الاختيار بالاستبعاد، شكل من أشكال الاختيار العقلانى، فلنتفق على ما لا نريد.

حينئذ لن تكون لجنة المائة التى ستضع الدستور لجنة «لتأليف» الدستور من عدمه وإنما لجنة «لصياغة» الدستور بحيث نتجنب من خلالها «ما لا نريد» لأنها، كما هى الحال فى كل الدساتير الديمقراطية، كاشفة عن إرادة المجتمع وليس متحدية له.

إذن ما الذى لا نريد؟
لا نريد الاستبداد بمصادره الأربعة: استبداد الفرد، استبداد الأقلية، استبداد الأغلبية، الاستبداد باسم الدين.

أولا، لا نريد استبداد الفرد بالمجتمع. لا نريد من يستحمرنا (أى يتعامل معنا كحمير على حد تعبير على شريعاتى)، لا نريد من استخف قومه فأطاعوه. كيف نحقق ذلك دستوريا ومؤسسيا؟ استبداد الفرد يأتى من مصدرين: تركز السلطة وتأبيدها. الحد الأدنى الذى حصلنا عليه حين قررت الأغلبية «نعم» فى التعديلات الدستورية هو انتهاء «تأبيد» السلطة إلى الأبد بإقرار أن رئيس الجمهورية سيظل فى منصبه لمدتين فقط كحد أقصى بينهما انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف قضائى كامل. وهذا هو الحد الأدنى. ما سيبقى علينا فعله هو أن تقوم لجنة صياغة الدستور بتبنى صياغة ديمقراطية تضمن عدم «تركز» السلطة فى يد الحاكم.

ثانيا، لا نريد استبداد الأقلية بالأغلبية. فالأقلية المنظمة (سواء كانت مستندة إلى خلفية أيديولوجية أو عسكرية) قد تنجح فى توفير ما لا تستطيعه الأغلبية غير المنظمة والمتناحرة. ولقد فشلت ثورات عديدة بسبب رغبة الثائرين فى الحرية التى تنفلت إلى فوضى، وبين رغبة آخرين فى الأمن حتى إن انقلب إلى استبداد. ما الحل؟ لا بد أن يكون واضحا دستوريا ومؤسسيا أن أى صلاحيات وامتيازات تتمتع بها الأقلية هى مشروطة بموافقة الجهات المنتخبة ووفقا للإجراءات الديمقراطية الواردة فى الدستور.

ثالثا، لا نريد استبداد الأغلبية بالأقلية: ليس معنى أن أغلبية ما وصلت إلى البرلمان أنها أصبحت مطلقة الصلاحية فى أن تفعل ما تريد بلا اعتبار للقواعد الدستورية والمؤسسية التى تنظم الحقوق والحريات المقررة دستوريا فى الباب الثالث من الدستور السابق. لا يمكن أن يكون مصير هذه الثورة أن يستبد أى حزب أو جماعة بالرأى تحت أى شعار دينى أو أيديولوجى حتى لو كان معها الأغلبية البرلمانية. ما الحل؟ هناك مواد فى الدستور المصرى لا بد أن تظل موضع اتفاق عام وعلى رأسها كل ما يرتبط بـ «المواطنة» التى تضمن أن نكون جميعا لدى القانون سواء بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العقيدة.

رابعا، لا نريد استبدادا باسم الدين: وهذه معضلة سياسية فى المجتمعات المتدينة، حيث يستخدم البعض الرموز الدينية للتأكيد على تدينه وبالتالى شرعيته وأهليته السياسية. إذن ما الحل؟ لا بد من الاتفاق بين القوى السياسية المختلفة على احترام حياد الساحة الدينية من الصراع الحزبى والدعاية الانتخابية، دون أن ينال ذلك من واجب علماء الدين بتعريف الناس بأهمية المشاركة السياسية وعدم الاستجابة للرشاوى الانتخابية واختيار القوى الأمين، دون «تعيين» أسماء أو أحزاب بذاتها بمنطق «لا أنجح الله حزبك» على وزن «لا رد الله ضالتك». مجتمع غير مُستِبد أو مُستَبد به هو أهم ما ستنجزه ثورتنا.


  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 26 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

43,624