إنه لما نزلت هذه الشريعة الحقة وأرسل هذا النبي الكريم، إذا بالقلوب التي كانت تعمر بالمجون وحب الفجور، إذا هي تعمر بالمحبة لله والولاء لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا بالقلوب التي كانت تستلذ وتستعذب الشهوات وزينة الحياة الدنيا، إذا بها تستلذ وتستعذب التقرب إلى الله بالنفس والنفيس لتفوز عند ربها في الحياة الآخرة، بل بلغ بهم الإيمان مبلَغَه حين جعلهم يستلذون في سبيله كل صور التعذيب والتشريد والبعد عن الأهل والبلد.
ولما خالط الإيمان بشاشة قلوبهم أصبحوا يتلذذون بكل أذى يلقونه من قريش، وكأنهم حين تعذيبهم أو تشريدهم يتقلبون في جنان الخلد أو في أنهار من ماء غير آسن.
نعم، هكذا صنع بهم الإيمان وهكذا يصنع، ولكن متى؟!! حينما تخالط بشاشته القلوب.
لقد علم هرقل وهو بعدُ على الكفر والإلحاد أن الإيمان حين تذاق حلاوته وتخالط بشاشته القلوب، حينها لا يستعاض عنه بشيء ولو كان فيه إزهاق النفس أو ملك الدنيا، فها هو حينما سأل أبا سفيان في مجلس استجواب له قال هرقل: يا أبا سفيان: أيرتد أحدهم (يعني من أصحاب محمد) أيرتد أحدهم سخطة على دينه، فقال أبو سفيان: اللهم لا، فقال هرقل: وهكذا الإيمان يفعل حين يخالط القلب.
أيها الإخوة في الله، هاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذى في بلد الله الحرام، وهو المؤيَّد بجبريل وبالوحي والتنزيل وهو أِشرف مخلوق وأكرم عابد عند الله تعالى، ومع ذلك يؤذى ويؤذى، ولكنه صابر صبر الجبال الرواسي أو أشد، لأن الإيمان قد استقر في سويداء قلبه عليه الصلاة والسلام.
وهو يصبر هذا الصبر، ليضرب لأصحابه أروع مثال وأصدق خبر، على أن الإيمان إذا استقر في قلب المؤمن، فلا يغره أن ينعم البدن أو يعذب، ما دام القلب عامراً بالله.
فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجر الكعبة فيقبل عليه عقبة بن أبي معيط فيضع ثوبه على عنق رسول الله فيخنقه خنقاً شديداً حتى أقبل أبو بكر فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله.
بل وأشد من ذلك، تُلقى القذارة على ظهر الشريف ـ بأبي هو وأمي ـ وهو ساجد عند الكعبة فلا يستطيع الرفع من السجود حتى أتت فاطمة فأزالت عنه ذلك، إلى غير ذلك من الأذى الأكبر الحاصل من تكذيبه وهو الناصح الأمين والإعراض عنه وهو النذير المبين بين يدي عذاب أليم.
وهكذا عانى أصحابه رضي الله عنهم أشد المعاناة. وما تعذيب آل بلال وآل ياسر إلا نماذج من ذلك، بل إن الأذى ليصل إلى أشراف القوم من أمثال الصديق رضي الله عنه وغيره من الصحابة.
ومع ذلك كله فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفث في أرواحهم الأمل ويذكرهم بسنة الله في أنبيائه والدعاة إليه.
أيها الإخوة في الله، إن شهادة أن لا إله إلا الله لم تكن مجرد كلمة تقال باللسان فحسب، ولا يمكن أن تكون كذلك في أي مرحلة من مراحل هذا الإسلام العظيم، إنما كانت هذه الشهادة نقلةً بعيدةً ومعلماً فاصلاً بين حياتين لا رابطة بينهما حياة الكفر وحياة الإيمان.
إن حياة الإيمان تعني الانقيادَ التام والتسليمَ المطلق لله ولرسوله، ونبذ موازين الجاهلية وقيمها وأخلاقها وأعرافها وتشريعاتها وراءه ظهرياً.
وتعني أيضاً الولاء المطلق لله ورسوله، والعداء الصارم للكفار ولو كانوا آباءاً وإخواناً وأزواجاً وعشيرة.
وتعني أيضاً فريضة الصبر على الأذى في الله الذي لا تطيقه إلا نفوس سمت إلى قمة تحمل الفرائض والواجبات، حتى إن الواحد ليكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار.
أيها الإخوة المؤمنون، إن العجب العجاب في أمر الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، أنه لا يجعل صاحبه يتحمل الأذى في سبيل الله فحسب، بل يسمو به حتى يحيل هذه الأشياء التي ظاهرها مكروهة للنفس، وتضيق به الضمائر، وتغلق دونه الأرواحَ يحيلها إلى أشياء يلتذ بها المؤمنون، فتصبح عليه مثل الماء البارد والطعام المستعذب.
وحينها يرى فقراء القلوب أن هؤلاء مساكين لم يجدوا من حلاوة العيش شيئاً ولم يذوقوا لذتها، وما علموا أن هؤلاء قد حازوا الحلاوة كلها، وأن المحروم كل المحروم من فات من هذه الدنيا ولم يذق أطيب وألذ وأحسن ما فيها، ألا وهو الإيمان بالله وبرسوله.
أيها الإخوة، من رأى منكم غاراً موحشاً قد عفا عليه الزمان وعلاه الغبار من كل مكان، وخالطت الظلمة أرجاءه، ومازجت الوحشة جوانبه وأطرافه، وأحاطت به تلك الحفر التي لا يعلم ما بداخلها أهو خير فينتظر، أم شر فيتقى، تصور معي ذلك المنظر ـ أعني منظر الغار الموحش ـ، ولو قيل لرجل نم فيه ليلة واحدة ولك كذا وكذا من المال أو من الجاه، لما رضي به ولو يملك الدنيا، ولكن حينما تكون القضية قضية إيمان ونفاق، قضية إسلام وكفر، حينها يستعذب الإنسان كل شيء حتى الحفر المظلمة ما دام معه الإيمان الذي يخالط قلبه.
وإذا بالظلمة الموحشة تنقلب مع الإيمان نوراً يضيء جوانب الغار، وإذا بالخوف ينقلب أمناً وطمأنينة لا يثبت بها نفسه فحسب، بل يثبت بها من معه من المؤمنين، وإذا بالصخور تنقلب أرائك يتكئ عليها أو وسائد ينام عليها، وإذا بالحفر المظلمة الموحشة تكون مع الإيمان مصدر أمن وأمان، بل ملجأ يعبد الله فيه وحده لا شريك له، حيث لا رقيب ولا حسيب إلا الله.
تعال معي لنتأمل ذلك المشهد الرائع والموقف الإيماني الذي تتجلى فيه أكمل صور الإيمان، وحيث الغار الذي بات فيه صاحباه ثلاثة أيام إنه غار ثور، الغار الذي أصبح مخبأ لمن؟ لأشرف مخلوق وأكرم عابد، ألا وهو رسول الله ومن معه ؟ معه أكرم إنسان بعد الأنبياء وأفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، ألا وهو الصديق.
وذلك حينما ذهبَا مهاجرين من مكة إلى المدينة كمنا في غار ثور، ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك يا رسول الله، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه ونظفه ووجد في جانبه ثقباً، فشق إزاره وسدّها به، وبقي منهما اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله: أدخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجر أبي بكر ونام، نعم نام: إِذْ يُغَشّيكُمُ ?لنُّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ [الأنفال:11]، فلدغ أبو بكر في رجله من الحجر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقطع عليه نومه، فلما أحس أبا بكر بألم اللدغة سقطت منه دمعة، فإذا هي تسقط أول ما تسقط على وجه محمد صلى الله عليه وسلم فاستيقظ رسول الله فقال: ما لك يا أبا بكر. فقال: لدغت ـ فداك أبي وأمي ـ فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على اللدغة فذهب ما يجده أبو بكر.
وهكذا مكثا في الغار ثلاث ليال ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد، حتى بلغ من تحري المشركين عنهم أن وقفوا على حافة الغار؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر ينظرون ما الله فاعل بهم، يقول أبو بكر وهو خائف على رسول الله: يا رسول الله لو نظر أحدهم أسفل قدمه لرآنا، فيرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ?للَّهُ... الآية.
عجيب أمر هذا الإيمان كيف بلغ بأصحابه هذا المبلغ العظيم، بل تجد أصحابه يُؤْذوْن في العيش والراحة في المطعم والمشرب في سبيل المحافظة على هذا الإيمان، ولا أجد مثالاً لذلك كمثل أولئك الفتية الذين لجؤوا إلى مغارة أو إلى غار أو قل إلى كهف، لجؤوا إلى الكهف لأنهم لم يجدوا مكاناً لهم يعبدون الله فيه غير هذا الكهف، فإذا بالغار يكون مسكنهم ومعاشهم ومسجدهم ومكانهم الذي يتعبدون فيه، كل هذا لأجل المحافظة على هذا الإيمان أن تشوبه شائبة أو يدنسه شيء.
أيها الإخوة، إن موقف هؤلاء الفتية يعرض أنموذجاً للإيمان في النفوس المؤمنة، كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الأرض ومتاعها، وتلجأ به إلى الكهف حين يعز عليها أن تعيش به مع الناس.
وكيف يرعى الله هذه النفوس المؤمنة ويقيها الفتنة ويشملها بالرحمة: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَـ?بَ ?لْكَهْفِ وَ?لرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ ءايَـ?تِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى ?لْفِتْيَةُ إِلَى ?لْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى? ءاذَانِهِمْ فِى ?لْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَـ?هُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى? لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا [الكهف:9-12].
إن هؤلاء الفتية الذين لجؤوا إلى الغار ما كانوا ليُذْكَروا في كتاب الله ولا يمتدحوا، لولا أن الإيمان خالط سويداء قلوبهم، ولولا أنهم ضحوا بلذاذة العيش في سبيل المحافظة على الإيمان لما ذكروا في كتاب الله، ولماتوا وماتت أخبارهم كما ماتت أخبار أناس كثيرين، لكنهم آثروا الباقي على الفاني لما علموا أن القضية قضية إيمان وكفر، انكشفت القلوب على شأن عظيم، فإذا هؤلاء الفتية يعتزلون قومهم ويهجرون ديارهم ويفارقون أهليهم، ويتجردون من زينة الأرض ومتاع الحياة، هؤلاء هم الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم، هؤلاء يستروحون رحمة الله، ويحسون بهذه الرحمة ظليلة فسيحة ممتدة، وانظر لتعبيرهم الذي قصه الله لنا: وَإِذِ ?عْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ?للَّهَ فَأْوُواْ إِلَى ?لْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا [الكهف:16]، فلفظة: يَنْشُرْ توحي بالسعة والبحبوحة والانفساح، وأنى يكون ذلك مع الكهف الضيق الموحش المظلم، لكنه الإيمان، نعم الإيمان، فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها وتمتد ظلالها، وتشملهم بالرفق واللين والرخاء، إن الحدود الضيقة لتنزاح، وإن الجدران الصلدة لترق، وإن الوحشة الموغلة لتشف، فإذا الرحمة والرفق والراحة والارتفاق. إنه الإيمان.
ما قيمة الظواهر؟ وما قيمة القيم والأوضاع والمدلولات التي تعارف عليها الناس في حياتهم الأرضية؟
وما قيمة المركب الفاره والمسكن الوتير المثير ما دامت القلوب تضيق بالمعصية وضعف الإيمان، أو بالكفر والطغيان، إن المسكن الوسيع والمركب الوتير والمال الجم الغفير لا يعني شيئاً ما دامت القلوب ضيقة لم تذق سعة رحمة الله ولم تذق حلاوة الإيمان به والأنس بذكره وبطاعته، وإن المسكن الضيق والمركب الصغير والمال القليل، بل والكهف الموحش أو الغار المفزع ليصبح جمالاً وأنساً وراحة ما دام القلب يتقلب في محاب الله بين ذكره وشكره، وبين مناجاته ودعائه.
وَبَشّرِ ?لْمُخْبِتِينَ ?لَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ?للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ?لصَّـ?بِرِينَ عَلَى? مَا أَصَابَهُمْ وَ?لْمُقِيمِى ?لصَّلَو?ةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـ?هُمْ يُنفِقُونَ [الحج:34، 35].
إن هذا الإيمان إذا استقر في سويداء القلب ملأ أركانه خشية وإنابة وخوفاً ووجلاً وإخباتاً، فأصبحت به القلوب لا يهمها أين عاشت أبدانها، أو سكنت أعضاؤها ما دام القلب يستروح رحمة الله، ويأنس بذكره.
فأي حياة صالحة مليئة بالأنس والراحة ضيعها على نفسه ذلك المعرض عن الله، وكيف أسكن قلبه الحشوش والكهوف وترك الجسد يتنعم بين أريكة وحريرة وقلبه محبوس عن الله.
اللهم أيقظ الإيمان في قلوبنا، واملأ قلوبنا إيماناً ويقيناً، واغفر ذنوبنا، ولا تحرمنا من الأنس بك واللهج بذكرك يا رب العالمين.
_________
الخطبة الثانية
_________
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أيها الإخوة في الله، لا غريب بعد أن استجلينا هاتيك الصور الإيمانية، واستروحنا عبيرها، ورأينا كيف يصنع الإيمان بالقلوب بل بالأبدان والأرواح، لا غريب حينئذٍ أن تسمع أن بالإيمان يحصل ما تحار به العقول، ولكن حين تعلم أن هذا بسبب الإيمان لا يساورك أدنى شك ولا ريب، فهاهو خبر الغار يعود علينا من جديد، ومع ثلاثة نفر من بني إسرائيل يحكي قصتهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار)).
أيها الإخوة، آواهم المبيت ونآى بهم المكان حتى دخلوا غاراً ليرتاحوا ساعة من الدهر، وإذا بقدرة الله وقدره تنطلق صخرة ضخمة تسد باب الغار، فيزداد ظلمة على ظلامه، ولكن ماذا حصل يا ترى؟ ما الوسيلة؟ أيكسرون الصخرة أم يثقبونها أم ماذا يفعلون؟
وهنا ينطلق الإيمان من القلوب المؤمنة الموحدة المتوضئة التي عرفت الله في الرخاء فعرفها في الشدة، إذا بالغار ينقلب إلى مسجد من المساجد، ومكاناً للتضرع والدعاء بين يدي الله تعالى، ولولا الإيمان الذي استقر في قلوبهم لما فعلوا ما سيفعلون.
((فقال أحدهم: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهم حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت ـ والقدح على يدي ـ أنتظر استيقاظهما حتى بَرَق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة. فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه، قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي، فأردتها على نفسها، فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين ـ أي فقر وحاجة ـ فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدِرت عليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم استأجرت أُجَراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرتُ أجره حتى كثرت من الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي. فقلت: لا أستهزئ بك. فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون)) متفق عليه.
أرأيتم ـ أيها الإخوة ـ كيف يفعل الإيمان بأصحابه، وكيف يذيقهم لذة الدنيا قبل لذة الآخرة، وعلمتم من خلال ذلك أن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان وعمل اللسان والجوارح، وأن الإيمان ليس ادعاء باللسان ولا مقالة تقال لا يصدقها عمل، كلا وألف كلا.
وليعلم كل مسلم أن الإيمان إذا استقر في القلب وذاق الإنسان حلاوته فإن أثر هذا الإيمان سيظهر أول ما يظهر على الجوارح، ولذلك يجب أن يعلم كل مسلم أن كل مخالفة لله في الظاهر فهي نقص في الإيمان في الباطن ولابد، وحينها نعلم خطأ من يقول إذا أنكر عليه في أمر ما وخاصة الأمور الظاهرة: الإيمان في القلب، أو يقول: التقوى هاهنا وأشار إلى صدره.
نعم، الإيمان في القلب ولكن أثره على الجوارح، فلو كمل إيمانك حقاً وصدق يقينك صدقاً لما تجرأت على معصية الله فنقول: ما آمن بالله حق الإيمان من عصى الله، في لباسه وأكله وشربه.
وما آمن بالله حق الإيمان من تناول ما هو حرام عليه، سواء من الأقراص الشيطانية أو غيرها.
وما آمن بالله حق الإيمان من لا يستحي من نظر الله إليه وهو يعصيه سراً وجهاراً.
ولكن الإيمان الحق أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

المصدر: موسوعة خطب المنبر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 80 مشاهدة
نشرت فى 4 أكتوبر 2015 بواسطة mohammedelaskar

عدد زيارات الموقع

21,123