، فحكم عليه بالإعدام، لكن الجنرال ديغول قرر العفو عنه سنة .1968
وفي عام 2008 قال سوزيني في حوار مع مجلة ''لوبوان'' الفرنسية إنه ''نادم على عملية اغتيال الروائي مولود فرعون، واعتبر ذلك بالخطأ الجسيم''.
الجزائر: حميد عبد القادر
جرائم منظمة الجيش السري الفرنسية خلّفت 1100 ضحية
هجرة جماعية ليهود تلمسان نحو إسرائيل ما بين 1961 و1962
توصّل الباحث الجزائري صادق بن قادة في دراسة علمية إلى أن الجرائم البشعة التي ارتكبتها منظمة الجيش السري الفرنسية ''أو.أ.أس'' خلّفت أزيد من 1100 ضحية من المدنيين الجزائريين بوهران بين 1961 و1962. وقد وصل رعب وصدى هذه الجرائم إلى كل المنطقة الغربية من الوطن ومنها مدينة تلمسان في الجوار الوهراني. قال المناضل الوطني الحاج عمر العشعاشي لـ ''الخبر''، إن الرعب الذي خلّفته جرائم منظمة الجيش السري على مستوى مدينة وهران، خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في مارس 1962 بلغ صداه مدينة تلمسان وسكن الخوف سكان المدينة من مختلف الجاليات، مسلمين، يهود، معمّرين وإسبان وتحدّث عن الرعب الذي كانت تسبّبه منبّهات سيارات الإسعاف ودوريات الجيش والشرطة التي كانت لا تتوقف وكيف امتلأت مصلحة حفظ الجثث بمستشفى تلمسان بالموتى من ضحايا عمليات الاغتيال التي كانت تقوم بها عناصر منظمة الجيش السري.وأضاف العشعاشي إن اثنين من زبائن محل بيع السيارات الذي كان يملكه والده بطريق لوريط شرق تلمسان، قتلا ومنهم الشاب المثقف المرحوم عبد القادر خالد وكان ذلك في شهر ماي من سنة .1962 فبعد أن أصلح سيارته كان ينوي التوجه نحو وهران، فأخبره الحاج عمر بخطورة الطريق وأخفى عنه دلو البنزين من أجل تعطيله، ولكنه أصر على المغادرة. وفي المساء وصل خبر اغتياله بمدخل مدينة وهران ليعود جثمانه إلى تلمسان. ويضيف الحاج عمر أنه كان أول جثمان يدفن وعليه علم الجزائر المستقلة في جنازة مهيبة وسط دهشة المعمّرين. وأضاف العشعاشي: ''لقد كانت لحظات رهيبة بمستشفى تلمسان الذي اكتظ بالجرحى والموتى''. مضيفا: ''لقد شاهدت بعيني كيف سكن الرعب الجالية المسيحية واليهودية التي كانت متواجدة بالمدن الكبرى خاصة وهران وتلمسان وكيف تزاحموا على محطات القطار والموانئ والمطارات في هجرة جماعية. وكانت أكبر هجرة للجالية اليهودية من سكان تلمسان نحو إسرائيل وكانوا معمّرين من أصول يهودية ومن مزدوجي اللسان يتكلمون العربية والفرنسية''.
تلمسان: نور الدين بلهواري
ساحة النقاش