جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
إن للمسلمين آداباً في تعاملهم مع المرأة يرسمها لهم دينهم وينبغي أن تكون هذه الآداب راسخة في عقولهم ووعيهم، لأنها تعتمد على حسن تفهمهم لكرامتها الإنسانية التي قررتها الشريعة، كما ينبغي أن تكون راسخة في قلوبهم حيث غرست الشريعة في هذه القلوب مشاعر الرفق واللطف بالنساء .
وإذا كان أهل الغرب يجاملون النساء، لاعتبارات رصينة أحياناً ومظهريه أحياناً فإننا نحن المسلمين لنا آداب في المجاملة سامية ومتميزة وهي الأرقى لأنها قائمة على اعتبارات كلها صادقة وتنبع من قلوبنا، ومما يذكي مشاعر الرفق واللطف بالنساء عند المسلمين ما ورد في هدي رسولهم صلى الله عليه وسلم سواء مع أزواجه وبناته أو مع نساء المؤمنين أو حتى مع النساء غير المسلمات .
واسمحوا لي أن نستعرض بعض هذا الهدي الذي ينبغي أن يكون لنا فيه أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر.. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سهلاً لينا لا يعرف التكلف إليه سبيلاً مع علو قدره ومقداره العظيم، لقد كان في مهنة أهله رغم هم الدعوة التي يحملها وتنوء منها الجبال، سئلت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله (أي خدمة أهله) رواه البخاري .
وكان صلى الله عليه وسلم شفوقاً يراعي مشاعر أزواجه ونفسياتهن فتجده مثلاً يأبى إجابة دعوة إلى طعام حتى تصحبه زوجته عائشة فيها، فعن أنس أن جاراً لرسول الله فارسياً كان طيب المرق فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ لعائشة فقال: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ قال: لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ قال: نعم في الثالثة فقاما يتدافعان (يمشي كل واحد في أثر صاحبه) حتى أتيا منزله (رواه مسلم) ما رأي حضراتكم في هذا السمو الأخلاقي وتلك المراعاة النفسية المرهفة لشريك الحياة وحبيب القلب؟! أعتقد أن سلوك أحدنا اليوم مختلف عن هديه صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟
إن الرسالة والشرف اللذان أولاهما الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بها لم يزيداه إلا تواضعاً فوق التواضع الذي فطر عليه، من منا يتصور أن محمداً بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خير من وطأت قدماه الثرى وسرى له نفس في الكون كان يضع ركبته لزوجه تصعد عليها حتى تستوي مطمئنة على ركوبتها؟ عن أنس قال: ثم خرجنا إلى المدينة (قادمين من خيبر فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها (أي لصفية) (أي يجعل لها حوية تركب عليها وهي كساء ونحوه يحشى بشيء ويدار حول سنام البعير)- وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب (رواه البخاري) إن أحدنا اليوم ليستنكف أن يفتح لزوجه باب السيارة أو يمهد لها مجلساً تستقر فيه ويعد ذلك رعونة تعيبه!
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى في الترويح المباح شيئاً، فقد كان يعرض على زوجه النظر إلى لعب الأحباش ويقف معها حتى تنصرف هي: عن عائشة قالت: وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق (جمع درقة وهي ترس مصنوع من الجلد) والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: تشتهين تنظرين؟ قلت: نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: دونكم (كلمة تنهيض وتنشيط) يا بني أرفده (أرفده لقب للحبشة) حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي (رواه البخاري ومسلم) وأنا لا أريد لهذا الموقف أن يمر قبل أن ألفت القارئ إلى نصه والذي فيه (خذي على خده) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمح للسيدة عائشة فقط بالترويح عن نفسها وإنما شاركها فيه بكليته شاركها مشاركة المحب الذي يتمنى لأن يدخل السرور على قلب من أحب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
لقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". رحمة لزوجه ولبناته وللعالمين أجمعين. لقد كان يقوم مرحباً بابنته فاطمة وكان يقبلها ويجلسها عن يمينه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله (رواه البخاري ومسلم) وفي رواية لأبي داوود والترمذي والنسائي: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه صلى الله عليه وسلم وهناك البعض منا يرغم أبناءه على تقبيل يديه وعدم الجلوس في حضرته من باب توقيره واحترامه.
ولا أدري كيف يقود الإرغام إلى صدق التوقير والاحترام، وظني أنه يقود إلى عكس ذلك وإن لم يصرح به لقد كان صلى الله عليه وسلم يتجوز في صلاته رفقاً بالمرأة التي يبكي صبيها فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد (حزن) أمه من بكائه (رواه البخاري ومسلم). والبعض الآن ممن يؤم الناس يغفل عن ذلك بل لعله يقرع من أتت بصبيها إلى المسجد (على الإتيان به وعلى بكائه) لقد كان يتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النساء على أنهن قوارير يجب الرفق بهن، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر وكان غلام يحدو بهن (الحداء هو ضرب من الغناء تساق به الإبل) (أي بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم) يقال له أنجشه .
وفي رواية عند أحمد: فاشتد بهن السياق فقال النبي صلى الله عليه وسلم رويدك يا أنجشه سوقك بالقوارير (رواه البخاري ومسلم) والآن ذاع تكسير القوارير بالضرب وأصبح مجال افتخار وإثبات رجولة " وإنا لله وإنا إليه راجعون" إن المسلم الذي يرى امرأة تتحمل أو تتكلف ما لا طاقة لها به أو مما ترغمها عليه الظروف الصعبة ولا يتحرك لها مخفضاً عنها عليه أن يعيد تفكيره في مسلكه هذا. فعن أسماء بنت أبي بكر قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزبير وهي مني على ثلثي فرسخ (مقدار ثلاثة أميال) فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال.... فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني استحييت فمضى (رواة البخاري ومسلم). قريب من هذا الموقف موقف المرأة التي تركب المواصلات العامة اضطراراً لقلة ذات اليد حاملة شيئاً أو غير حاملة إياه ولا يقوم لها رجل ليجلسها مكانه ويخفف عنها! إنه موقف في رأيي مستفز ولا يليق برجل بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة! إن ما ذكرته من صور هو مجرد بعض من كل لما ينبغي أن يكون ولما كان عليه أمر معاملة النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أسأل تعالى أن يكون لنا فيه الأسوة الحسنة إذا كنا نرجوا الله واليوم الأخر اللهم قد بلغت اللهم فاشهد
سبحان الله و بحمده . سبحان الله العظيم
ساحة النقاش