هو عاشق للآثار من الطراز الأول.. يتجلي عشقه لها في تفانيه في عمله الذي قدم من خلاله عشرات الاكتشافات الأثرية التي أذهلت العالم وصححت الكثير من الأخطاء التي قدمها بعض المستكشفين الأجانب عن تاريخ الفراعنة.
عشقه للآثار وحرصه علي صيانتها وترميمها واكتشاف المطمور منها ورغبته في الحفاظ عليها من الضياع جعله يخوض معارك كثيرة آخرها معركته الشرسة من أجل إصدار قانون الآثار الجديد الذي ظل سنوات طويلة حبيس الأدراج.
إنه الدكتور زاهي حواس أمين المجلس الأعلي للآثار الذي لم ينل عالم أثري من الشهرة مثلما نال هو سواء محليا أو عالميا ليظل اسمه مقرونا بالاكتشافات الأثرية التي تبهر العالم وتصحح التاريخ وتضيف إليه.
«الدستور» التقته وكان معه هذا الحوار:
> بداية.. كانت لك جملة في مقدمة قانون الآثار 117 لسنة 1983 قلت فيها: «سرقة الآثار هي سرقة لعرض وتاريخ مصر».. ألهذه الدرجة؟
- نعم.. بل أكثر من ذلك، فقد تعمدت وأكدت ذلك لأظهر حجم الجرم المصاحب لتهريب وسرقة الآثار، كما أنني أشير إلي أن المصري الذي يقبل علي هذه الخطوة كأنه ينوي سرقة عرض وتاريخ وحضارة مصر!
> هل أنت راضٍ عن قانون الآثار الجديد؟
- صراحة إلي حد ما .. فكم كنت أتمني أن تطبق عقوبة المؤبد علي مهرب وسارق آثار مصر بدلاً من الـ15 عاماً، ومع ذلك أوضح أننا خطونا خطوات فعالة وجادة في هذا الإطار، مثل إلغاء نسبة الـ10% التي كانت تحصل عليها البعثات الأجنبية، فضلاً عن تمتعنا بعلامة تجارية ونماذج أثرية ننفرد بها عن غيرنا.
> أهذا يعني أن القانون القديم كان يمنح البعثات الأجنبية 10% من آثارنا التي يكتشفونها؟
- أقول إن هذا البند كان موجوداً في القانون القديم وحرصنا علي إلغائه في القانون الجديد، لكن علي أي حال لم يحدث أن حصلت أي بعثة علي هذه النسبة لا قديماً ولا حديثاً.
> لماذا اعترضت علي تجارة الآثار داخل مصر؟
- تداول أو تجارة الآثار داخل مصر من الأخطاء الفادحة؛ فلسنا هنا في أوروبا التي نلتمس لها العذر في هذا المجال نظراً لعدم تمتعها بحضارة مثلنا، ودعني أقول إن مصر مليئة بالآثار وقد يكون أسفل منزلي ومنزلك آثاراً وهذا يعني أننا سنهدم بيوتنا ونتصارع وتزيد ظاهرة الهوس بالآثار أكثر فأكثر ويدخل البلد في حالة فوضي!!.. ومن هنا أكدت خطأ هذا القانون ومن ثم لم ينفذ.
> لك دور مهم وحيوي في استرجاع «إنجيل يهوذا» من أمريكا.. فكيف تراه كقيمة أثرية ودينية بعد نشر ترجمته علي أحد المواقع الإلكترونية رغم تصريحك بعدم رجوع 25% منه؟
- دعني أوضح لك أن «إنجيل يهوذا» سرق من مصر الوسطي عام 1930 وذهب إلي سويسرا ثم أمريكا، وقد استطعنا بفضل الله أن نرجع منه الجزء الأكبر، علماً بأنني أعمل علي ذلك كأثري ولا علاقة لي بمحتواه، أما عن النسبة الباقية فسوف تعود لاحقاً وأنا حريص شخصياً علي ذلك.
> أحد الكتب الحديثة في مجال الآثار حذر من وجود اختراق صهيوني لآثارنا.. فكيف ترد؟
- دعني أقول بأننا خضنا معارك حقيقية في هذا المجال، فالأبطال وحدهم من يخوضون مثل هذه المعارك وأستشهد لك بعدم وجود أي نوع من التطبيع الثقافي أو الأثري مع إسرائيل، هذا إلي جانب أنه لا يمكن من جانبي- أنا زاهي حواس- أن أسمح بوجود بعثة إسرائيلية في مصر علي الإطلاق، بل أشدد علي أن هذا الكلام غير دقيق، والدليل أن أي بعثة أثرية ترغب في العمل بمصر، لابد لها من الحصول علي موافقة الأمن القومي، وأمن الدولة إلي جانب اللجنة الدائمة.
> لكن هناك من يؤكد ذلك من رجال المجلس نفسه، بل نشره في وسائل إعلامنا و....؟
- «مقاطعا».. أؤكد أنه يوم أن يكون هناك بعثة أثرية إسرائيلية تعمل في مصر فإنني سأستقيل من منصبي في اليوم الثاني مباشرة علمًا بأنني عندما أصرح بهذا الكلام أجد اليهود يهاجمونني في كل مكان، لكن مع ذلك أطمئن الجميع بأن ما يقال عن وجود مثل هذه البعثات ليس له أي أساس من الصحة علي الإطلاق ومن كتب هذا الكلام اعتمد علي خلافات الأثريين فيما بينهم علماً بأن أي شخص يعمل لدينا، يخضع لمعايير وترتيبات دقيقة جداً.
> كثيرون من أهل الاختصاص انتقدوا وجود 300 بعثة أجنبية أثرية في مقابل 10 بعثات مصرية.. ما المبررات؟
- أولاً البعثات المصرية يصل عددها إلي 30 بعثة وليست 10، والأجنبية 200 بعثة وليست 300، ومع ذلك أتمني أن تكون جميع البعثات التي تعمل في الآثار مصرية، فعن نفسي يعمل معي 5 بعثات مصرية.
> ألا يوجد أمل في استرجاع حجر رشيد من إنجلترا ورأس نفرتيتي من ألمانيا؟
- بالطبع هناك أمل.. ولم ولن نصمت إلا إذا رجع الأثران العظيمان وغيرهما من الآثار المسروقة إلي مصر، وقد رفضت التوقيع علي اتفاقية اليونسكو التي تمنع رجوع الآثار المنهوبة قبل 1970 إلي مصدرها لهذا السبب، لأنه لا يعقل أن أترك آثارنا التي سرقتها هذه الدول سواء قبل تاريخ الاتفاقية أو بعدها دون أن أعمل علي استرجاعها، وما أريد إضافته في هذا المجال هو أنني عقدت مؤتمراً في أبريل الماضي لحث الدول التي سرقت منها أي آثار للمطالبة بحقوقها، وسنستمر في ذلك حتي نسترجع كل الآثار الموجودة في الخارج.
> كم وصل عدد القطع الأثرية التي عملت علي استرجاعها من الخارج منذ توليك أمانة المجلس؟
- حوالي 6 آلاف قطعة أثرية علي مدار 8 سنوات تقريباً أي منذ 2002 وحتي الآن، كما نبذل أقصي جهودنا حالياً لاسترجاع ما تبقي من آثار هنا أو هناك.
> دعنا نلقي الضوء أيضاً علي الآثار التي نهبتها إسرائيل أثناء احتلالها أرض سيناء ونسأل: ما الجديد في هذا الملف؟
- شهادة الدكتور عبدالحليم نور الدين أمين عام المجلس الأسبق والخبير الأثري الدكتور محمد عبدالمقصود وخبراء الآثار واللجان المرافقة التي سافرت لإسرائيل، فإنهم جميعاً يؤكدون أننا استرجعنا كل آثارنا وهذا جانب مهم جداً في هذه القضية.. الجانب الآخر هو أنني منتظر أي شخص يخبرني عن هذه القطع وأنا أطالب بها علي الفور، لكن بصراحة ليست لديَّ معلومات حقيقية تؤكد أن إسرائيل لديها أي آثار مصرية ولم ترجع حتي الآن.
> أحد الأثريين الكبار انتقد سفر العجلة الحربية للملك توت عنخ آمون كأثر فريد ومتهالك لا يجب نقله حسب نص قانون الآثار الجديد.. ما رأيك؟
- نحن نمتلك 6 عجلات حربية من هذه العجلة، يعني النموذج الذي سافر مُكرر، ففكرة سفره علمية بحتة، وذلك في سياق أن الملك «توت عنخ آمون» يحتمل أنه قد انتحر من أعلي عربته الحربية، ولهذا السبب أرسلت هذه القطعة لتنضم إلي معرضنا بأمريكا حتي تكتمل القصة العلمية التي أشرنا إليها، وفي الوقت نفسه نزود عدد رواد المعرض لأنني باختصار أحتاج إلي أموال لاستمرار تطوير آثارنا وهنا أسأل: ما فائدة أن نضع أثرا في متحف، ولدينا فرصة لعرضه في الخارج للأسباب التي أشرت إليها مع الحرص الشديد عليه الإجابة متروكة لك وللقارئ؟
- أكرر، أنا محتاج كما قلت إلي فلوس لاستكمال عمليات التطوير بكل مراحلها لآثارنا التي تحتاج إلي العمل المستمر والدؤوب سواء في مجال الترميم أو الحماية أو الصيانة فضلاً عن الحفائر.. وتلك البنود جميعاً تحتاج إلي مبالغ ضخمة، وهذه هي مبرراتي في سفر العجلة.
> هناك من أثني علي مشروع «القاهرة التاريخية»، وهناك من انتقده بسبب إسناده إلي شركات مقاولات غير متخصصة لم تراع أو تحافظ علي روح العمل الأثري.. ما تعليقك؟!
- إذا كنت قد أسندت أعمال مشروع «القاهرة التاريخية» إلي شركات مقاولات مصرية حتي لو كانت غير متخصصة فإنني بذلك أكون قد نجحت فعلاً، وما تم في هذا المشروع يعد إنجازاً بكل المقاييس لأنه عمل عظيم فعلاً وضخم ويجب أن آخذ عليه «تعظيم سلام».
> ما حقيقة الاتفاقية الموقعة بين المجلس الأعلي للآثار والجمعية الجغرافية الأمريكية علي إجراء دراسة عن المومياوات المصرية وتحديداً للأسرة 18؟!
- هذا الكلام حدث منذ 2005، ونحن الآن في 2010، أي أنه قديم جداً، فالجمعية صورت فقط «توت عنخ آمون»، ونحن الذين قمنا بالدراسة كعلماء آثار مصريين، وذلك ضمن عمل أطلقنا عليه «المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية».. ووقتها اتفقنا مع هذه الجمعية علي أن تصور الدراسة مقابل أن تمنحنا جهاز أشعة مقطعية ثمنه 5 ملايين دولار.
> لكن هناك من يؤكد أن المشروع لم يقف عند توت عنخ آمون، بل امتد إلي أسرته كذلك؟.
- نعم هذا صحيح فقد استكملنا الدراسة علي عائلة هذا الملك ووقتها سألت شركات عالمية ترغب في تصوير تلك الدراسة عمن يدفع أكثر وتقدمت «الديسكفر شنال»، وأبدت استعدادها للدفع أكثر، وبالفعل جهزت لنا معملين لتحليل الـ «DNA» أحدهما في بدروم المتحف المصري والآخر كان بكلية طب القاهرة العام الماضي، وقد دفعت هذه الجهة أيضاً أجر علماء الـ «DNA» الذين عملوا في هذه الدراسة.
> وما ردك علي من يري وجود خطورة من تحاليل الـ «DNA» علي تاريخ وآثار مصر من الجانبين السياسي والديني؟
- هذا الكلام غير صحيح أيضاً، لأنني عندما أنوي عمل مشروع كهذا، فإنني أستخدم التحليل السابق ذكره وهذا يكلفني مبالغ كبيرة جداً، الأمر الذي جعلني أعتمد علي التمويل الخارجي مع الحرص الشديد - كل الحرص - علي ضمان حقوقنا كاملة من جميع الجوانب، ونحن من نقوم بهذه الدراسة وليس الأجانب، هم فقط يصورون فهل هذا عيب؟.. نحن نتقاضي مبالغ ضخمة نظير تلك التسجيلات وموضوع الاستغلال عالمياً ضد مصر، فأنا أقول بأن هذا الأمر يفيد مصر ولا يضرها.
> المعلومات التي وصلتنا تفيد أن تحليلات الـ «DNA» تستخدم لخلق فجوة بين جينات المصريين القدماء والحاليين لأسباب لا تخفي علي عاقل؟.
- أشدد علي أن هذا الكلام يصب في خانة «نظرية المؤامرة»، ولذلك أريد أن أوضح لك أننا لم نكن نعلم أي شيء عن والد ووالدة توت عنخ آمون وباستخدام هذا التحليل توصلنا إليهما، وهذه هي القصة الحقيقية كاملة من استخدام تحليل الـ «DNA».
> بقي لنا الحديث عن ضياع 1578 قطعة أثرية في تل بسطا بالشرقية، بالإضافة إلي وجود قطع مجهولة المصدر؟.
- آثار تل بسطا مازالت طي الدراسة حتي الآن؛ فهناك لجنة مكونة من متخصصين بالمجلس الأعلي للآثار تجرد هذا المخزن منذ العام 2004 وحتي الآن ونحن بصدد التوصل إلي نتائج قريباً للكشف عن الآثار المفقودة وأيضاً القطع الأخري مجهولة المصدر وما حدث في هذا المكان كان في عهد الدكتور جاب الله- الأمين العام السابق للمجلس- وقد جاء ذلك نتيجة لخبطة في عدد القطع المسجلة نتيجة نقلها من مكان لآخر لكن لو ثبت ضياع أي من هذه القطع فسأقدم المسئولين عن ذلك للتحقيق فوراً.
> كيف ضاعت تلك الآثار بمحافظة البحيرة التي يصل عددها إلي أكثر من 25 تلاً تعادل الألف فدان تقريباً؟
- هذه المساحات حالياً تحت يد الأهالي ونحن نقوم فيها بالحفر، سواء في شوارعها إذا كانت منازل أو بداخل الأرض إذا كانت زراعية، أي أن المجلس يتحرك في جميع الاتجاهات، علماً بأن استيلاء الأهالي عليها ليس وليد سنة أو عشرة.. بل عشرات السنين.
> صرحت مؤخراً بأنك مليت من الشهرة التي صبغت عليك رضا وقبول الخارج والداخل حتي إننا لم نستبعد إعلانك الترشح لرئاسة الجمهورية؟
- مقاطعا.. أنا فعلاً مليت من الشهرة لكن أجمل شيء عملته في حياتي هو أنني ابتعدت عن السياسة ولم أدخلها يوماً بل لم أطمح في أي لحظة أن أكون سياسياً، حيث إنني وهبت حياتي كلها للآثار فقط؛ فهي عشقي وقد عشت طوال عمري أحلم بآثار وتاريخ وحضارة مصر لذلك فأنا أؤكد لك أنني سعيد بشكل مطلق وراض بما أنا فيه، ولم أأمل إطلاقاً للوصول إلي أكثر مما وصلت إليه.
> آخيراً.. كيف تري مستقبل الآثار والأثريين في مصر؟
- منذ توليت مسئولية المجلس وأنا حريص علي تدريب ما لا يقل عن 1500 شاب من أعلي الكفاءات في هذا المجال، وهؤلاء الشباب أثبتوا فعلاً كفاءاتهم في أكثر من مجال كالحفريات والترميم والصيانة وخلال الـ 8 س