<!-- InstanceEndEditable -->

على هذه الأرض، منذ 2300 عام مضى (وتحديدًا سنة 331 قبل الميلاد)، جاء الإسكندر الأكبر - تلميذ أرسطو- يحلم بالثقافة والتوسع لتوحيد العالم وبدء عصر جديد. واختار الإسكندر هذا الموقع لإنشاء عاصمته الجديدة: الإسكندرية. وقام البطالمة - خلفاء الإسكندر في مصر - ببناء مدينة الإسكندرية؛ حيث أصبحت عاصمةً للفكر والثقافة في العالم.

يعتبر تاريخ الإسكندرية سجلاًّ للحضارات المتعاقبة بكل ما تحمله الكلمة من تداعيات ثقافية: الفن، والموسيقى، والأدب، والعلوم، والسياسة، وجميع العلوم الإنسانية؛ فقد تطورت الإسكندرية سريعًا منذ نشأتها، حتى أصبحت أعظم مدن العالم وأكبرها تأثيرًا، وظلت كذلك لمدة ألف عام خلال ثلاث حقب تاريخية متعاقبة: البطلمية والرومانية والبيزنطية؛ فأصبحت العاصمة الجديدة لمصر، حيث قُدِّر لها أن تكون مدينة كوزموبوليتانية.

كانت منارة الإسكندرية إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، أما التراث الأعظم فقد تجسَّد في مكتبة الإسكندرية القديمة التي شُيِّدت عام 288 قبل الميلاد على يد بطليموس الأول (سوتير)، بتوجيه من ديميتريوس الفاليري؛ وكان معبد ربات الفنون، أو الموسيون (في اللغة اليونانية) يتكون من أكاديمية للعلوم، ومركز للأبحاث، ومكتبة يؤمُّها أعظم مفكري ذلك العصر، كما توافد عليها العلماء والرياضيون والشعراء من كل الحضارات للدراسة وتبادل الأفكار.

وامتلأت أرفف المكتبة بما يقرب من 700.000 لفافة، أي ما يعادل أكثر من 100.000 كتاب من الكتب الحديثة المطبوعة. وكانت المكتبة تستقبل العلماء من جميع الثقافات. كما كان الفتيان والفتيات يدرسون بانتظام في المكتبة القديمة. فعلى أرض مكتبة الإسكندرية:

كان أريستارخوس أول من قال بأن الأرض تدور حول الشمس، وذلك قبل 1800 عام من اكتشاف كوبرنيكوس لهذه الحقيقة.

أثبت إيراتوستينس أن الأرض كروية، وقام بحساب محيط الأرض بدقة مذهلة. كما تحدث عن إمكانية الإبحار حول العالم، وذلك قبل 1700 عام من قيام كولومبوس برحلته الشهيرة.

وضع الشاعر اليوناني كاليماخوس أول فهرس للكتب؛ حيث قسم المكتبة تبعًا لموضوعاتها ومؤلفيها، ولذلك أطلق عليه لقب أبو علم المكتبات.

وضع إقليدس مبادئ علم الهندسة، وهي نفسها المبادئ التي تُدرس في المدارس حول العالم حتى يومنا هذا.

حدَّد هيروفيلوس المخ على أنه العضو المتحكم في جسم الإنسان، بادئًا بذلك عصرًا جديدًا في مجال الطب.

تمت الترجمة السبعينية، وهي أول ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى الإغريقية.

سجل مانيثو تاريخ الفراعنة حسب التسلسل الزمني للوقائع وقسم التاريخ إلى أسر، وهو مرجعنا في التقسيم حتى يومنا هذا.

هؤلاء وآخرون كانوا ينتمون لهذا المجتمع الرائع الذي حفل بعلماء رسموا الخرائط الفلكية، ونظَّموا التقويم وأرسوا قواعد العلم، ودفعوا بحدود معارفنا إلى ما لا نهاية؛ بإطلاقهم العنان للعقل الإنساني في تحديات لا حصر لها. كما انفتحوا على ثقافات العالم، ووضعوا أسسًا راسخة للحوار الحقيقي بين مختلف الحضارات، وعزَّزوا قيم التسامح والعقلانية والتفاهم والتعرف إلى ثقافات العالم ومعارفه.

وقد تربَّعت مكتبة الإسكندرية القديمة لمدة تزيد على ستة قرون على عرش العلم والمعرفة. وبقيت حتى يومنا هذا تجسيدًا لأنبل التطلعات الإنسانية وقيم التآلف البشري الخلاَّق وأعظم الإنجازات في مجال الفكر. وقد دُمرت المكتبة تمامًا منذ حوالي 1600 عام، ولكنها ما زالت مصدر إلهام للعلماء والأدباء في كل مكان.

اختفت المكتبة تدريجيًّا وعانت من الانهيار البطيء بدءًا من عصر يوليوس قيصر وكليوباترا. وقد حلَّت بها الكارثة الأولى عام 48 قبل الميلاد، عندما امتددت النيران إلى جزءٍ منها عن طريق الخطأ إبان الحرب التي شنَّها يوليوس قيصر في الإسكندرية.

وقد أهدى أنطونيو كليوباترا 200.000 لفافة تعويضًا لها عن الخسارة الفادحة التي ألـمَّت بالمكتبة. إلا أن الانقلابات المتتالية داخل الإمبراطورية الرومانية أدت إلى ذلك الانحدار التدريجي والدمار الكلي للمكتبة القديمة. وبحلول عام 400 من الميلاد كانت المكتبة قد اختفت تمامًا، وانقضى عصر العلماء السكندريين بعد ذلك بسنوات ... ولكن ذكرى المكتبة القديمة ظلت حيةً في الأذهان.

 

 

المصدر: مكتبة الاسكندرية
  • Currently 231/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
78 تصويتات / 1744 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2009 بواسطة moneelsakhwi

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,167,757