جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
خرج من المحكمة و يداه مكبلتان بالأصفاد ، و معه شرطيان يرافقانه إلى السيارة التي ستصطحبه إلى السجن ، و الدموع تترقرق في عينيه ، تريد أن تندفع إلى الخارج ، و لكن " رجولته ستنكسر " إذا ما سمحت لتلك العبرات أن تسترسل على وجنتيه اللتين أحالهما التعب و الظلم إلى اللون الأسود الشاحب ، و كأنّه خارج من معركة ضدّ مدخنةٍ قديمة .
و أخيراً بقيت تلك العبرات أسيرةً لعينيه الدامعتين ، و لكنها لم تمنع عينيه من متابعة منظر الطفل الذي لم يمضي على ولادته الخمس أشهر و هو يبكي في حضن أمّه و كأنّه استشعر ذلك الجو الكئيب المُحزن ، فأطلق العنان لفاهه ليفتح على وُسعه و أخذ يبكي بحرارة بكاء اليدين اللتين تحتضناه .
لم يكن هذا المنظر المأسآوي إلا مشهداً يتكرر تقريباً كلّ يوم على باب تلك المحكمة ، وكل يوم على مدار الأربعة و العشرين ساعة ، تبكي و تدمع عيون على عتبة تلك المحكمة ، سواء في حالة الفرح لتبرئة محكومها ، أم بالحزن على الاضطرار لتوديع البعض لأحبائهم و فلذات أكبادهم لفترة قد تطول أو تقصر ، أو قد تستمر إلى الأبد !!
دخل سيارة الشرطة ، و جلس مطأطأ الرأس حزيناً مهموماً بتلك القضية التي كانت لصالح الظالم و ليس المظلوم ، و لكن تلك هي الحياة ، قد تظلمنا أحياناً و لكنّها مع ذلك تترك لنا مجالاً لنجعل هذا الظلم عادلاً !
كيف ؟؟ فكّر الشاب المحكوم عليه ظلماً بصمت ، بعد أن استرسلت عبراته أخيراً على وجهه المكفهر ..
ثمّ تذكر عبارة روبرت فورست التي تقول : " لا يمكن لشيء أن يجعل الظلم عادلاً إلا التسامح " .
فقرر أن يغفر لذلك الظالم و أن يسامحه ، و بهذا يخرج من تلك المباراة غير العادلة بنتيجة متعادلة !
ولو أنّ السجن سيكون حليفه لسنواتٍ عدّة إلا أن التسامح هو أعظم شيء يمكن أن يقوم به الإنسان .
هكذا فكّر هذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره الإحدى و الثلاثين سنة ، ثم مسح عبراته الباردة ، و قد سرت تلك الأفكار الإيجابية عن نفسه قليلاً .
سبحان الله و بحمده . سبحان الله العظيم
ساحة النقاش