موقع الدكتور الشارف لطروش/ جامعة مستغانم/ الجزائر

يهتم هذا الموقع بالفكر والعلوم الإنسانية

مسرح الطفل بين الضرورة والإمكان

نقصد بالطفل ذلك الكائن المنتمي إلى المرحلة العمرية المعروفة بالطفولة، وهي تمتد من ولادته إلى بلوغه، ونفهم ذلك من قوله تعالى : أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء )1، ومن قوله تعالى أيضا: (  وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا . كما استأذن الذين من قبلهم) 2، فالأطفال هم القطاع الممتد من عمر الإنسان منذ سن الميلاد حتى سن الاعتماد الكامل على الذات أي البلوغ ،ولفظا الطفل والصبي لفظان مترادفان تقريباً فى اللغة جاء فى لسان العرب لابن منظور  مادة صبا:رأيته فى صباه أي فى صغره والصبي من لدن أن يولد إلى أن يفطم ، وكذلك يطلق على الطفل والطفلة الصغيران , والطفل هو الصغير من كل شئ ، والصبي يدعى طفلاً حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم .
أما فى القرآن الكريم فهو منذ ولادة الصبي إلى أن يحتلم ، قال تعالى "ونقر فى الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم يخرجكم طفلاً (الحج :5) ".
وقال تعالى "هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً "(غافر 67) وقال أيضاً "وإذ بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " (النور 59).
وهكذا اتفق المعنى المعجمي مع المعنى القرآني لمفهوم الطفل ، فهو منذ أن يولد ،حتى يبلغ الحلم ، وقد سار على هذا النهج العرب الأوائل حيث نقل عنهم " لاعب ابنك سبعاً ، وجالس به إخوانك سبعاً "وهذا المفهوم قريب جداً من مفهوم الطفولة فى العصر الحديث .
لم يتفق علماء النفس على تقسيمات موحدة لمراحل نمو الطفل ، كما لم يتفقوا على بدايات هذه المراحل ونهايتها ، غير أن الحقيقة المؤكدة أن هناك مراحل لنمو الطفل ، تختلف هذه المراحل باختلاف المناطق الجغرافية والشعوب والمجتمعات والتطور الحضاري والتقدم العلمي وغيرها من المؤثرات ، على أية حال فإن مراحل نمو الطفولة مراحل تقديرية وليست حاسمة ، فيمكن أن ترتفع فى مجتمع سنة أو سنتين وقد تنخفض فى مجتمع آخر بنفس النسبة .
ويتفق الأستاذ أحمد نجيب مع الدكتور رشدي طعيمة على التقسيم التالي لمراحل الطفولة :
أ- مرحلة الطفولة المبكرة من سن (3-5 سنوات).
وتسمى مرحلة الخيال الإيهامي ، أو مرحلة الواقعية والخيال المحدود بالبيئة وفى هذه المرحلة يبطؤ النمو الجسمي بعض الشيء بعد أن كان النمو سريعاً فى الأعوام الثلاثة الأولى من حياة الطفل ويفسح المجال للنمو العقلي الذي يسرع ويتزايد ، ويستخدم الثلاثة الأولى من حياة الطفل فى هذه المرحلة حواسه للتعرف على بيئته المحدودة المحيطة به فى المنزل والشارع .
ب- مرحلة الطفولة المتوسطة (من سن 6-8 سنوات ).
وتسمى مرحلة الخيال الحر ، وفيها يكون الطفل قد اكتسب بعض الخبرات المتعلقة ببيئته المحدودة وبدأ يتطلع بخياله إلى عوالم أخرى ، ويكون سلوك الأطفال فى هذه المرحلة مدفوعاً بميولهم وغرائزهم ، فالمواعظ والأوامر لا تجدي كثيراً فى توجيه الأطفال إلى سلوك معين ، وإنما يتأتى الأمر باستغلال ميولهم إلى اللعب والتقليد والتمثيل بالقصص الشائقة التي تقدم القدوة الحسنة ، والنماذج الطبية والصفات النبيلة والمبادئ العامة .
ج- مرحلة الطفولة المتأخرة (من سن 9-12 سنه).

 

وتسمى مرحله المغامرة والبطولة ، ويميل فيها إلى الجمع والادخار أو التملك والاقتناء ، وتتفق هذه السن مع إدراك الأطفال للأمور الواقعية ، ويميل الطفل على اشتراكه مع زملاؤه فى الجماعات المختلفة ، ويبدو على الطفل حب السيطرة والميل إلى الأعمال التي تظهر فيها روح المنافسة والشجاعة وروح المعاصرة .وأ  ما مسرح الطفل فنعني به المؤسسة التي تتوجه إلى الصغار دون الكبار بهدف إمتاعهم وتكوينهم معرفيا ووجدانيا وح يا، وأبطاله قد يكونون من الكبار أو من الصغار، و( مسرح الطفل ليس مسرحا يتفق من حيث المضمون والشكل مع مسرح الكبار، بل يختلف عنه في نوعية المضامين التي تق  دم وكذا مستوى الشكل والمضمون) 3

والمختصون يجعلون مسرح الطفل نوعين هما:

أ  المسرح التلقائي : وهو مسرح فطري، يؤديه الأطفال بالتمثيل والتعبير الحر والارتجالية، ويعتمدون فيه على إبداعاتهم الخيالية أو من تقليدهم لمواقف ومشاهدات واقعية بالمسرح التعليمي: وهو مسرح مو جه ومؤ ّ طرتحت إشراف المربي أو المد رس، ويعتمد على نصوص مختارة، ومنه مسرح رياض الأطفال، والمسرح المدرسي، ومسرح الدمى أو العرائس، ومسرح خيال الظل، والمسرح الإذاعي المسموع والمرئي.أهمية المسرح

المسرح من الفنون الهامة، وليس من قبيل الاعتباط أن يردد كثير من المربين العبارة الشهيرة التي تبين أهمية المسرح ودوره التربوي والتي تقول : ( أعطني مسرحا أعطك شعبا أفضل)، وقد قال أحد المختصين عن الأدوار الهامة المنوطة بالمسرح ما بيانه : ( إ ن مسرحا لا يضم بين دفتيه حركة المجتمع ونبض التاريخ، ومأساة شعبه، ويصور بصدق أرضه وروحه بالضحكات والدموع لا يستحق اسم المسرح، بل يكون مكانا للّهو) 4

مسرح الطفل وضرورته.

إن مسرح الطفل على درجة من الأهمية من عدة جوانب، فهو ضروري لدوره الكبير في الارتقاء بأذواق الأطفال وتنمية مواهبهم وقدراتهم الإبداعية وإنارة عقولهم وتوسيع مداركهم ، و( إ ن تنشئة الطفل على التعامل مع هذه التقنية كفيل بتدريبه على كيفية التعامل مع الآخر، وترسخ لدى الطفل حب هذا الفن الراقي وتحويل المقررات الدراسية إلى ألعاب معرفية يتداولها الأطفال بينهم بطريقة حيوية ولا تعتمد على الحفظ والتذكر، كما أ ن ترسيخ القيم الأصيلة في المجتمع يتم طرحها على خشبة المسرح بلا تلقين

مفتعل ومتعمد) 5

ويرى المربون أ ن جلوس الطفل على مقعد في قاعة المسرح تكسبه استقلالية في شخصيته حيث إّنه يشارك ويفكر ويستنتج ويبدي رأيه في آخر العمل، بل إ  ن( المسرح المدرسي وسيلة تسهم في الارتقاء بالعملية التعليمية في المدارس) 6 ، وقد ذكر أرسطو في كتابه فن الشعر أ  ن المحاكاة أمر فطري لدى الإنسان منذ ولادته، وأ ن الإنسان أ ول ما يتعّلم من خلال المحاكاة 7 ،

ومما يؤسف له أ ن الناس في مجتمعنا لا يزالون ينظرون إلى المسرح المدرسي والمسرح عموما على اّنه وسيلة للفرجة والفكاهة وتضييع الوقت، ولا يدركون دوره التربوي التثقيفي، ولعلّ الموقف ذاته كان شائعا عند الآخرين، فقد نبه إلى ذلك رائد مسرح الأطفال في العالم الأمريكي مارك توين( 1835 ـ 1910 م) حيث قال ما بيانه :

(أعتقد أ ن مسرح الأطفال من أعظم الاختراعات في القرن العشرين، وأ ن قيمته التعليمية الكبيرة لا تبدو واضحة أو مفهومة في الوقت الحاضر سوف تنجلي قريبا، إّنه أقوى معّلم للأخلاق وخير دافع إلى السلوك الطيب اهتدت إليه عبقرية الإنسان لأّنه دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة أو في المنزل بطريقة ممّلة بل بالحركة المنظورة التي تبعث

الحماس وتصل إلى قلوب الأطفال التي تعتبر وعاء لهذه الدروس) 8

ومسرح الطفل ضروري في وقت أصبح الأطفال عرضة لما تنشره القنوات

التلفزية من برامج موجهة للأطفال لا تخدم واقعهم، ولا تسهم في توعيتهم بل

تزيد من نشر الأباطيل والخرافات، وتصور حيوانات خرافية، وأعمال دمار،

وتهديم وتحطيم.

ولعلّ قائلا يقول إ ن مثل هذه الأعمال تستهوي الأطفال وتشبع فضولهم، نعم إن

كلّ عمل فيه الحركة والألوان يجد هوى لدى الأطفال، والواجب استغلال هذا

الجانب في تقديم المفيد للطفل.

إ  ن اللامبالاة هي التي جعلت أطفالنا شغوفين بالألعاب النارية، والألعاب العنيفة،

فقد أصبحنا نرى الأطفال يستقبلون الأعياد ومواسم الأفراح بالألعاب النارية

والمفرقعات المفزعة، وقد يكون لمسرح الأطفال مساهمة إيجابية في معالجة تلك

الاختلالات السلوكية إن أوليناه اهتمامنا وأحسّنا الاستفادة منه.

إمكان وجود مسرح الطفل

لا يتطلب مسرح الطفل إمكانات كبرى وإنما يتطلب شروطا أهمها

1  اختيار النصوص المناسبة الهادفة.

2  مراعاة المراحل العمرية للطفل وخصائصها.

3  مراعاة القواعد النفسية والاجتماعية للطفل.

4  التحكم في تقنيات الإعداد والتمثيل والإخراج

ومن شروط نجاح مسرح الأطفال أن يكون العمل المسرحي منظما ومؤطرا، له هيئات تحرص على رقيه ونجاحه، لا أن يكون موسميا كما هو الحال عندنا، وأن تش ّ كل مسألة تكوين المؤطرين اهتماما بالغا.

ويمكن أن تستغل الفضاءات التربوية المتوفرة من مدارس ومراكز ثقافية في

إيجاد أماكن التدريب، واستغلال الكفاءات الموجودة في التأطير والتنشيط.

............................................................. 

 الهوامش

1  النور، 31

2  النور،

3  أحمد صقر  مسرح الطفل، مركز الإسكندرية للكتاب، ط 2004 ، ص 01

4  أمير إبراهيم القرشي  المناهج والمدخل الدرامي، عالم الكتب، القاهرة،ط 1،2001 م،ص 22

5ّ  د.نجم  المسرح للطفل تعليم ولعب، إسلام أون لاين نت.

6 أحمد صقر  مسرح الطفل، ص 02

7  أمير إبراهيم القرشي  المناهج والمدخل الدرامي، ص 21

8  وينفرد ورد  مسرح الأطفال، ترجمة محمد شاهين، الدار المصرية للنشر والتأليف، القاهرة،ط 1966 م، ص 13

............................................................................... 

المصادر والمراجع

1  القرآن الكريم

2  أحمد صقر ـ  مسرح الطفل، مركز الإسكندرية للكتاب، ط 2004

3  أمير إبراهيم القرشي  المناهج والمدخل الدرامي، عالم الكتب، القاهرة،ط1 ،2001 م

www.islam on line.net 4  موسوعة إسلام أون لاين

5 وينفرد ورد ـ مسرح الأطفال، ترجمة محمد شاهين، الدار المصرية للنشر والتأليف، القاهرة، ط 1966 م.__

المصدر: الكاتب: اد. اللشارف لطروش

المصدر: الأستاذ: الشارف لطروش
  • Currently 31/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 687 مشاهدة
نشرت فى 19 مارس 2011 بواسطة mouloud

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

96,863