Subject: الإسلاميون وحلم الجمل
الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.
إن لم يعجبك قولي فأرشدني،
وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،
أو بلوكمي، أو سبام مي.
أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]
الإسلاميون وحِلم الجمل
مع رجاء نشر هذه الرسالة
بقلم
30 يوليو 2011
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
كانت كلمات حمدين صباحي على قناة "أون" هي أجمل كلمات المعلقين على أحداث يوم جمعة "لم الشمل"، تَدَثرْت بعدها في فراشي فرأيت في منامي جَمَلا هائل الحجم يهرول هابطا من أعلى جبل أخضر شاهق يبتلع الجمال العادية التي ترعى على هذا الجبل، والمواطنون يبتعدون مرعوبين عن طريق هذا الجمل الهائج، ثم يجري الجمل على الطرقات معوقا السيارات والحافلات السارية على الطريق، وأخيرا يختفي هذا الجمل المرعب وينتهي الحلم، ولكن بقيت ذاكرته معي طوال اليوم حتى وقت كتابة هذه السطور. ويقال عني أنني مثل "الريكوردر" أسجل الأحداث في ذاكرتي وأحلامي، فحاولت تفسير هذا الحلم وانتهيت بلا عناء إلى أن هذا الجمل هو تيار الإسلام السياسي الذي كان فخورا باستعراض عضلاته، كما لو كان قد هزم إسرائيل، يوم جمعة لم الشمل هذه، والتي أصبحت اسما على غير مسمى. ومن ثم فإني أوجه بعض خواطري إلى شباب التيار الإسلامي المثقف فاقدا الأمل مؤقتا في قياداته وكبار سنه من ناحية، وفي شبابه غير المثقف من ناحية أخرى، لسيطرة المنافع على الفئة الأولى وغياب الوعي عن الفئة الثانية.
<!--لولا الثورة ما ظهر هذا التيار الإسلامي بحجمه الآن على الساحة السياسية. ولكن للأسف، لا يعطي هذا التيار للثورة قيمتها وفضلها ولمن قاموا بها. والتيار الإسلامي كان كالراكب المجاني بالنسبة لهذه الثورة. ومع ذلك فموقفه معها كالقطط "تاكل وتِنكر". وعموما فعطاء الثورة فياض للمصريين كافة لا يفرق بين أبناء مصر. ولكن المهم يا شباب مصر ألا تُجهَضُ الثورة بالتفرق والتشرذم بين أقوى قواعدها وهو أنتم أيها الشباب، أعظم المستفيدين بها لأنكم مستقبلها بجانب كونكم أقوى عناصر حاضرها.
<!--كلنا مسلمون ومصريون، ومصر مسلمة منذ 1400 سنة، والإسلام ليس حكرا على الإسلاميين السياسيين، ولم يغدق بعطائه على الإسلاميين السياسيين ويقتر علي باقي المسلمين. (أرجو قراءة مقال "فلا تزكوا أنفسكم" على الرابط التالي:
kenanaonline.com/users/mngamie/posts/294916
<!--البقاء لله لجماعة الإخوان المسلمين، جماعة الشهيد حسن البنا الأصلية التي نحن في أمس الحاجة إليها الآن بعد انهيار القيم على يدي السادات ومبارك، حيث أن الجماعة اليوم أصبحت سياسية التوجه. وأبسط الدلائل على ذلك هو النسبة الهائلة من مخصصاتها التي تصرف على الجانب السياسي مقارنة بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي. هذه صورة من صور التحول أو الإحلال الهدفي الذي يحدث للمنظمات البشرية. والأخطر من ذلك هو ما سيحدث للأحزاب السياسية الإسلامية "الحرية والعدالة وغيره من الأحزاب الإسلامية الأخرى" من تحول أو إحلال هدفي من التوجه نحو خدمة أعضاء هذه الأحزاب وتحقيق أهدافها الإسلامية إلى تحقيق منافع ومكاسب انتهازية لقيادات هذه الأحزاب، وهذا أمر معروف اكتشفه روبيرت ميشيل فيما أطلق عليه القانون الحديدي للسلطة الهرمية The iron law of oligarchy. وببساطة شديدة عندما يأتي الأمر إلي الأخلاق والدين فلا تثقوا في السياسة والسياسيين.
<!--يعج المسرح السياسي الآن بالأحزاب الدينية الناشئة أو المنشأة بالفعل، وقد انتشى المتأسلمون القياديون بالثورة والديمقراطية والحرية وإزالة المحظورات، فانطلقوا بعد حصار وأسر طويل في التعبير عن هويتهم وطموحاتهم، ولذلك فهم معذورون. وقد تسبب هذا الواقع السياسي بجانب التخريب الذي يقوم به أعداء الثورة ومنتفعو النظام السابق في إشعال مواقع الفتنة في مختلف أرجاء الجمهورية. هل هذا هو الوقت المناسب لهذا الاحتشاد السياسي المتأسلم؟ مصر الآن في حالة شبه قصوى من التوتر الديني سواء بين الديانتين الأساسيتين أو بين الطوائف الداخلية لكل من هاتين الديانتين، وكذلك بين القوى والأحزاب والائتلافات السياسية المختلفة. لا نريد أن يبدأ بناء مصر الحبيبة بعد الثورة باحتشاد عاطفي إسلامي غير مبرر سوف يثير قلاقل وأعاصير توقف تطور هذا الوطن الحبيب وربما تودي به إلى حرب أهلية أو انقسام وطني. والحل أيها الشباب الإسلامي الطاهر هو أن نترك الميدان اليوم، وهذه المرة فقط، لقائد عادل خبير ذي قدرة إدارية هائلة، مخلص ذي ضمير ووطنية وإخلاص نادر، غير باحث عن طموحات شخصية، معتدل دينيا غير موسوم باحتشاد ديني عاطفي، مؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية بحق، عاشق لمصر وترابها وفقرائها، متسم برؤية شاملة ليبني، ونبني معه، مصر في أول فترة رئاسية لها بعد هذا التوتر الديني الهائل، وبعد هذا الترهل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الرهيب الذي أصاب مصر على أيد أبنائها قبل أعدائها الخارجيين. ولكن من هو هذا القائد؟ هو من كان من أسباب تفجير هذه الثورة، ومن حسن حظ مصر المستقبل، هو الدكتور محمد البرادعي. وكفى هذا الرجل ما ناله من ظلم وبهتان تارة على يد مبارك وكهنته وتارة على يد التيار الإسلامي بصفة خاصة وهوأول من نادى بحق الإخوان في المواطنة في عصر الطاغية، وذلك قبل ظهور الجماعة الإسلامية والسلفية على الساحة السياسية. فهل ينجح المتأسلمون في اختبار الشهامة الوطنية؟
<!--رفض الإمام علي رضي الله عنه أن يحكم بغير القرآن وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث رفض أن يحكم بالضرورة بما أتى به الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على نفس درجة القرآن والسنة قائلا إن لي اجتهاداتي وللشيخين اجتهاداتهما. الإنسان المتعلم الحق يسمع ويقرأ، ثم يُعمِل عقله ويتدبر، ثم يختار قوله وعمله. أما الطاعة العمياء فهي أسلوب كهنوتي يرفضه الإسلام، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأنت ترى الآن أيها الشباب الإسلامي قيادات اسلامية تقول كلاما ثم تعتذر عنه ويتكرر الموقف كثيرا. الصوت العالي والجبرية والتشنج هي دائما دليل علي ضعف موقف الإنسان ومنطقه كما تقول ابنتي ذات العشرين ربيعا.
<!--لقد استخدم مبارك وكهنته الإخوان المسلمين كفزاعة لكل من يعترض على منهجه الشيطاني. أيليق بكم يا إخوانيَ الإخوان أن تستخدموا نفس المنهج مع من تطلقون أنتم عليهم علمانيين ولبراليين وغير ذلك من ألقاب هلامية، تستخدمونهم كفزاعة توجهونها إلي الشعب المصري البسيط وتتلاعبون بعواطفه الدينية، بل ويستخدم بعض الإسلاميين ألفاظا لا تليق بمسلم أو عاقل أبدا، عندما يكفرون ويخونون رموزا من عظماء مصر وعلمائها ومثقفيها ثم يعتذرون، متعدين بذلك مدى مبارك وكهنته؟ هل تعلمتم ذلك من الشهيد الإمام؟
<!--ألا يتسم سلوككم أصحاب التيار الإسلامي ببعض من سمات المكيافيللية الفاشلة؟ فأنتم تتحدثون وتعترفون بالدولة المدنية لتكسبوا أصوات العقلاء من أبناء مصر وهم كثيرون، ثم تتحدثون عن الشريعة والهوية الإسلامية كما لو كانت مصر غير ذلك لتستعطفوا وتستغلوا مشاعر الشعب المتدين البسيط وتكرهوه في غيركم، ثم تتحالفون مع السلطان كما حدث مع الملك وعبد الناصر والسادات بل ومبارك أيضا، والآن مع المجلس العسكري ثم ينتهي شهر العسل بكارثة. ومن يحاول منكم أن يستفيد من هذه الدروس تقصونه وترفدونه من الجماعة. الحل الجراحي الناجع هو إما أن يتبرأ حزب العدالة والحرية من جماعة الإخوان المسلمين ويتبع قواعد اللعب السياسية في ملعب السياسة، أو تتبرأ جماعة الإخوان المسلمين من حزب العدالة والحرية وتعود إلي نسختها الأصلية نسخة الشهيد حسن البنا، وكم تحتاجها مصر الآن في بناء مستقبلها الباهر إن شاء الله بعد الثورة. أما أن يجتمع النقيضان فهذا أمر يستحيل على إبداعاتكم أن تحققه.
<!--أي إسلام تريدون، وأنتم مختلفون، وأي دولة إسلامية تريدون أن تكونوا مثلها؟ السعودية هي بالطبع أفضل النماذج في نظركم لأنكم تتشبهون بلبسها ومظهرها وسلوكها. تصوروا أنكم أجريتم استفتاءً شعبيا لسكان مصر: هل تحبون أن تصبح مصر مثل السعودية في نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؟ لن تجد أكثر من 5% فقط يقولون نعم ويبررون لك اختيارهم بأن فيها الحرمين الشريفين.
<!--يا شباب مصر الإسلامي، قولوا أمنا بالله ثم استقيموا كما نصح الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. نحن في عصر العلم، عصر الفمتوساكاند، وعصر النانو تكنولوجي، وعصر التقنية الحيوية، وعصر الخلايا الجذعية و.. و.. و.. ثم نحن أيضا في عصر العولمة، أردنا أم لم نرد. لابد أن نعيش بلغة العصر وإلا سنكون كالهنود الحمر والبدائيين في استراليا وعراة إفريقيا. العلم هو الطريق إلي الإيمان العميق وليس مناقضا له، فلنسعى لذلك، وأما الإسلام فهو في قلوبنا، والإسلام متين فأوغلوا فيه برفق.
<!--ما ذنبي أنا أنني مسلم والحمد لله أذهب لأصلي بالمسجد، فأفاجأ بالإمام المتعلم تعليما عاليا، وهو يفسر الربع الذي يقرأه في الصلاة، بعد صلاة الفجر، يشبه من يؤمنون بالدولة المدنية بكفار نوح. هذا طعن أليم في قلوب المسلمين. وهنا أتألم أيضا عندما أتذكر إخواننا الأقباط وهم يوسمون بالكفر، وما شأني أنا بدينهم، والله أطلق العنان لمن شاء أن يؤمن أو لمن شاء أن يكفر.
<!--يدعونا إسلامنا، قبل أن يتطلب نجاح الثورة، أن نلتزم بالوحدة والألفة والأخوة ونبتعد عن العداوة والبغضاء، وأن نعتصم بحبل الله جميعا، وألا نكون شيعا نأخذ بعض الدين ونترك بعضه، وأن نكون أمة واحدة لرب واحد جل شأنه وتعالى. إن ارتباطنا حول مطالب الثورة يبعدنا عن أنياب ذئاب مبارك وإسرائيل وأمريكا المتربصين بمصر ونهضتها.
وكل عام وأنتم بخير.
ساحة النقاش