كتب / احمدجاد


الحمدلله ، وبعد ... فإنه بعد الثورة الشعبية المباركة في 25 ينايركان الحديث بين اغلبية تتمني وتتطلع الي تطبيق شرع الله تعالي وبين قلة تجعل من الاسلام فزاعة وتخشي من الاسلاميين والعودة للعصور الوسطي ..! وتريد ان تنقض الاستفتاء وتزعم الديموقراطية ..!! ومنهم من يرفض الدولة الدينية ..! ومنهم من يرفض دولة الخلافة ومنهم من يطالب بعودة النظام العلماني المستبد الذي افسد البلاد والعباد ... وهؤلاء لهم الصوت العالي في الاعلام ، وهم وان كانوا اهل فكر ، لكن تعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.

لقد ظلت شريعة الله تحكم قروناًُ ثم غابت قروناً ... وبعدت الشقة ، وتغير الناس بسبب الاستعمار بانواعه الذي ظل جاثماً علي هذه الامة في صور مختلفة وتأثرت النخبة بالثقافة الغربية واحتلوا المراكز العالية وكان لهم التوجيه .. وجاءت النظم الفاسدة التي تتصارع علي رضا وخدمة المستعمر ، وفسد التعليم وتأثر بالفلسفات المختلفة التي تشكك في الدين حتي ان خريج الجامعة يتخرج مشوهاً لا يعرف عن اسلامه شيئاً الا من رحم .. وفي هذه الفترة المظلمة اخذت الدولة بالنظام الشرقي تارة وبالغربي تارة اخري ... ونما الفساد وترعرع .. وحدث الركام الكبير من الفساد .. ولا أمل في الإصلاح الا بالعودة الي النظام الرباني الذي ارتضاه خالق البشر للبشر .. فلا صلاح لهذه الامة الا بما صلح به اولها.

لكن متي تطبق الشريعة الاسلامية بعد هذه الركام ؟ اقول : لابد من التخلي عن هذا الركام ... ثم التحلي بالاخلاق الفاضلة وشرع الله تعالي .

الشريعة الاسلامية لا تُفرض : لا يمكن إلزام الناس بشيء يجهلونه ولا يعلمونه ، وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يقول " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " وحين علموا ما فيها من خير وقوة ومنعة اصبح الذين يحاربونه يحاربون معه ... فالشريعة لا تُفرض فرضاً ، والا كان التحايل عليها وكان النفاق الذي يظهر الاسلام ويطعنه من الخلف ... فهذا نوح عليه السلام كان علي بينة واضحة وحجة ظاهرة ونبوة ورحمة لم يفهمها قومه فخفيت عليهم ولم يهتدوا اليها ... ولا يملك نوح ان يلزمهم بها او يضطرهم اليها او يجبرهم عليها ، فهو يقرر مبدأ الاختيار في العقيدة والاقتناع والتدبر لا القهر والسلطان والاستعلاء والالزام – قال تعالي ( قال يا قوم أرأيتم ان كنت علي بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وانتم لها كارهون ) هود : 28 .

فعميت عليكم ..أى خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها ولا عرفتم قدرها بل كذبتم بها وأعرضتم عنها ..فكيف نلزمكم بها ونفرضها عليكم ؟

لابد من التدرج والتمهيد وتهيئة النفوس مع وجود القدوة حتي يدخل الايمان القلب ويستجيبوا لله وللرسول اذا دعاهم لما يحييهم ... فيسالون كما سال صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام : ماذا يريد الله منا حتي نعمل ونتعلم ونرضيه ؟  فقد سالوا عن خمس عشرة مسألة نزل بها القرآن .. ماذا احل الله لهم وماذا ينفقون وعن الشهر الحرام قتال فيه ؟ .. وكانوا يسألون رسول الله ص عن فضائل الأعمال ... وعن كل ما يقربهم الي الله .. وإذا ارتكب احدهم خطيئة يذهب الي رسول الله صلي الله عليه وسلم كما ذهب ماعز يقول للرسول " اني قد ظلمت نفسي وزنيت واني اريد ان تطهرني " وكما قالت الغامدية : يا رسول الله " قد زنيت فطهرني - راجع الامام مسلم : 1695 وابو داود : 4419 كلاهما في الحدود.

سنة التدرج : لم يفرض الاسلام دفعة واحدة وانما كان التدرج لتيسير الفهم والتربية والقبول والتسليم ، قال تعالي " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك " الفرقان : 32  - فقد نزل القرآن مفرقا منجما في 23 سنة حسب الوقائع والحوادث وما يحتاج اليه من الاحكام لتقوي الأفئدة وليكون اقرب الي الحفظ والفهم وذلك من اعظم التثبيت ( وقرآناً فرقناه لتقرأه علي الناس علي مكث ) الإسراء : 106 .

وقد سلك النبي صلي الله عليه وسلم طريق التدرج بإعداد الرجال اولا ثم الاسرة ثم المجتمع ثم الدولة والخلافة من بعده .. وكانت بيعة العقبة الأولي علي العقيدة والوحدانية والاخلاق وترك المعاصي .. ثم كانت بيعة العقبة الثانية علي حماية النبي عليه الصلاة والسلام وعلي حرب الاحمر والاسود من الناس في الدفاع عنه صلي الله عليه وسلم وعن دعوته.

التدرج في تحريم الخمرفى القرآن  : كانت الخمر عادة متغلغلة عند العرب فاراد الشارع الحكيم ان يتخلص المسلمون منها ومن رواسب الجاهلية ، ولكنه لم يحرمها دفعة واحدة وإنما خطوة خطوة فنزلت الآية : 67 من سورة النحل تفرق بين الخمر والرزق الحسن ثم نزلت آية البقرة : 219 بأن الخمر فيها إثم كبير أكبر من نفعها ثم نزلت آية النساء : 43 بعدم قرب الصلاة وهم سكاري . ثم شرب بعضهم حتي ثمل وضرب بعضهم بعضاً فنزل التحريم القاطع والبيان الشافي ( فهل انتم منتهون ) المائدة : 90 – فقالوا انتهينا ربنا انتهينا ، فمن كانت في فمه جرعة منها مجها ومن كان في يده كأس حطمه وكسرت دنان الخمر حتي سالت في طرقات المدينة .. وتقول عائشة رضي الله عنها " اول ما نزل من القرآن سور المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتي اذا ثاب الناس الي الاسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل اول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر ابداً .. الحديث رواه البخاري في فضائل القرآن : 4993 .. والحديث اشار الي الحكمة الالهية في ترتيب التنزيل وكان اول ما نزل من القرآن الدعوة الي التوحيد والتبشير للمؤمن المطيع بالجنة ، وللكافر العاصي بالنار ، فلما اطمأنت النفوس نزلت الاحكام .. وقد كانوا يألفون الخمر والنفوس طبعت علي النفرة من ترك المألوف . راجع شرح حديث البخاري آنفاً.

التدرج في عرض فرائض الاسلام : فقد روي ان النبي صلي الله عليه وسلم بعث معاذاً الي اليمن فقال : " ادعهم الي شهادة ان لا إله الا الله فان هم اطاعوك لذلك فأعلمهم ان الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم اطاعوك لذلك فأعلمهم ان الله افترض عليهم صدقة في اموالهم تؤخذ من اغنيائهم وترد علي فقرائهم .. .." البخاري في الزكاة : 1395 ومسلم في الايمان : 19 .. واما الصلاة فقد شرعت في اول الأمر صلاتين ، صلاة في الغداة وصلاة في العشي فلما الفت الناس ذلك شرعها الله خمس صلوات في اليوم والليلة .

وفي الحديث الطويل ، سال هرقل ابا سفيان بن حرب اسئلة منها : من يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ فقال ابو سفيان : هم الضعفاء .. وانهم يزيدون .. فقال هرقل : وكذلك امر الايمان حتي يتم . وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب ... راجع البخاري : بدء الوحي : 7 .. قال ابن حجر في شرح الحديث " وكذلك الايمان ، لانه يظهر نورا ، ثم لا يزال في زيادة حتي يتم بالامور المعتبرة من صلاة وزكاة وغيرها ، ولهذا نزلت في اخر سني النبي صلي الله عليه وسلم (( اليـــــوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً )) المائدة من الآية : 3 – ومنه ( ويأبي الله الا ان يتم نوره ) التوبة الآية : 32 – وكذا جري لأتباع النبي صلي الله عليه وسلم لم يزالوا في زيادة حتي كمل ما اراد الله من اظهار دينه وتمام نعمته فله الحمد والمنة .

عدم استعجال الخطوات : لقد لقي النبي صلي الله عليه وسلم واصحابه صنوف  الاذي والتعذيب .. وكان بعض الصحابة يستعجل النصر لكن النصر له تكاليف قبله وبعده .. عن خباب بن الأرت قال : شكونا الي رسول الله .. الا تستغفر لنا الا تدعو لنا ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الارض فيجعل فيه ، ويجاء بالمنشار فيوضع علي راسه فيشق باثنتين ما يصده  ذلك عن دينه .. والله ليتمن الله هذا الامر حتي يسير الراكب من صنعاء الي حضر موت لا يخاف إلا الله .. ولكنكم تستعجلون .. البخاري : مناقب : 3612 وكان اصحاب موسي عليه السلام يعذبون .. فلما طلبوا النصر قال لهم ( عسي ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف يعملون ) الاعراف : 129.

وقال الامام البنا في المؤتمر الخامس : " واما التدرج والاعتماد علي التربية ووضوح الخطوات فذلك انهم اعتقدوا ان كل دعوة لابد لها من مراحل : مرحلة الدعاية والتعريف بالفكرة وايصالها للجماهير .. مرحلة التكوين .. مرحلة التنفيذ والعمل و الانتاج .. وقال في نفس المؤتمر مخاطبا المتحمسين المتعجلين : اسمعوها مني كلمة عالية داوية ... إن طريقكم هذا مرسومة خطواته ، موضوعة حدوده .. طويلة ولكن ليس هناك غيرها .. فمن اراد منكم ان يستعجل ثمرة قبل نضجها .. فلست معه .. ومن صبر حتي تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك علي الله ، ولن يفوتنا وإياه اجر المحسنين : إما النصر والسيادة ، وإما الشهادة والسعادة .

ومن اوجه الاستعجال ان ينظر المؤمن للناس من حيث ماهو عليه وما وصل اليه ولكن ينظر اليهم من حيث ما هم عليه ( كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ) النساء : 94 وفي الختام ، فاني ارجو ان يتعاون الأزهرالشريف مع جميع التيارات الإسلامية على توحيد الجهد وتوحيد كلمة المسلمين وإعادة الخلافة ، وإعداد البرامج العملية لتطبيق شرع الله تعالي وهذا هو هدف الأزهر الشريف وجميع التيارات الإسلامية .. والله المستعان .

اللهم اهدنا وأهد قومنا واشرح صدورنا للإيمان ، وعد بهذه الأمة كما كانت أمة واحدة موحدة تعبدك  ولا تشرك بك شيئاً .. وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين .

 


  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

43,611