رأيت نماذج لأنصاف المتنقبات فى وسط البلد وتحول جسد المرأة إلى شىء أكثر أهمية فى نظر الإسلاميين
فى الحلقة الثانية من كتابها تمسكى بحجابك يا فاطمة الذى صدر مؤخرا فى الأسواق الأمريكية تواصل الكاتبة الفنلندية سانا نيجوس قراءة المجتمع المصرى بكل التغييرات الطارئة عليه وكان الحجاب، الذى احتل مكانا بارزا فى عنوان كتابها، قد احتل مكانا مماثلا بين صفحاته، وهى تروى ما التقطته بعينيها فى شوارع القاهرة
تقول سانا نيجوس كانت تلك الفتاة ترتدى خليطا عجيبا من الثياب ترتدى الملابس المصرية التقليدية جونلة طويلة تصل لحد الكاحلين، وبلوزة فضفاضة تتناسب معها لكنها كانت تضع حجابا على رأسها وتغطى به وجهها بحيث لا يظهر منها إلا العينين
تناقض صارخ نصفها يرتدى النقاب الذى يفترض به أن يحول صاحبته إلى كيان غير مرئى ونصفها الآخر يرتدى الملابس العادية رأيت نموذجا آخر لأنصاف المتنقبات فى وسط البلد عندما كانت هناك واحدة تسير فى الشارع وهى تضع على رأسها نقابا يغطى صدرها لكنها ترتدى ملابس ضيقة تحته مكونة من جونلة وبلوزة تظهران تفاصيل جسدها الممتلئ
جرت العادة على أن تغطية الوجه بالنقاب تصاحبها ارتداء عباءة سوداء تخفى معالم الجسد بما فيها ارتداء قفازين لكن، كان متنقبة وسط البلد تسير بصحبة صديقتها وهى تهز أردافها بطريقة موحية متعمدة تجتذب انتباه الرجال من الشباب والشيوخ الذين يقضون أوقاتهم على مقاهى وسط البلد
ما الذى كانت تحاول هذه الفتاة ومثيلاتها إثباته؟ هل كانت تريد أن تبعث إلى المجتمع رسالة تقول فيها إنها فتاة فاضلة شديدة التمسك بدينها لكنها فى نفس الوقت فتاة مرغوبة مثيرة، وتسير على أحدث خطوط الموضة؟ رغم أن النقاب تحديدا ، هو زى من تريد أن تخفى نفسها، وتداريها عن الأنظار معلنة للناس أنها شديدة التمسك بأصول دينها
ينظر بعض دعاة الدين فى مصر إلى جسد المرأة على أنه شديد الهشاشة، وشديد التهديد فى آن واحد يتحول جسد المرأة إلى شىء أكثر أهمية وحضورا بكثير فى نظر الإسلاميين، من عقلها أو تفكيرها، وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن النقاب يتمتع بشعبية فى مصر، تماثل شعبية الحجاب الذى صار ينتشر بين كل طبقات المجتمع المصرى، دون أن يعنى الانتماء لطائفة دينية دون أخرى
لو سألت سيدة ما لماذا قررت أن ترتدى الحجاب، فسيكون ردها على الأغلب هو أنه بهدف التقرب من الله، وكثيرات ينظرن إلى الحجاب على أنه فرض دينى لا جدال فيه بينما ترى أخريات أن ارتداء الحجاب يعنى مزيدا من العفة والفضيلة للمرأة فمثلا، تكون المراة المصرية فى المواصلات العامة مثلا معرضة للتحرش والاحتكاك الجسدى، لذلك، يكون الحجاب وسيلة لأن تعلن به المرأة لمن حولها أنا مسلمة صالحة، برجاء عدم اللمس
الواقع أن تغطية شعر الرأس لا تمنح المرأة أى حماية إضافية من التحرشات فالمحجبة تنال نصيبها من المعاكسات مثلها مثل السافرة وإن كانت تلك المعاكسات أقل مثلا فى عربة السيدات الخاصة فى مترو الأنفاق العربة التى تتزاحم فيها أجساد النساء تفوح منها روائح التعب ومزيلات العرق، ونوعيات الثياب التى تزيد من حدة رائحته ويحاولن أن يحفظن توازنهن على الرغم من أحمالهن التى تتنوع غالبا ما بين حقائب التسوق والأطفال ربما يتصور البعض أن ارتداء نقاب، أو حتى حجاب فى مثل هذا الجو الخانق هو أمر غير عملى على الإطلاق، لكن الرد جاهز دائما على مثل هذا الكلام ربنا يكفينا شر حر نار جهنم
هناك علاقة لا يمكن تجاهلها بين الحجاب وبين دور المرأة فى المجتمع فنموذج الإسلاميين الأمثل هو نموذج الزوجة والأم التى تضع أسراها فوق أى شىء آخر لكن هذا نموذج لا يمكن أن يتحقق الآن فى مصر إلا لدى القادرين ماديا وعلى الرغم من أن النظرة الغربية للحجاب تنظر إليه على أنه إجبار يفرضه الرجل ويجبر به المرأة على الجلوس فى المنزل تحت رحمة زوجها والأعباء المنزلية وعلى الرغم من أن العديد من حالات الحجاب فى مصر تأتى بسبب ضغط الأب أو الزوج على زوجته إلا أنه بشكل عام، يكون الحجاب قرأ المرأة والواقع أن الحجاب يمثل عودة للعصور المظلمة، فمعظم المحجبات هن من العاملات بل إن بعض مؤيدى الحجاب يقولون إنه هو الضمان الوحيد للمرأة لكى تعمل فى أوساط يسيطر عليها الرجال ، إذ أن الحجاب رسالة مباشرة بأن صاحبته مسلمة صالحة، حتى وإن كانت تعمل خارج منزلها
إلا أن أحد أهم الأسباب الرئيسية للحجاب يمكن تلخيصه فى كلمة الضغوط الاجتماعية لو أن كل صديقاتها يرتدين الحجاب، إذن فمن الصعب أن تكون فتاة ما هى السافرة الوحيدة بينهن عادة تتحجب كثير من الفتيات فى سن المراهقة السن الذى تكون فيه الأهمية المطلقة والأولى لآراء الآخرين وما يظنونه عنك ويتم استقبال الفتاة التى تقرر الحجاب بكلمة مبروك كما لو أنه يوم عرسها حتى أن بعض المساجد صارت تقيم حفلات خاصة بالحجاب يكون البرنامج فيها هو سماع بعض الأغنيات الدينية وتضع الفتاة تاجا على رأسها، على طريقة ملكة حفلات التخرج الأمريكية وهى تجربة تلهب خيال المراهقات الأخريات التى تفكر الواحدة منهن فى ارتداء الحجاب على الرغم من ترددها وهى طريقة لا ينكر أحد مدى فعاليتها فى تدعيم موقع الحجاب وأهميته كزى إسلامى
فى مصر، يكون تأييد المجتمع والناس والعائلة والأصدقاء، أكثر أهمية وتأثيرا من الحرية أو الآراء الشخصية أقل القليل يجرؤ، أو حتى يرغب فى أن يكون مختلفا عن الآخرين كانت هناك مدرسة شابة فى إحدى المدارس الابتدائية تعد هى السافرة الوحيدة وسط مجموعة من المحجبات كانت ترى أنه ما دام الكل يعرف مدى أخلاقها والتزامها، إذن فهى لا تحتاج لحجاب يثبت ذلك حاولت زميلاتها المحجبات إقناعها بتغيير رأيها لو أنك مسلمة صالحة، فمن الأفضل لو أنك غطيت رأسك مرت شهور، دخلت بعدها المدرسة المتمردة على زميلاتها وهى ترتدى الحجاب وقالت بصوت فيه رنة استسلام أن هذا أفضل ، وأن الحجاب هو الاختيار الأصح
يمكن مقارنة هذه الظاهرة بحاجة الشباب الصغار فى الغرب لارتداء نوع معين من الثياب أو الجينز حتى يشعروا بأنهن صاروا مقبولين وسط شلة معينة من الأصدقاء والناس فى مصر، صار الحجاب يلعب نفس الدور، وإن كان يعنى بالطبع أيضا، أن صاحبته تنتمى لطائفة من المتدينين الذين يتمسكون بأصول دينهم
طبيبة شابة ناجحة غير محجبة قالت لى ذات مرة إن معظم صديقاتها قررن ارتداء الحجاب، قالت نحن غير المحجبات، نشعر طيلة الوقت بأننا فى موضع اتهام لابد من أن ندافع عن قرارنا بعدم الحجاب دون كلل وكثير من النساء لا يملكن القدرة على الجدال مع هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حماة للأخلاق وللفضيلة من الأسهل دائما أن تسير مع التيار لكن أحدا لن يعترف بأن هذا هو السبب الحقيقى وراء ذلك أعتقد أن الظاهرة كلها صارت مجرد نفاق بحت
مثل هذا النفاق أمر له جذوره فى هوس المصريين بزيادة التركيز على المظهر الخارجى لتدينهم فى هذه الأيام تحول الأمر إلى ما يشبه الموضة صارت موضة أن تعلن تدينك للناس فى مصر وزاد استهلاك الناس لكل المظاهر الخاصة بالدين صرنا نرى أعدادا متزايدة من الرجال يعبثون بحبات المسابح بين أصابعهم وهم يرددون اسماء الله الحسنى بينما ترتفع أصوات المقرئين من شرائط القرآن من هنا وهناك ويحتفظ كل سائقى التاكسى تقريبا بنسخة من القرآن على تابلوه السيارة
وصل الإقبال على المساجد إلى أقصاه وكل عمارة كبيرة فى المدينة فيها زاوية للصلاة، إن لم يكن مسجدا وعادت الملصقات الدينية التى تم منعها فى السبعينيات بعبارات مثل لا إله إلا الله لتجد مكانا بارزا على زجاج السيارات الخاصة وحتى فى وسائل المواصلات العامة وإذا كان الحجاب هو علامة المرأة المتدينة فإن الزبيبة هى علامة الشاب الصالح تلك العلامة التى تظهر على الجبهة من أثر السجود إضافة إلى اللحية بالطبع
كل هذه المظاهر تعكس شكل التدين الظاهر فى مصر لكن النفاق الاجتماعى يأتى بعدها غالبا كانت إحدى القصص التى جذبت اهتمام وسائل الإعلام فترة طويلة هى قصة رجب السويركى صاحب محلات التوحيد والنور سلسلة محال تجارية لصاحبها المتدين، صاحب اللحية البارزة للعيان لكنه كان يمتلك ضعفا خاصا تجاه النساء الشابات
واجه السويركى اتهامات بأنه كان متزوجا من خمس نساء إضافة إلى زوجة أخرى بعضهن تحت السن القانونى، ووفقا للاتهامات ، كان السويركى يتزوجهن لبضعة أيام أو ساعات ثم يمنحهن نقودا، وهو ما يجعله متورطا بكلمات أخرى، فى دعارة شرعية
نعود للحجاب المظهر الأهم فى المجتمع المصرى المتدين حاليا بعض النساء قررن ارتداء الحجاب احتجاجا على الطريقة التى يتم بها تحويل جسد المرأة إلى سلعة وهن يرتدين غالبا الحجاب الأقرب إلى الخمار الذى يدارى معظم تفاصيل الجسد ولو كان البعض يتصور أن ارتداء المصرية للحجاب يساعدها على خفض نفقات تزينها وذهابها للكوافير مثلا فما عليه إلا أن ينظر إلى ذلك البيزنس الكامل الذى ظهر على هامش الحجاب صار للمحجبات محال تجارية خاصة بهن لبيع الملابس الخاصة بهن الإيشاربات وما يليق بها من ثياب مجلات المرأة صارت تقدم نصائح أناقة خاصة بربطات الحجاب وصارت هناك محلات فى القاهرة تبيع إيشاربات من تصميم أشهر بيوت الأزياء العالمية
لكن على الجانب الآخر فإن هناك فتيات كثيرات لا يردن ارتداء الحجاب وبعضهن خلعنه بعد ارتدائه البعض الآخر يرفضن الحجاب كجزء من رفضهن لزيادة مد التيار الإسلامى وزحفه على مصر وإن كان ذلك لا يعنى أنني أقل تدينا أو إيمانا أو التزاما من المحجبات هن فقط يرين ن الإسلام لا يحتاج إلى حجاب أحيانا تكشف المرأة شعرها كعلامة على ميولها المدنية وليس الدينية أو على تفكيرها العلمانى أو على أنها تحيا على الطريقة الغربية أو حتى كإعلان عن رقى وضعها وحريتها الاجتماعية فى أن تخرج على الناس من دون حجاب أحيانا أخرى ترفض المرأة الحجاب من وجهة نظر المدافعات عن حقوق المرأة التى تعتبر الحجاب أداة للتمييز والتفرقة بين الرجال والنساء وعلى الرغم من ذلك، فإن غير المحجبات يشعرن بأنهن فى حاجة مستمرة لتأكيد تقواهن وتدينهن من خلال سلوكهن أو اختيارهن فى ارتداء الملابس المحتشمة
هديل كاتبة فى مجلة ثقافية فى أواخر العشرينيات من عمرها لا تريد ارتداء الحجاب أعتقد أنه علامة ظاهرة على التدين وأن الأهم منه هو الإيمان الداخلى والأخلاقيات والمبادئ هى فتاة جادة تحيا مع والديها ليس لديها علاقات ولا تشرب الكحوليات تحافظ على صلواتها وتصوم رمضان ولكنها لا ترى أن الحجاب مطلوب لإثبات حسن سيرها وسلوكها
البوم صور عائلة هديل يظهر كيف تغيرت الأزمنة فى مصر الصور التى تم التقاطها فى الستينيات يمكن أن تكون صورا التقطت فى أى مكان من العالم تصفيفات شعر متقنة والنساء يضعن كحلا كثيفا على العينين ويرتدين المينى جيب كان ذلك المشهد معتادا فى شوارع القاهرة بنفس الشيوع الذى صرنا نرى به المحجبات فى شوارعها اليوم وشيئا فشيئا تظهر صور السبعينيات ظهور مد التيار الإسلامى وتزايد عدد الأقارب المحجبات حتى وصلنا إلى بداية التسعينيات وتحجبت أم هديل بعد عودتها من رحلة الحج
فئة أقل من النساء هى الفئة التى قررت أن تخلع الحجاب وهى بالنسبة لهم مسألة حساسة لا يرغبن فى التحدث عنها، لأن المجتمع المصرى لا يتقبل ولا يفهم فكرة أن تخلع فتاة حجابها، لابد أن هناك خطبا ما فيمن تفعل ذلك
ارتدت هالة الحجاب فى سنوات مراهقتها مثل العديد من صديقاتها، تقول فى ذلك السن، تكون الواحدة منا أكثر ميلا للتدين، ويكون الحجاب وسيلة من أجل إظهار ذلك للآخرين كانت هالة تحضر أحد دروس الدين فى المسجد، وتقول عن الحجاب إنه مسألة تتابعية واحدة من الفتيات ترتدى الحجاب فتتشجع صديقاتها الواحدة تلو الأخرى على ذلك
مرت سبعة أعوام، وبدأت هالة تشعر بتغير فى قلبها كنت أوشك على التخرج من الجامعة وشعرت بأننى أوشك على أن أبدأ شيئا جديدا لم أعد طالبة ولم أعد أشعر بأن الحجاب رمز دينى خالص كان تمسكى بالحجاب فى سنوات مراهقتى فقط عندما كان كل شىء إما أبيض أو أسود وكان من السهل أن أؤمن بضرورة وحتمية الحجاب دون أن يساورنى شك
المصدر: الفجر
نشرت فى 23 سبتمبر 2010
بواسطة momenelsuni
مهندس مؤمن السني (حبيب الرحمن عبد الفتاح علي ) أسيوط البداري
فني صيانة كمبيوتر وتركيب شبكات الانترنت السلكية واللاسلكية »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
100,109