قمة الثمانية الكبار هل تساند أم تناهض الربيع العربي؟

ترجمة و تعليق م. محمد سودان و د.م. عمر الحداد

مقالة بجريدة الجارديان

يقول قادة الدول الثمانية الكبار أنهم سيساندون الدول في هذه المنطقة ، مثل تونس ومصر ، طالما أنهم يتحركون ليس فقط نحو الديمقراطية ، بل أيضا نحو "اقتصاد السوق".

الأسبوع الماضي حصلت مجموعة الثمانية الكبارعلى مديح كبير بسبب أعمالها المساندة لصالح هذه الدول في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، هذه الدول التي أطاحت بعقود من الدكتاتورية ، وتحدثت الصحافة كثيرا عن "أربعين مليار دولار دعماً للربيع العربي".

و في تحضيرات القمة السنوية في "دوفيل" ، قال الرئيس أوباما :"لا نريد أن تكون الديمقراطية في مصر معوقة بسبب ديون الماضي" ، شراكة دوفيل أُعلن عنها دوليا وأُثني عليها كثيرا ، لأنها احترمت "القيم المُتعارف عليها كالحرية والديمقراطية ، وأُسست على أساس سيادة الدول  والشعوب ". وأيا كان مقدار التشكك في هذه اللغة التي تصدر من نفس الدول التي دعمّت الحكام الدكتاتوريين في الشرق الأوسط ، فمن المؤكد أن مثل هذه العبارات يؤيدها الجميع .

لكن لسوء الحظ ، قليل من المعلقين قرأوا تصريح الثمانية الكبار ، وحتى من قرأه ،  ربما لم يستطع فك شفرته.

تمتلئ عبارات التصريح بمطالبة مصر وتونس في اتّباع سياسة إقتصاد " السوق الحر " ، ويطالب التصريح هذه الدول بـ"حصاد فوائد العولمة" عن طريق "التكامل". وتريد هذه الدول أن ترى "تكاملاً في الإستثمار" عن طريق تحسين "أجواء العمل" ، (أو بعبارة أخرى : "أن يكون من الأسهل لشركاتنا أن تستثمر أموال دولكم ثم تأخذها"). ويقول قادة الثمانية الكبار أنهم يساندون الدول فى هذه المنطقة ، طالما أنهم يتجهون ليس فقط نحو الديمقراطية ، بل أيضا نحو "اقتصاد السوق".

منذ أصبح "بيتر ماندلسون" رئيس لجنة التجارة في الإتحاد الأوروبي في عام 2004 (وظل في المنصب حتى 2008) ، حاولت أوروبا باستمرار مع دول جنوب المتوسط مثل مصر ، تونس ، (وليبيا أيضا) كى توقع معها اتفاقيات تجارة حرة. وبالفعل ، وضع الثمانية الكبار قائمة باتفاقيات تجارة حرة يريدون أن يوقعوا عليها ، وفيها تخفض الحكومات من الضرائب على التجارة وتزيل العوائق أمام الإستثمار الأجنبي .

إن دراسات الإتحاد الأوروبي وتقييماته تشير إلى أن اتفاقيات تجارة حرة مع تونس ومصر ستؤدى إلى انكماش القطاع الإنتاجى في البلدين بنسبة الثلثين ، بالإضافة إلى فقدان مليون ونصف مليون وظيفة في مصر ومائة ألف في تونس . أكثر من هذا أن التقييمات أشارت إلى أن هذه الاتفاقيات سيكون لها تأثير سلبى على أهداف الألفية في تقدم المنطقة ، خاصة في مجالات الفقر ، والجوع ، والصحة والتعليم .

الدول الثمانية الكبار لها سيطرة كبيرة على هذه الاقتصاديات ، وهذا بسبب مساندتها للأنظمة القديمة لفترة طويلة . كل من تونس ومصر عليهما ديون بمليارات الدولارات من نظامى بن على ومبارك . وبدلا من إلغاء هذه الديون ، تريد الدول الثمانية الكبرى بإعاقة تونس ومصر بمزيد من الديون . وقبل الانتخابات في كلا الدولتين ، فإن حكوماتهما المقبلتين مقيدتان بديون ثقيلة سيكون عليهما سدادها مع تعديل الأنظمة الاقتصادية في البلدين .

ها هو "أسلوب الصدمة" يُنفّذ مرة أخرى ، كما هو واضح من أول سطر فى تصريح الثمانية الكبار ، إذ يقول أن الربيع العربي "قد تكون له القدرة على فتح الأبواب لنفس نوعية التحول التي حدثت فى وسط وشرق أوروبا بعد سقوط حائط برلين". وهو نفس التحول الاقتصادى الذى ترك "لاتفيا" ( جمهورية فى شمال أوروبا على بحر البلطيق ، و كانت إحدى دول الإتحاد السوفيتى ) لأسوأ أزمة كساد منذ التى حدثت في الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي ، بينما في روسيا تشير دراسة حديثة أن الخمس الأغنى من السكان قد استطاعوا مضاعفة ثرواتهم في العقدين الأخيرين ، بينما الخمس الأفقر صار يحتكم على نصف ما كان يحتكم عليه قبل تلك الفترة . اقتصاديات شرق و وسط أوروبا انكمشت بمتوسط 5% كل سنة بين عامى 1991 و 1995.

الخدعة دائما هى أن الحكومات الأجنبية تقرر كيف أن يكون اقتصاد بلد يُدار قبل أن تُجرى الانتخابات أصلا ، وكأنهم يدعون الله أن يمنع سكان هذه البلاد أن يديروا اقتصادهم بأنفسهم . وهكذا ، فإن وعود حكومات الثمانية الكبار للإقليم مشروطة باتباع سياسة "اقتصاد السوق" ، ومن المؤكد أن هذه الأموال ستأخذ شكل قروض جديدة سيكون على سكان مصر وتونس تحملها لعقود ، حتى أن الحكومات الديمقراطية لا يمكنها أن تقرر شيئا فيما يتعلق بهذه القروض .

البنك الدولى يستعد لإعطاء قروض بقيمة ستة مليارات دولار على مدى السنوات القادمة ، وهناك مزيد من القروض المنتظرة من صندوق النقد الدولى . البنك الأوروبى للإنشاء والتنمية يوجه أيضا لتوسيع دائرة نشاطه في ضوء نجاحاته فى عملية "الانتقال" في وسط وشرق أوروبا.

قبل قمة الثمانية الكبار أعلنت الولايات المتحدة أنها ستلغى مليار دولار من ديون مصر ، مقابل أن يُستغل المال فى اتفاقيات أعمال متفق عليها مع الولايات المتحدة . ورغم الإعلان عن نية الولايات المتحدة ، لم يُعلن عن أى إلغاءات مماثلة من قبل باقى الدول الثماني الكبرى . يبقى لبريطانيا 100 مليون جنيها استرلينى ديناً على مصر (وهناك شكوك أن أغلب هذا المبلغ أتى من قروض لبيع أسلحة بريطانية) ، وهو جزء صغير من 30 مليار دولار أمريكى قيمة ديون خارجية على مصر . تُنفق مصر سنويا ثلاثة مليارات دولار لتسديد فوائد ديونها ، وهو نفس ما تنفقه على الرعاية الصحية .

لو أن الدول الثمانية الكبرى ترغب حقا فى مساعدة شعبى تونس ومصر ،  لكانت قد بدأت بالإعلان عن قبولها تأجيل سداد الديون المستحقة على الدولتين ، أو القيام بمراجعة شاملة للديون في عهدى مبارك وبن على مع إلغاء أى ديون يتضح أنها لا تحمل الشفافية المطلوبة ، وإعطاء أموال أخرى لهذه الدول ليس كقروض وإنما كمنح لا ترد . وبدلاً من هذا ، فإن الدول الثمانية الكبرى بدأت عملية تقويض وجود ديمقراطية حقيقية في مصر قبل أن تنتخب حتى حكومة ديمقراطية .

 

رابط المقال :

http://www.guardian.co.uk/global-development/poverty-matters/2011/jun/03/g8-arab-spring

التعليق :

هذه الخطة المتكررة للبديل الإستعمارى أو الصورة الجديدة للإستعمار الغربى لبلادنا ، فقد تركوا أراضينا و عينوا و كلاء ً لهم يفترسون الشعوب بالديكتاتورية القمعية ، ثم يسلسلوا هؤلاء القادة برشاوى و عمولات تعمى البصر ، ثم يقوّدوا بلادهم بالديون الكثيرة حتى يصبحوا دوما أسرى لدول الغرب و أسرى لقروض البنك الدولى و فوائده المسعورة ، كما ذكرت جريدة الجارديان أن مصر تسدد سنوياً ثلاثة مليارات دولار فقط فوائد على القروض ، هذه "وسائل الصدمات" كما ذكرت الجارديان ، تمنح قروض منها مبالغ كبيرة عمولات لحكام هذه البلاد و فوائد مسعورة ، فيربح الحاكم و أبناءه و بطانته من عمولات القروض و الصفقات القذرة ، و ينتفع هؤلاء بتلك الأموال مخلفيين ورائهم ديون مكدسة على شعوبهم بالإضافة إلى فوائد هذه القروض ، فيصبح اقتصاد هذه البلاد مترنحا لا يقبل النمو أبداً نتيجة هذه الديون و فوائدها .

أرادت دول الثمانية الكبار فى أول الأمر أن يُفشلوا هذه الإنتفاضات التى تحدث فى المنطقة العربية بوسائل خفية ، و من يدقق فى الأحداث يعلم تماماً أن من وراء إفساد الثورات فى تونس و مصر و ما يُسمى بالثورة المضادة هم الثمانية الكبار و الموساد ، و من يُقيم المؤتمرات المتكررة فى قاعات الفنادق ذو الخمس نجوم و استدعاء الشخصيات السياسية و شباب الثورة الحديث العهد بالسياسة ، و تثبيت أفكاراً كثيرة بعقول هؤلاء الشباب منها أن الغرب هو الذى كان يُدبّر لهذه الثورة من زمن و أن هناك الكثير من الشباب كان يُدعى إلى العديد من الدول الأوربية منها بريطانيا و فرنسا ، و كانوا يُدرّبون على إشعال الثورات و على التغيير و خاصةً ما يُسمى بأكاديمية التغيير التى لها العديد من الفروع بأوروبا و قطر ، وقد أقاموا عدة مؤتمرات و منتديات فى القاهرة و مكتبة الإسكندرية . لم تكتفِ هذه الدول بهذه الدسائس المتواصلة بتخريب الثورة على أصحابها و سحب البساط من تحت أقدام أصحاب الثورة الحقيقيين ، لكنهم بدأوا يعملون فى كل المجالات لإفساد الثورة ، من هذه العمليات الخبيثة : الوقيعة بين الجيش و الشعب ، ثم بين الشرطة و الشعب ، ثم بين المسلمين و المسيحين ، ثم بين الشعب وفصائل السلفية ، ثم بين الشعب و الإخوان ، و أخذوا يستخدمون كل وسائل الإعلام الممكنة فى تنفيذ هذه المخططات .

وصل الأمر أن يُعقد مؤتمراً ضخماً فى تل أبيب منذ أيام حضره العديد من عملاء الموساد يتدارسون أخطار الثورات التى تحدث فى المنطقة العربية ، و خلصوا إلى أن أعلنوا فى بيان المؤتمر أن الإخوان المسلمون أخطر على إسرائيل من النووية الإيرانية ، وذلك بعد أن زادت و تيرة محاربة الإخوان داخل مصر و التشكيك فى إخلاصهم لمصر ، من هنا أصبح الثمانية الكبار و الصهاينة يعملون فى كل إتجاه لدحر و إفشال ثورة 25 يناير المجيدة  و الوقيعة بين مختلف الفصائل و الأطياف داخل مصر و تونس .

الخلاصة أن الأمواج عالية كالطود و البحر عميق و الرياح عاتية و السفينة ممتلئة بالخروق ، أما حيلة القروض فلا بد لها من مخرج واعى ، يجب أن يتكاتف كل علماء الاقتصاد العرب و المصريين لحل هذه المُعضلة ، بإيجاد بديل عربى مثلاً ، فإن إستثمارات السعوديين فى الولايات المتحدة تربوا على عُشر الاقتصاد الأمريكى ، ناهيك عن اقتصاد دول الخليج العربى بالولايات المتحدة و أوروبا ، لا بد من جذب الاستثمارات العربية إلى البلاد المحررة ، كذلك يجب أن يتعاون كل الحقوقيين المصريين المخلصيين فى سرعة إعادة الأموال المصرية و التونسية المنهوبة ، من البنوك الأمريكية و الأوربية بأسرع و سيلة ، يجب فضح خُطط إفشال الثورات العربية  فى كل وسائل الإعلام العالمية ، سلاح الإعلام مهم جداً فى هذه المرحلة. الإسراع فى حل مشاكل المصدريين ، الإسراع فى حل مشكلة الإكتفاء الذاتى من الحبوب ، القمح و الذرة بأنواعه ، و الإستفادة من كل الدراسات المخلصة فى مجال الإكتفاء الذاتى من القمح ، حل مشكلة تصدير الغاز المصرى للكيان الصهيونى بسعر منخفض ، إنهاء المشاكل المفتعلة للمظاهرات الفئوية ، القضاء على الفتن المفتعلة الدخيلة على المجتمع المصرى بفضح الشخصيات المتعاونة مع الغرب فى سبيل إفشال الثورة ، و حث القضاء على سرعة إنجاز القضايا الخاصة بالأموال العامة و رد هذه الأموال إلى خزانة الدولة .


  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 84 مشاهدة
نشرت فى 5 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

43,655