
في سنة 1487 وصل مبعوثي أبو عبد الله الصغير ملك غرناطه إلي القاهره لمقابلة سلطان مصر المملوكي الأشرف قايتباي و قد حمل هؤلاء السفراء رسالة إستغاثه بالسلطان تطلب منه تجهيز حمله كبري لصد الخطر الصليبي المحدق بمملكة غرناطه و بيان أنها قد اشرفت علي السقوط .
علي أثر ذلك عقد الأشرف مشوره فيما بينه و بين كبار الأمراء و وصل رأيهم لأن يرسل السلطان تهديداته لبابا روما بأنه سوف يغلق كنيسة القيامه و أنه سيمنع الحجاج المسيحيين الوافدين علي الأراضي المقدسه , لكن و علي حد تعبير المؤرخ ابن إياس أن ذلك كله لم يغن شيئاً بدليل ما كان من سقوط غرناطه بعدها بحوالي 5 سنوات .
و لكن من الواضح تماماً أن هذا الحدث و هذه الظروف المريره في الأندلس لم تلقي العنايه الكافيه لدي سلطان مصر الدوله الإسلاميه الأقوي حينها في الشرق و كذلك فإنه لم يلقي العنايه الكافيه لدي المجتمعات الإسلاميه في هذه المنطقه و ليس أدل علي ذلك من إشارة إبن إياس - و هو احد أبرز أدباء ذلك العصر - لحادثة سقوط غرناطه في حوادث سنة 897 هـ حيث كان مروره علي هذه الحادثه مروراً سريعاً جداً بالرغم من وصفه لتلك الواقعه بأنها " من أعظم الوقائع المهوله في الإسلام " .
لكن أسباب هذا التغييب لهذا الحدث تُحِتم علينا ان ننظر لظروف المشرق الإسلامي بنظره أكثر تدبر وأكثر شموليه .
فقد كانت مصر في هذه المرحله تمر بأحد المراحل العصيبه من تاريخها و ألم بها حدثين في غاية الشده ؛
أولهما : الحرب المستعره بين المماليك و العثمانيين و التي كانت قد استنزفت موارد المملكه و خزينتها بالإضافه إلي أن غالب الجند المصري كانوا علي الجبهه أمام العثمانيين في وسط و شرق الأناضول .
ثانيهما : وقوع الطواعين التي فتكت بالمصريين و أهلكت الكثير من الناس حتي أن ذوي السلطان لم يسلموا منها و و كذلك الأمراء و قد كان وقوع أحد اكبر الطواعين في نفس السنه التي سقطت فيها غرناطه و كان ضمن سلسله من الطواعين ربما كانت أقل اثراً .
هذه الأسباب تضاف إلي دواعي أخري منعت قايتباي من التعامل بجديه مع هذه الحادثه و أبرز هذه الدواعي أن بعد المسافه بين مصر و الأندلس و وجوب نقل الجنود عبر البحر ليتمكنوا من الوصول للأندلس و لم يكن للمماليك في هذه المرحله من تاريخهم الباع في العمليات العسكريه البحريه .
وقد يكون للعامل الإقتصادي تاثيره ايضاً في هذا الشأن , فقد إرتبطت مصر بمعاهدات تجاريه مع الكثير من الدول الأوربيه و التي لابد من اخذها بالإعتبار لدي حكام مصر فقد كانت مرور تجارة الشرق بمصر هي المورد الأساسي الذي تعتمد عليه خزانة الدوله المملوكيه .
ربما تكون هذه هي الأسباب العامه وراء غياب دور مصر المملوكيه في حادثة سقوط الأندلس و هذا الموقف الضعيف لم يكن سوي إنعكاس لمظاهر كثيره عجلت بمغيب شمس هذه الدوله كما كانت إنعكاس لتغيرات جذريه في موازين القوي و العلاقات الإسلاميه - الإسلاميه في شرق المتوسط


