الفن السابع
ما بين الشرق والغرب!!!
مما لا شك فيه ان العروض الاولي للسينما في العالم ، كان لها اكبر الاثر في نفوس الجماهير التي تشاهد هذا النوع الجديد من الفن ، الا ان ظهور هذا الفن في مصر من خلال الفرنسيين لم يكن له نفس القدر من الاهمية لان المصريون اعتبروه فنا غريبا عنهم ، حتي اصبحت الحاجة الي فن مصري خالص يقدمه المصريون من صنعهم وكان ممن درسوا هذا الفن في الخارج وهومن اشد المهتمين بهذا المجال هوالمخرج: محمد بيومي فهو لا يعتبر مخرجا فقط بل انه فنان شامل حاول من خلال اعماله ان يوضح ان مصر قادرة علي انتاج فيلم مصري خالص وسنستعرض له احد افلامه الشهيرة والتي يؤكد فيها علي بدايات الفيلم المصري وهو فيلم(برسوم يبحث عن وظيفة) الذي تم عرضه لاول مرة عام 1923م ليبهر الجمهور المصري بل العالم كله بان المصريون قادرون علي صنع افلام ذات تقنية فنية رائعة وتناقش قضايا هامة في المجتمع ، فهو اول فيلم روائي مصري يتناول قضية اجتماعية وهي مشكلة احتياج الطبقة الفقيرة في المجتمع وكذلك المقارنة بينها وبين طبقة الاثريا ، ويعرض بيومي فكرته من خلال رسمه لشخصيات العمل والاماكن التي يسكنوها وكذلك تصويره للاحياء الفقيرة ، فقد تم رسم ابطال العمل علي هذا النسق لتوضيح الفكرة ،فنري شخصية:(الشيخ متولي ) وهو في ملابسه البسيطة يشغل وقته حتي لا يفكر في الجوع بقراءة الجرائد التي يحصل عليها من القمامة، وشخصية: (برسوم) الذي يضع امام منزله لافته مكتوب عليها (بني ادم فاضي للايجار ولو باللقمة) وايضا شخصية (الطفل) الذي يسرق رغيف الخبز من برسوم لانه جائعا ،فبيومي يعرض واقع بائس الي درجة كبيرة يضطر فيها الانسان ان يعرض نفسه للايجارحتي يحصل علي الطعام ، وفي الناحية الاخري نجد مدير البنك وما يملكه من ثراء ليوضح بيومي التناقض بين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية ، وقد رسم بيومي شخصياته بذلك الشكل الكوميدي الساخر ليضفي بهجة علي العمل الفني فتصرفات الشخصيات وحركاتهم وايماتهم داخل السياق العام للعمل تعطي جواء من الكوميديا الساحرة التي تخفف من مساؤي الواقع، ودائما بيومي ما كان يؤكد علي فنه الوطني الخالص في انه استعان خلال عرضه الصامت بالنصوص المكتوبة ويؤكد من خلالها علي ماسبق بذكره لجريدة امون التي كان يمتكلها وهي جريدة مصرية خالصة ،
وقد يتضح في بعض المشاهد مدي تاثر بيومي بشارلي شابلن في تصويره واخراجه للعمل فهذا قد يظهر في وضع المشاهد واخذ اللقطات ، لذا لا يمكن ان ننسي ذلك الدور الرائد لمحمد بيومي في السينما المصرية ، لان له السبق في تصوير اول فليم روائي مصري خالص ، وان كان محمد بيومي قد اعرض بدايات السينما في فيلمه (برسوم يبحث عن وظيفة)، فان شارلي شابلن ذلك الفنان الكوميدي الذي ابهر الجميع بفنه قد اوضح من خلال افلامه تلك البدايات لهذا الفن في بلاده ونري نموذج لذلك في فيلمه الشهير(الطفل) والذي تم تقديمه عام1921م فقد اظهر من خلاله بدايات السينما بواسطة عرضه للشريط السينمائي المعبر عن ذلك واستعمال النصوص المكتوبة لان بداية السينما كانت صامتة،ويناقش شابلن في فيلمه قضية هامة جدا وهي ضياع طفل في الشهور الاولي من عمره من والدته التي تسعي جاهدة في العثور عليه حتي تجده في النهاية بعد مرور فترة من الزمان وينتهي الفيلم نهاية سعيدة ، وقد حاول شابلن في فيلمه عرض مشكلة مجتمع الفقراء وما يعانونه في تصويره للحي الذي يسكن فيه هو والطفل وجيرانه وكذلك الملابس وادوات الطهي وغيرها ، ليعبر عن تلك الحياة الصعبة التي يواجهها هذا المجتمع ، وفي الجانب الاخر يعرض شخصيتي(الاب والام) وما وصلوا اليه من ثراء فاحش ، وقد صاغ شابلن تلك القضية في جو من الكوميديا الساخرة وذلك برسمه لشخصية الطفل الشقي المشاغب الذي يساعد والده في الحصول علي المال من خلال بعض المقالب التي يامره بها ، وايضا شخصية الشرطي العنيد الذي يحاول تحقيق النظام الا ان رسمه بهذا الشكل يعطي نوع من الكوميديا ،وكذلك باقي الشخصيات وما تقوم به من تعبيرات وتصرفات ذات طابع ساخر، وقد صور شابلن في فيلمه المواقف الكوميدية بشكل اعمق واكثر سخرية من محمد بيومي خاصة في مشهد الحلم الذي تم تصويره بشكل رائع ، يجعل المشاهد ينظر اليه بدهشة واعجاب شديد لتعطي جوا دراميا ساخرا ملئ بالكوميديا الساحرة.
واخيرا: نري ان تلك العروض التراثية قد احدثت تقدم رائع بظهور ذلك الفن المدهش الذي اوضح من خلاله هولاء الفنانين مشاكل وقضايا هامة كانت تشغل المجتمع في ذلك الوقت ولا يزال صداها موثرا حتي الان.. محمد حافظ
ساحة النقاش