أول كتاب عن25 يناير: أُحذر الشباب من تضخم الذات حتي لا تضيع الثورة 01/03/2011 10:54:45 ص أحمد الجمَّال لم يكن كتاب "الإنسان العربي بين حاجاته النفسية والشعور بالقرف" الذي عرضته "آخرساعة" في عددها السابق مجرد صدفة قادت مؤلف الكتاب للتنبؤ بثورة اللوتس المصرية بل ثمة محاولات أخري للمؤلف ذاته أكدت عمق رؤيته للمشهد السياسي والاجتماعي في مصر، انطلقت جميعها من حقيقة مؤداها أن الشعب يجب أن يثور لاسترداد حقوقه المسلوبة ومعها يستعيد – بالتبعية – استقراره النفسي والاجتماعي. د.حمدي الفرماوي أستاذ علم النفس التربوي بجامعة المنوفية رئيس الجمعية المصرية للدعم النفسي تواصل مع المجلة بعد أن نشرنا عن كتابه تحت عنوان "الشعور بالقرف فجّر الثورة" وبعث إلينا بمجموعة من أهم إصداراته الأخري التي اجتهد فيها لسنوات علي أمل قيام الثورة المجيدة، من بينها كتاب "العنف في مصر.. لماذا وإلي أين؟" الصادر في بداية هذا العام عن مكتبة الأنجلو المصرية، إلي أن عزز مؤلفاته بكتاب "ثورة الكرامة المصرية.. عودة مصر الشباب والهوية" الذي يعد أول كتاب يصدر عن الثورة بعد نجاحها في وقت قياسي، حيث بدأ في كتابته منذ اليوم الأول لثورة الغضب، مسجلاً بعمله هذا أول خطوة من عالم نفسي كبير لتكريم أرواح شهداء25 يناير حينما صدر الكتاب بإهداء يزكي أرواحهم الطاهرة. أصر الفرماوي علي التوجه من بلدته في محافظة المنوفية إلي ساحة التحرير بالقاهرة – مصطحباً أبناءه الثلاثة معه – ليوقع كتابه الجديد وسط حشود المعتصمين في الميدان وعند "صخرة الشهداء" كان الإقبال شديداً علي الكتاب الذي حمل غلافه صورة للمتحدث باسم الجيش أثناء اللقطة الشهيرة التي يؤدي فيها التحية العسكرية لشهداء الثورة. التقيته فأكد "لقد كنت واثقاً أن جهدي وكتاباتي السابقة علي مدار سنوات طويلة لن تضيع هباءً.. لقد كرست لهذا العمل طوال مشواري.. حقاً قامت الثورة التي طالما حلمت بها ضد الفساد ورموزه وحلم بها الكثيرون من أبناء مصر المحروسة.. علينا الآن أن نتكاتف لبناء مصر الجديدة". "يا مصر إن لم أسق أرضك من دمي .. يروي ثراك فلا سقاني النيل". بهذا البيت الشعري صدَّر المؤلف كتابه الجديد حينما قال: بكل الحب والتقدير والعرفان أهدي هذا العمل المتواضع إلي أرواح شهداء ثورة الكرامة الأبرار الذين رووا بدمائهم الزكية أرض مصر العزيزة الأبية.. وبعيداً عن لغة السياسيين ظل البطل في هذا الكتاب هو التحليل النفسي الذي يجيده الفرماوي ويتقن التحدث به عبر لغة بارعة تمضي في مكاشفة أحوال الناس وميكانيزماتهم الدفاعية ضد الظلم ومحاولة التغريد في سرب واحد وتحت راية واحدة هي "مصر" وبشعار واحد انطلقت به الثورة منذ يومها الأول (الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية) ليتمكن الشعب وفق هذا التوحد النفسي من كسر حاجز الخوف والانتصار علي ما أسماه ب"ترسانة الأمن والأغلال الحكومية". الشعور بالاستئصال يقول د.الفرماوي: مفهوم الكرامة يتضمن قيمة إحساس النفس بعزتها وقيمتها واعتبارها وكينوتها وثرائها، وغياب هذا الإحساس عن الإنسان يعني أن يعيش الإنسان الهوان ويفقد القدرة علي تأكيد ذاته.. ولم يكن هذا الإحساس بالكرامة لجميع طوائف الشعب وأطيافه موجوداً قبل 25 يناير، سواء أكانوا كباراً أو صغاراً ميسورين أو معسرين رجالاً أو نساءً، فقد وصل الإحساس بالإنسان المصري إلي شعوره بأن بلده لم تصبح بلده، وأن أرضه لم تعد أرضه، إنه الشعور بالقرف أو الاستئصال.. حيث أصبح المواطن يعيش حالة من الانفعال الشديد الحاد الذي يعطيه الإحساس بأنه لم يصبح مواطناً في هذا الوطن، لكن الوطن أصبح لغيره من الأقزام ذوي النفوذ والسلطان. انتحار الشباب وفق نظرية التحليل النفسي التي اتبعها د.الفرماوي في تفسير ما دفع الشعب إلي الغضب والثورة نجده يقول: لقد أدي هذا الانفعال بالشعب إلي حالة من العنف بجميع صوره قبل الثورة، سواء كان عنفاً علي المجتمع أو عنفاً علي الذات.. ففي العامين السابقين علي الثورة تعددت المظاهرات والاعتصامات، ثم تطورت إلي سلوكيات عنيفة بين الشعب نفسه، وخرج العنف من البيوت إلي الشوارع والهيئات والمؤسسات، حتي إلي ساحة المجالس النيابية.. ثم تكررت حالات انتحار الشباب بطريقة مباشرة وغير مباشرة، كالموت في مراكب تنقل الشباب إلي جنة أوروبا التي يحلمون بها، بعد أن ضاق بهم وطنهم.. ثم وصل الأمر إلي إشعال المصري النار في جسده في الشوارع وأماكن العمل، احتجاجاً وتذمراً وغضباً مما يحدث، كل ذلك وحكومة الحزب الوطني الغبية لا تعي ولا تسمع إلا نداء التخلف داخلها.. وكان لابد أن تتجمع كل هذه الطاقات.. تجمعاً منظماً وحول هدف واحد.. إلي أن قاد هذه الطاقات شباب مصر الحر الذين حولوا عالمهم الافتراضي عبر الإنترنت إلي عالم واقعي حاملين أرواحهم علي أكفهم.. واندلعت ثورة الكرامة المصرية، فجددت شباب مصر وهويتها. تزوير وتبجح ويمضي المؤلف في تفسير الغضب الشعبي والصحوة التي انتهت بالثورة فيري أن تزوير الانتخابات وقمع الشرطة للشعب علي رأس هذه الأسباب، فيقول في ثنايا كتابه: لم يمر أبداً علي الشعب المصري انتخابات واحدة غير مزورة يجد فيها ذاته أو لمجرد أن يشعر بوجوده الحيوي، إلي أن جاءت انتخابات مجلس الشعب في 2010 ليتم تزويرها بتبجح وغباء حين ذلك أدرك الشعب أن الأمل مفقود خاصة أن رئيس الجمهورية قد وعد الشعب وتعهد بنزاهة هذه الانتخابات. وهنا شعر الشعب بالمهانة وأدرك أن مجلس الشعب هذا قد أعد لنقل السلطة إلي جمال مبارك، وهذا ما ترفضه الأغلبية الشعبية العُظمي. الشرطة في خدمة السلطة أما بالنسبة للشرطة فرغم أن مهمتها تنحصر في ثلاثة مجالات مهمة: حماية المال والعرض والفرد، إلا أن الشرطة في عهد الحزب الوطني أصبحت بعيدة إلي حد كبير عن هذه المجالات، فقد أصبحت مهمتها تنحصر في تحقيق الأمن للسلطة والنظام فمن قمع المظاهرات إلي اعتقال المعارضين وذوي الرأي الحر، إضافة إلي المهمة الاستخبارية، وما أطلقوا عليه جهاز أمن الدولة الذي يتمحور كل نشاطه في أمن النظام ومناهضة الشرفاء والأكفاء. واستخدمت الشرطة فزاعة للشعب تمثلت في الخطر الوهمي للإخوان المسلمين، وبهذه الحجة زورت الانتخابات وروعت القوي السياسية وصادرت الرأي، واطمأن النظام إلي ترسانة الشرطة والذين فاق عددهم عدد القوات المسلحة وفاقت ميزانيتها ميزانية الصحة والتعليم، وكل هذا أدي إلي علاقة سلبية بين الشعب وجهاز الأمن، مما أثر كثيراً في المنظومة الاجتماعية حيث شعر المواطن بالمهانة. حلم العدالة والديموقراطية ويري أستاذ علم النفس التربوي أن الشعب المصري كاد أن يفقد حلمه الذي بدأ مع يوليو1952 ولم يتحقق حتي 25 يناير وهو حلم العدالة الاجتماعية والحياة الديموقراطية السليمة، في الوقت الذي تحقق فيه هذا الحلم لشعوب كثيرة كانت تحسب ضمن دول العالم الثالث وأهمها ماليزيا التي كانت مصر تمدها بمعونات ومساعدات إلي وقت قريب. فقد عاش الشعب الحلم علي مدي سنوات وهو يجري وراء سيارات القادة والزعماء مصفقاً وهاتفاً ومغنياً للوطنية وأبطالها وتجرع الصبر كأساً بعد كأس وتعاطي مسكنات تلو مسكنات، تمثلت في وعود وقرارات وقتية وخططية ذهبت هباءً ودون أن تأتي بأي حلول إلي أن اتهم الشعب أخيراً بأنه شعب لا يتحمل جرعة كبيرة من الديموقراطية!! ورغم تأكيده علي أن العوامل السابقة وما أدت إليه من شعور بالضيق والضجر الشعبي تسببت في اندلاع الثورة إلا أن د.الفرماوي أكد أيضاً "لا نستطيع تأثر المصريين بحركات التحرر المحيطة في القفز فوق مشاعر الخوف وخاصة انتفاضة الشعب التونسي الذي ثار علي الطاغية زين العابدين بن علي فتنسم رياح الحرية، لكن الفضل كل الفضل يعود لشباب مصر العظيم فهو الذي أعطانا الدرس الحضاري الذي لن ينساه التاريخ. هم الذين بدأوا بكسر حاجز الخوف بداخلهم وانتقلت العدوي اللذيذة إلي بقية طوائف الشعب. صدمة الثورة الغريب هو ما يشير إليه المؤلف تحت عنوان "آثار ما بعد الصدمة" حيث يقول: يجب أن ننوه بأن الشعب بالمفاجأة الكبيرة للثورة مازال يعيش آثار الصدمة بمستوياتها المختلفة وتعبير الصدمة هو مفهوم سيكولوجي يحدد الآثار التي تلي الأحداث الجسام التي يمر بها الإنسان الفرد أو الجماعة بصفة خاصة وحيث يلي هذه الصدمة كحدث مفاجئ آثار سلبية يجب أن نعيها ونعمل علي التعامل معها بحكمة وموضوعية وثورتنا من الأحداث الجسام وقد يترتب عليها من الآثار النفسية والعقلية والاجتماعية الكثير وقد تعوق هذه الآثار بعض ما يجب أن يكون من تغيير في المجالات الفكرية والنفسية والسياسية والاجتماعية للمجتمع. ومن آثار الصدمة ما حدث من اضطرابات نفسية وعصبية للشعب المصري خاصة في الأيام الستة الأولي للثورة حيث عاش الشعب الدهشة والذهول مما حدث يوم 25 يناير وما أن فاق علي تحقيق حلم جميل حتي صُدم بالتداعيات السلبية للأزمة وهدد أمن المواطن وأصبح ماله وأولاده وممتلكاته عرضة للنهب والسلب إضافة إلي الترويع من السجناء الذين فتحت لهم السجون والمعتقلات فأصبح المواطن منفرداً مسؤولاً عن حماية نفسه بنفسه وشعر في الأيام الأولي للثورة بأنه أمام غموض قاتل ونفق مظلم ومصير لمصر غير معروف ومن الصعب التنبؤ به. إن بعض هذه الآثار ستبقي في النفس المصرية لمدة ليست بالقليلة. ويلفت الفرماوي إلي بعض الآثار السلبية الخطيرة والتي تتمثل في الخوف مستقبلاً من دوام السلوكيات الناتجة عن وجود بعض الشباب في كل شوارع مدن وقري مصر تحت ستار اللجان الشعبية وهذا الأمر صاحبه السماح بحمل السكاكين والمطاوي بل يحملون أسلحة نارية بحجة الدفاع الشعبي، الأمر الذي يجعل المجتمع في حالة تهديد أمني. تضخم الذات ويحذر الخبير النفسي المعروف من خطورة ما أطلق عليه "تضخم الذات" لدي شباب الثورة فيري أن هذا قد يصيب فئة من المجتمع ويضطرب سلوكها ويعوق المسيرة القادمة، ويشير المؤلف هنا بطريقة غير مباشرة إلي ضرورة عدم اختزال الثورة فيمن يعرفون بشباب 25 يناير، وإن كان لهم بالطبع كل الفضل في تفجيرها، فيقول: لقد سبق الثورة الكثير من التراكمات الطويلة من ممارسات واحتجاجات وكتابات جريئة ومظاهرات متوالية من فئات المجتمع المختلفة وكان هناك الظلم الكثير الذي عبر عنه أصحابه وقتها بطرق جريئة متعددة إلي أن اخترق شباب مصر العظيم حاجز الخوف وأشعلوا فتيل الثورة ولذا أقول لا يجب أن ينزلق الشباب أو أي فئة أخري إلي أعراض نرجسية تصل بهم إلي سلوكيات التمركز حول الذات فلا يسمعون إلا أنفسهم فالأمر يستدعي دائماً الحوار الوطني الجاد بين فئات الشعب المختلفة. ويضيف الفرماوي: لقد شاهدت الكثير من نماذج الشباب (يقصد شباب 25 يناير) وهم يتحدثون في البرامج التليفزيونية قبل سقوط النظام بإسلوب لم أكن أتمني أن أسمعه، لا يليق بمن فجروا الثورة من أجل الديموقراطية، في الحال الذي يُعرض البعض منهم عن سماع الرأي الآخر، ثم يأتي البعض الآخر كي ينفي رأي السابقين في استعلاء، ثم يعطي رأياً مختلفاً وهكذا ندور في حلقة مفرغة. إن تضخم الذات لدي البعض يجعلني أخاف من المستقبل ويجعلني أستحضر مشهد المنصات المتعددة وسرقة الكاميرات لزعماء لبنان من بعضهم البعض لنري عندنا الحريري وجنبلاط ونصر الله رغم خلو المجتمع المصري من الطائفية والحمد لله. مخاوف من الغرور إن تضخم الذات عند فئة من فئات المجتمع ربما يقودنا والعياذ بالله إلي عصر ما قبل الثورة وإلي نفس التصرفات التي كان يقوم بها أباطرة الحزب الحاكم حيث العزة بالإثم والأنانية والغرور وعدم الموضوعية في الحكم علي الأشياء. وأخيراً ينوه الفرماوي إلي أن محاسبة المسؤولين عن الفساد وإهدار المال العام واجب وطني وضروري لكن أن يتحول الوضع إلي مهرجان من موجات الانتقام وتصفية حسابات فردية هنا سوف يتم القضاء علي مكتسبات الثورة وسوف لن تتقدم المسيرة إلي الأمام. سوف نقف في اتجاه الخلف بل يؤدي ذلك إلي تعزيز ونمو قيم سلبية أخري في المجتمع. إن للمجتمع حقا علي هؤلاء الذين خربوا فيه ولكن أيضاً لهؤلاء أنفسهم الحق في محاكمات عادلة حرة.
محمد مدحت عمار
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
46,953
ساحة النقاش