اتضح لنا من التاريخ الإسلامي أن المسلمين عرفوا المذاهب الفقهية المتعددة في فروح الفقه المختلفة، كالعبادات والمعاملات وبعض أحكام السير والجهاد وأقروا التنوع فى الآراء، ومما يترتب عليه من اختلاف فى القضاء بين الناس .
كما اتضح لنا أيضا أن المسلمين عرفوا المذاهب المختلفة فى الأصول، كالعقائد والسياسة ومما هو معروف أن الحكم فى الإسلام يعد فى عرف العلماء من الأصول وليس من الفروع، ولكنهم وياللأسف الشديد لم يتسامحوا في تلك التعددية، بل حارب بعضهم بعضا، وعذب بعضهم بعضا، كما حدث مع الإمام الجليل الممتحن "أحمد ابن حنبل" فى مسألة "خلق القرآن" على يد قاض معتزلى هو "أحمد بن أبى داود" وخليفتين عباسيين "المعتصم، والواثق، حتى فك قيده المتوكل .
إذن المطلوب بحثه ليس هو البحث عن وجود الأحزاب، بل هو فى الاعتراف بوجودها والاعتراف في حق كل مجموعة من المسلمين أن تلتقي سلميا للتداول في أمر المسلمين والرعية وطرح رؤيتها وبرنامجها للإصلاح على الناس لحيازة ثقتهم
وهنا يترتب عدة مسائل ؛ أهمها :
1- الحق فى المعارضة السلمية .
2- تنظيم الحق في التجمع السياسي السلمي .
3- الإقرار بمسئولية الحاكم وكيفية محاسبته وطريقة عزله سلميا والتوسع في ذلك وعدم الاكتفاء بأن يخرج من الملة بكفر واضح لنا من الله فيه برهان .
4- تحديد مدة الحاكم أو الحكومة بمدة زمنية، والبحث في المصلحة العامة المترتبة على ذلك .
5- دور الشعب، مسلميه وغير مسلميه في كل تلك النقاط السابقة، وهل يكتفي بعقد البيعة للحاكم فى النخبة المزعومة ثم يأتى دور الشعب فى البيعة العامة، كما كان يتم قبل ذلك فى مصر، بترشيح البرلمان (مجلس الشعب) الاسم الرئيسى ثم إجراء استفتاء صوري عليه ؟
أم أن دور الشعب يتعدى ذلك، بالحق في الترشيح لموقع الرئيس أو الأمير بضوابط محددة عامة، ثم الاختيار بين بدائل مطروحة على الناس، ثم الحق في المحاسبة والعزل لأي رئيس أو حاكم إذا لم يحقق المصلحة العامة للرعية والبلاد وللعباد ؟
الإجابة على تلك الأسئلة قدمتها لنا التجربة الغربية فى النظم الديمقراطية التي يمكن وصفها بالنظام الدستوري النيابي الذي يقوم على التعددية الحزبية والتداول السلمي على السلطة عن طريق الانتخابات الدورية وهو ما أخذت به الحركة الإسلامية مؤخرا .
وعندما سئل ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله ورضي عنه عن الأحزاب فى فتوى مشهورة قال ما مفاده "إنها مشروعة، إذا التقوا على حق وصلاح يريدون الخير للمسلمين والناس، وأنها باطلة إذا كان اجتماعهم على شر أو فساد في الأرض، أو أدت إلى تعصب مذموم وانتصار للنفس بالحق والباطل
ساحة النقاش